جورج سيمنون.. المؤلف الأكثر إنتاجا تنتحر ابنته بعد قراءة روايته
النقاد يقسمون أعمال جورج سيمنون إلى قسمين، أعمال جادة، وروايات كتبها بأسماء مستعارة للتسلية، وهي مسيرة رشحته لجائزة نوبل أكثر من مرة.
قبل 30 عاما رحل الكاتب البلجيكي الأصل جورج سيمنون (1903-1989) تاركا خلفه حوالي 450 رواية و190 قصة قصيرة، وهو رقم يندر تكراره بين المبدعين الذين اعتادوا دائما على الكسل.
سيمنون كان مختلفا عن هؤلاء، فقد كتب بغزارة ونال شعبيته الكبيرة بعد أن تحولت معظم رواياته إلى أعمال سينمائية، وعلى غرار روايات أجاثا كريستي البوليسية، تميزت روايات سيمنون واشتهرت بشخصية المحقق "ميجريه" الذي ظهر في 85 رواية وقصة قصيرة، فضلا عن تجسيد الشخصية نفسها في مسلسل تليفزيوني شهير.
ويرى النقاد أن شخصية المحقق هي التي أكسبته شهرة وانتشار في حياته وبعد وفاته بـ30 عاما.
وشغلت غزارة إنتاج سيمنون الصحفيين في زمانه، حيث كان يكتب ما يقرب من 80 صفحة يوميًا، وكانت زوجته تقول: "حين كان يشرع في كتابة عمل كانت الحياة داخل المنزل تتوقف فلا يتحدث إلى أحد ولا يراه الطبيب ولا يتلقى رسائل أو اتصالات هاتفية".
حياته الشخصية أيضًا كانت محل سؤال للكثيرين ولاسيما مؤرخي السير الذاتية، فقد دون مذاكرته بنفسه في سلسلة حلقات خرجت بعناوين "إملاءات" أو "مذكرات حميمة"، ونشرت في مجلدات عام 1981.
وتصف جريدة "ذا تايمز" البريطانية هذه السيرة بأنها: "كشفت عن هويتين مختلفتين لدى هذا الكاتب، الأولى هي الطفل البلجيكي الذي انتقل سريعًا من العمل كصانع فاشل للحلوى إلى صحفي لدى جريدة (دي لييج) وهو في عمر الـ16، وهو العام الذي أصدر فيه ما يقرب من 200 قصة رديئة كتبها بين عامي 1923 و1931 ونشرت بأسماء مستعارة".
وتضيف: "المرحلة الثانية التي شرع فيها في كتابة روايات جادة أو متماسكة غلب عليها الطابع البوليسي، وأصدر ما يقرب من 200 رواية في خمس عقود، كما أولى اهتماما كبيرا بترجمتها من اللغة الفرنسية إلى لغات أخرى، وكذلك بتحويلها إلى أعمال سينمائية".
بسبب هذه المذكرات وصم "سيمون" خلال حياته بسمعة سيئة، حيث دون فيها قائلاً: "الطعام ليس هو الشيء الوحيد الذي أستمتع به ثلاث مرات يوميًا" كما كشف أيضًا عن قضاء فترة من حياته في منزله بصحبة زوجته واثنتين من عشيقاته كما أنه أشار إلى أنه كان دائم التردد على الملاهي الليلية والمطاعم بحثًا عن مغامرات مع بائعات الهوى، والتعرف إلى نساء أخريات، فيقول عن هذه الفترة: "الجنس هو الطريقة الوحيدة المحتملة للتواصل مع النساء".
ولم تكن غزارة الإنتاج وحدها من الأمور المثيرة في حياة "سيمون"، حيث ارتبطت سيرته بأمور أخرى شائكة منها انتحار ابنته صاحبة الـ25 عاما بإطلاق النار على نفسها، بطريقة كتبها بنفسها في إحدى رواياته، وهو الأسلوب الذي اتبعته ابنته في انتحارها، بداية من شراء المسدس من محل ذكره والدها في إحدى رواياته، إلى إطلاق النار على نفسها.
وركز الكاتب البلجيكي الأصل على صفات الشخصية الفرنسية في أعماله رغم أنه عاش معظم حياته متنقلا بين أمريكا وسويسرا، ومن المثير كذلك اتهامه بالتعاون مع نظام فيشي الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية، والعمل لدى إحدى الشركات الداعمة لحكم هتلر خلال الحرب.
في حين دافع خلال حياته عن دعمه للنازية مؤكدا أنه مثل كثيرين عمل تحت ظل الحكم النازي وليس لصالحه، ويقول مؤرخو السيرة الذاتية في تقرير نشرته "ذا جارديان" إنه "كان يعمل لصالح نفسه وليس لصالح هتلر أو النازية، ولم يكن يتصور أن الحرب يمكن أن تعوق مسيرته الأدبية بسبب سذاجته السياسية".
عاش "سيمنون" حياة قاسية بدأت بكذبة كما تصفها "الجارديان" حيث ولد في 13 فبراير/شباط 1903 ولكن سوء الأحوال الجوية أجلت تسجيل ميلاده لمدة أسبوعين، فعاش بتاريخ ميلاد مزدوج، وبعد وفاة والده في عمر الـ44، عاش حياة قاسية مع والدته التي يجسد قسوتها في جملة قالتها له عندما توفي شقيقه: "لماذا لم تكن أنت من مات؟".
يقول مؤرخون إن هذه القسوة تكشف السبب وراء علاقاته النسائية المتعددة، ورغم كل شيء فقد كان جورج مسالمًا يعبر عن نفسه بالقلم وليس البندقية.
ويفسر مؤرخون غزارة إنتاجه بخوفه من الموت المبكر، فقد أكد في مذكراته: "أكثر ما أخشى هو الموت المبكر نظرا لوفاة والدي في عمر الـ44، الأمر الذي دفعني للعمل في سن مبكرة، وكذلك القسوة، رغم سلبياتها، فقد كانت قسوة أمي دافعي الأول للكتابة، والأمر الثالث والأخير هو الوقت".
ويقسم النقاد أعماله إلى قسمين، الأول روايات وأعمال جادة تنقسم إلى بوليسية، وروايات جنسية ومحلية، والجزء الثاني روايات كتبها بأسماء مستعارة كان يقول عنها إنها للتسلية، هذه المسيرة رشحته للحصول على جائزة نوبل أكثر من مرة.
وترجمت بعض أعماله إلى العربية ومنها: "الساحر، وجريمة في الريفيرا، ورواية راقصة الملهى، ورواية الابن، والمنبوذ، وخيال الظل، والأميرة الروسية، وجسم الجريمة، والكلب الأصفر، وزبائن اقرونوس".
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjE3IA==
جزيرة ام اند امز