بعد غموض اكتنف تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول المنطقة، وتحديداً دول الخليج، تبدو المذكرات السياسية الأولى المرسلة للرئيس من قبل مستشارين لدى إدارة ترمب من الباحثين المتخصصين في المنطقة، وتحديداً دول الخليج وإيران، مطمئنة إلى حد ما، حيث تنزع إلى ض
بعد غموض اكتنف تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول المنطقة، وتحديداً دول الخليج، تبدو المذكرات السياسية الأولى المرسلة للرئيس من قبل مستشارين لدى إدارة ترمب من الباحثين المتخصصين في المنطقة، وتحديداً دول الخليج وإيران، مطمئنة إلى حد ما، حيث تنزع إلى ضرورة أن يضطلع الرئيس الجديد بإعادة تقييم العلاقة عبر محورين رئيسيين؛ الأول كبح جماح إيران في سعيها الحثيث لعسكرة المنطقة وتزويد أذرعها الآيديولوجية والعسكرية والميليشيات التي تدعمها، والثاني يقوم على مرتكز أساسي وهو إعادة ضبط العلاقة مع دول الخليج وتقويتها إلى أقصى حدٍ، عطفاً على التفاؤل الذي أبداه قادة هذه الدول تجاه الإدارة الأميركية الجديدة.
جاء ذلك في ملخص تنفيذي للمذكرات السياسية نشر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عبر لوري بلوتكين بوغارت زميلة في معهد واشنطن، وسايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد. وتؤكد الورقة أنه لا بد من رسم خريطة طريق جديدة للعلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة ودول الخليج التي شعرت بخيبة أمل عميقة إزاء سياسات أميركا في عهد الرئيس أوباما، لا سيما فيما يخص التساهل مع نظام طهران والارتباك الكبير في التعامل مع الأزمة السورية وملف الإرهاب في المنطقة بعد تغول تنظيم داعش وتحوله من جماعة مقاتلة في مناطق التوتر إلى حركة عالمية عنفية تهدف إلى تقويض الاستقرار وبث الفوضى في كل مكان.
التقرير أكد أن العلاقة مع دول الخليج يجب ألا تؤخذ في سياق واحد أو من جانب دون آخر، فالتحديات الماثلة أمام الطرفين تستلزم التحالف الواعي المبني على فهم مشترك لطبيعة المشكلات التي تتجاوز صفقات التسليح أو بناء قواعد عسكرية إلى أدوار سياسية ضاغطة على اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، فما دامت المشكلات العالقة متجددة بفعل عدم حلها في العمق عبر حوار قوي مع نظام إيران ومن خلال إعادة النظر في الأزمة السورية ليس فقط من خلال مقاربة ملف الجماعات المسلحة هناك، بل والحد من تطرف نظام الأسد تجاه الشعب الأعزل، لا سيما بعد أن استحال إلى ورقة مفاوضات محروقة بعد دخول روسيا على الخط ومزاحمتها لإيران وتركيا في البحث عن حل دائم وصيغة سياسية عادلة غير منحازة ضد الشعب السوري.
ومع اعتراف التقرير بأن هناك وجهات نظر مختلفة بين بعض دول الخليج، إلا أنه من المشجع هو أن الأولويات الأمنية والالتزام بالتعاون مع الولايات المتحدة نقطة اتفاق يجب الانطلاق من خلالها إلى آفاق أرحب مع أخذ التفاصيل الصغيرة في الحسبان فيما يخص مواقف بعض الدول من قضايا تفصيلية من الضروري ألا تشكل عائقاً أمام الهدف الأكبر، وهو أمن دول الخليج كأولوية قصوى للمرحلة.
فيما يخص ملف الإرهاب، وهو الأهم والذي أخذ حيزاً كبيراً من المذكرات السياسية اعتبر التقرير ضرورة اعتبار دول الخليج شركاء أقوياء في ملف الإرهاب وضبط التمويل وتبادل المعلومات، ورغم وجود نقاط خلاف متعلقة بطبيعة مكافحة الإرهاب، فإنه من المرجح أن حوارات أكثر مع المعنيين بالحرب على الإرهاب في الخليج بقيادة السعودية ستعزز المصالح الأمنية للولايات المتحدة في المنطقة، مشيراً إلى فضيلة الاستقرار، الذي صدمت دول الخليج فيه العالم بعد أن اجتازت منعرجات حرجة خلال نصف القرن الماضي وكان اختباراً حقيقياً لقوة الأنظمة الملكية ومرونتها تجاه الأزمات، وكان منها اختبار الربيع العربي. ويشير التقرير إلى أن هذه الميزة يجب أن تكون محفزاً على المضي قدماً في تعزيز الاستقرار وأولوية الخيار الأمني لا سيما مع وجود تحديات جديدة في المرحلة المقبلة أبرزها هبوط أسعار النفط، والتهديدات الإيرانية والتنظيمات الإرهابية ذات المنزع السني، إضافة إلى معضلة الرفاه الاقتصادي والبطالة والتعامل مع جيل الشباب المكون الأكبر للتركيبة السكانية في المرحلة المقبلة.
يشير التقرير إلى أن أولوية الرياض في المرحلة المقبلة واضحة، وهي ضرورة أن تكف إيران عن دعمها للإسلام السياسي الشيعي والميليشيات المسلحة التي تهدد طرق التجارة البحرية، إضافة إلى رفع يدها عن البحرين التي يريد نظام طهران تحويلها إلى مصدر قلق وعنف دائم ومتنامٍ، إضافة إلى تقوية الميليشيا الحوثية وتمكينها من التحول إلى دولة داخل الدولة حتى مع أي احتمالات إيجاد صيغة سياسية توافقية في المرحلة المقبلة بعد أن تؤتي عاصفة الحزم أكلها.
وفي المحصلة، فإن نجاح إدارة ترمب في الحد من مخاوف دول الخليج تجاه العبث الإيراني سيسهم في تدشين مرحلة جديدة على الرغم من اندفاع غير مريح من قبل ترمب تجاه التدخل الروسي في المنطقة وتقديمه لأولوية الحرب على جيوب الإرهاب وتنظيماته في سوريا وترك المحرّك لإنتاج دورة الإرهاب، وهو ممارسات نظام الأسد وسياساته.
حالة الفراغ السياسي الذي يتحمل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الجزء الأكبر فيه بسبب قدرتها على التأثير وحشد قرار سياسي دولي، هو ما يخلق ربيع الميليشيات تحول مكونات اجتماعية إلى مجموعات مسلحة قادرة على التأثير، وبالتالي فحتى مع التخلص من «داعش» وأخواتها ولو عبر طائرات بلا طيار أو حرب استنزاف، لا يعني نهاية القصة مع بقاء مسببات بقاء العنف بالبحث عن أعذار وحيل لاستمرار النظام السوري الذي تفوق استخباراتياً في لعبة الكراسي بين الميليشيات والقاعديين.
الحفاظ على مكون الدولة مهمة صعبة وتحتاج إلى تفهم ودعم دولي، وفي الوقت نفسه بحاجة إلى فهم المكونات السياسية لا سيما المعارضة في فهم ما سيحدث حال انهيار الدولة، هذا الفهم والتفهم غائب في مواقع كثيرة من دول ما بعد الربيع العربي، حيث ينزلق منطق الدولة إلى الميليشيا، وتسهم المعارضة في تقويض الدولة ذاتها عبر مثاليتها السياسية.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة