من المعروف أن من وظائف التحالفات الدولية في توازن القوى سياسة التفرقة، ويتلخص هذا المفهوم بقيام دول متحالفة ببث الفرقة بين خصومها
من المعروف أن من وظائف التحالفات الدولية في توازن القوى سياسة التفرقة، ويتلخص هذا المفهوم بقيام دول متحالفة (عادةً تكون كبرى) ببث الفرقة بين خصومها من الدول لمنع توحدها، باعتبار التفرقة والانقسام سيضعفان تلك الدول.
اليوم تنشط في شكلٍ ملحوظ دول ومنظمات وأحزاب وجماعات في استخدام هذه السياسة (سياسة التفرقة) لضرب العلاقة الوثيقة بين السعودية والإمارات، وبخاصة بعد تحقيق قدر كبير من الانسجام التام في مواقف الدولتين تجاه بعض الأزمات والأحداث، والعلاقات في ما بينهما وعلاقتهما بالدول الأخرى، وكذلك دخول الدولتين في تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية.
صحيح أن سياسة التفرقة لا تستهدف العلاقة بين السعودية والإمارات فقط، بل تستهدف كل تحالف يعزز استقرار المنطقة، إذ يهمّ إيران أن تُفشل أي تحالف يحول دون سياستها التوسعية، ويهم قطر - أيضاً - أن تسعى إلى بث الفرقة بين الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب؛ للتنصل من المطالب التي فرضتها تلك الدول، والخروج من مأزق المقاطعة بـ«وهم» الانتصار، ولكن التركيز في إعمال «سياسة الفرقة» ينصب على العلاقة بين السعودية والإمارات بقدر أكبر، لماذا؟
الأسباب كثيرة، ولكن أبرزها - في تقديري - هو أن السعودية والإمارات أكثر دول المنطقة التي تمتلك مقومات فرض الاستقرار مجتمعة، ومن أهمها الاقتصاد القوي والتطور العسكري والعوامل «الجيوسياسية» أو «الجيوبولتكس» (الموقع والمساحة والحدود)، والقدرة على التأثير في إطار المجتمع الدولي (القدرة التفاوضية الفائقة)، وغير ذلك من المقومات، والتحالف بين السعودية والإمارات، إضافة إلى وجود قيم راسخة مشتركة بينهما، يزيد في متانة تلك المقومات. لذا تنشط الأطراف المناوئة، بتركيز أكبر، في محاولات بث الفرقة بين الدولتين لتنفيذ ما في جعبتها من مخططات سياسية واقتصادية وآيديولوجية.
السعودية والإمارات أكثر دول المنطقة التي تمتلك مقومات فرض الاستقرار مجتمعة، ومن أهمها الاقتصاد القوي والتطور العسكري والعوامل «الجيوسياسية» أو «الجيوبولتكس» (الموقع والمساحة والحدود)، والقدرة على التأثير في إطار المجتمع الدولي، وغير ذلك من المقومات.
سببٌ آخر يتلخص في أن السعودية والإمارات أكثر دول المنطقة صرامةً في التصدي للسياسات التوسعية، مثل سياسة إيران وغيرها، والكشف عن السياسات العدائية المستترة ومواجهتها، كما هي الحال بالنسبة إلى سياسة قطر، وقطع الطريق على أطماع الجماعات والميليشيات القائمة على آيديولوجيات متطرفة وعنصرية مثل ميليشيا حزب الله والحوثي وجماعة الإخوان، وغير ذلك من المواقف الحازمة، التي دفعت الأطراف المناوئة نحو السعي إلى التفريق بين السعودية والإمارات ليخلو لها وجه المنطقة، إضافة إلى الدوافع الانتقامية والثأرية من الدولتين.
شواهد سياسة التفرقة، التي نتحدث عنها كثيرة، ولك أن ترى وتسمع ما تبثه وتنشره وسائل الإعلام القطرية من قصص وروايات مُلفّقة، وأخبار ومعلومات كاذبة، ومقالات محرّضة لكتّاب أجانب تم استئجارهم، وغير ذلك من المواد الإعلامية التي يراد منها ضرب العلاقة السعودية الإماراتية، بل إن مما يدعو إلى التعجب هو أن ترى اليوم إعلامياً قطرياً أو من الوافدين المأجورين أو الموتورين بتحريضٍ متقن، يمتدح السعودية ويسميها الشقيقة الكبرى، وفي المقابل يذم الإمارات ويتهمها بأنها هي من اختلق هذه الأزمة (وكأن قطر لم تفعل شيئاً البتة)، وبعد أيام تجد هذا الإعلامي ذاته يذم السعودية، التي كان يمتدحها بالأمس! ربما يكون جواد ظريف وزير خارجية إيران أكثر واقعيةً من الساسة القطريين وأذرعهم الإعلامية، عندما اتهم السعودية والإمارات بتقويض الاستقرار في المنطقة، على رغم أن هذا الادعاء باطل، ويصبح حقاً عندما يُوجَّه إلى إيران، فهو لم يفرَّق في تصريحه بين السعودية والإمارات.
مما لا شك فيه، أن العلاقة بين السعودية والإمارات علاقة أخوية وثيقة، تمتد إلى جذور تاريخية تُسقى بالقيم الدينية والثقافية والاجتماعية، ولكن ما وصلت إليه اليوم هذه العلاقة يمثل مكتسباً تاريخياً يجب الحفاظ عليه، ومسعى ينبغي دفعه إلى الأمام ليكون نواة بناء الاتحاد الكونفيدرالي الخليجي.
نقلا عن "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة