نعرف جميعا أن ما يسمى "تصدير الثورة" أدى إلى إحداث شروخ بين الشعوب العربية والإسلامية
هناك أمثلة وحكم وأقوال تمثل الواقع وتقدم دروساً وعبرا لا يلتفت إليها معظم الناس رغم أنها تتردد أمامنا كل يوم ومنها: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" و"كما تدين تدان" و"البادي أظلم" و"لا تنه عن خلق وتأتي مثله" و"حبل الكذب قصير" إلى ما هنالك من الحكم إلا أن أكثرها انطباقاً على الواقع هي: "طابخ السم آكله".
ولو جمعنا كل ما سرد لوجدنا أنها تمثل بشكل أو بآخر ممارسات إيران وسياساتها الداخلية والخارجية ومواقفها المعادية للعرب وإقدامها على قمع الحريات ومواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية بالحديد والنار. وها هي اليوم تكرر الممارسات الرهيبة.
ماذا لو مدت إيران يديها لجيرانها منذ اليوم الأول للثورة ودعت لإقامة مشاريع مشتركة وتعزيز الاقتصاد وإيجاد ملايين فرص العمل بدلاً من إنفاق مليارات الدولارات على الحروب والفتن والتسلح؟.. أسئلة لا نجد جوابا عنها وربما قد فات أوانها.
وتدفع ثمن الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها السلطات بحق الشعب والجيران العرب لينطبق عليها القول: "طابخ السم آكله".
وقد تنجح القبضة الحديدية للحرس الثوري وقوى النظام في قمع هذه الانتفاضة الشعبية التي اندلعت بسبب غلاء الأسعار ورفع أسعار المحروقات، بالقتل والرصاص الحي والاعتقالات كما فعلت في السابق لكن الضغط يولد الانفجار، وستتكرر الاحتجاجات وتأخذ أشكالاً عدة وتزداد حدة وتنظيماً؛ لأن الأحداث أظهرت حجم المعارضة ونقمة المواطنين وشكواهم من الغلاء والقمع وإنفاق مليارات الدولارات على المليشيات والتدخلات الخارجية من اليمن إلى لبنان ومن العراق إلى سوريا.
هذه السياسات دفعت البلاد الغنية بالثروات إلى حافة الإفلاس وتسببت في تأزم علاقاتها مع معظم الدول والشعوب العربية وقطيعة مع بعض دول العالم. ودفعها للإمعان في التدخل والمواجهات وأوصلت إيران إلى إحباط وفشل في الداخل بعد نشوب ثورات شعبية في الخارج .
وها نحن الآن نشهد تحولاً خطيراً في المزاج العام وثورات متجددة في العراق ولبنان واليمن ومظاهرات صاخبة في معقل الشيعة والمناطق التي كانت تعتقد أنها أصبحت طوع يديها وقطعة من الإمبراطورية الفارسية إضافة إلى المزاج العربي العام في مصر ودوّل الخليج وغيرها في الحذر من إيران والدعوة إلى مواجهة مطامعها.
وللتاريخ.. لا بد من التأكيد على أن العرب -دولاً وشعوباً- بذلوا جهودا كبيرة لإقامة علاقات أخوية للتعاون مع إيران منذ قيام الثورة بقيادة الإمام الخميني واستبشروا خيراً بها وأرسلوا الوفود واستقبلوا الرؤساء محمد خاتمي وأحمدي نجاد وحسن روحاني بكل حفاوة ونية حسنة.
وأَقْدم العرب على هذه الخطوات احتراماً لرغبة الشعب الإيراني، وظنا منهم أنهم تخلصوا من حكم الشاه الذي كان يهددهم ويجاهر بأنه سيلعب دور" شرطي الخليج" ويهدد باحتلال أراض عربية له أطماع فيها. لكن خاب أملهم يوماً بعد يوم بالاستمرار في السياسة البائدة بشكل جديد وهو " تصدير الثورة" والتصعيد المتواصل بعد احتلال الجزر الإماراتية ورفض أي دعوة للحوار بشأنها رغم موقف الإمارات القوي ودعم الأمة العربية لها، إضافة إلى الشرعية الدولية التي تؤكد حقها في استعادتها.
وقد تذوقت إيران ثمار سياستها الخاطئة المسمومة من طعم كأس السم الذي قبلت به على مضض عند التوقيع على وقف إطلاق النار والهزيمة في الحرب مع العراق، وها هي تتذوق كأسا أخرى من السم الذي طبخته في عدة دول عربية .
وقد حصل هذا بعد سنوات من إبداء نشوة الانتصار بالزعم بأنها وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لتحقق أحلام إحياء الإمبراطورية الفارسية، لكنها تحولت إلى كوابيس كما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يحلم بإحياء الخلافة العثمانية، كأن أحداً لم يتعلم من دروس التاريخ وفشل عمليات فرض العقائد التي تتخذ كقناع للمطامع.
ونعرف جميعا أن ما يسمى "تصدير الثورة" أدى إلى إحداث شروخ بين الشعوب العربية والإسلامية وتسبب في نشوب حروب وفتن بينها الفتنة الشيعية السنية ودفع الجانبان ثمنا باهظا مادياً وبشرياً وضياع الثروات عليها وعلى التسلّح وحالة التوتر الذي ضرب الاستقرار في المنطقة ودفع الدول الأجنبية الطامعة بثروات العرب وإيران إلى استغلال الوضع لمد نفوذها وإقامة قواعد بزعم الحماية.
ويكفي أن نشير إلى مواقف الدول الكبرى من الحرب العراقية الإيرانية فبعد تشجيع العراق على المضي في الحرب والادعاء بأن الولايات المتحدة ترحب ولا تتدخل حسب المحاضر الرسمية للاجتماع بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والسفيرة الأمريكية أبريل جلاسبي تبين أن هذه الدول تدعم إيران بالسر وانكشفت فضيحة "إيران غيت" التي تتعلق بتقديم أسلحة إسرائيلية إلى إيران عن طريق الولايات المتحدة.
وبالمناسبة أذكر أنني سألت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن زيارته لإيران عقب الثورة واجتماعه بالإمام الخميني: فأجابني بحسرة قائلاً: هذه الزيارة كشفت المستور وعرت الادعاءات عن تحرير فلسطين ودعم الشعب الفلسطيني إضافة للموقف العدائي للعرب.
ومضى عرفات قائلا: أردت أن أتقدم بمبادرة لحل الخلاف حول تسمية الخليج العربي فقلت للخميني ما رأيك بأن تنال ترحيبا وإعجاباً عربياً كاسحاً بالإعلان عن تسمية الخليج الإسلامي فإذا به ينتفض في وجهي صارخاً: لا.. الخليج فارسي وسيبقى فارسياً.
قصة معبرة جداً تدفعنا للتساؤل عن سر هذا العداء بين العرب والإيرانيين وهم إخوة وأشقاء وجيران عبر التاريخ مهما طال الزمن.. ومنه نسأل بكل موضوعية وشفافية: ماذا لو لم يحصل ما حصل ووقفوا جميعا صفاً واحداً في مسيرة البناء وإقامة قوة ردع وازنة تشق طريقها بين الأمم وتثبت وجودها وترهب الطامعين؟
ثم ماذا لو مدت إيران يديها لجيرانها منذ اليوم الأول للثورة ودعت لإقامة مشاريع مشتركة وتعزيز الاقتصاد وإيجاد ملايين فرص العمل بدلاً من إنفاق مليارات الدولارات على الحروب والفتن والتسلح؟.. أسئلة لا نجد جواباً عنها وربما قد فات أوانها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة