«إعلان نيروبي» في السودان.. «الإسلام السياسي» يتأزم
تتسع رقعة المعارك في السودان، وسط محاولات من أطراف مدنية وعسكرية تفكيك المشهد المتأزم، وإعادة بناء فرصة للحل، كان آخرها "إعلان نيروبي"
ووقع رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، ورئيس حركة تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، ورئيس الحركة الشعبية – شمال، عبد العزيز الحلو، السبت الماضي، "إعلان نيروبي" لوقف الحرب ومواجهة المخاطر التي تهدد البلاد.
هذا الإعلان بجانب كونه خطوة لإعادة بناء مشهد سوداني يمهد لحل سياسي للحرب الراهنة، فإنه يثير تساؤلات حول مستقبل الإسلام السياسي في البلاد، خاصة أن أطراف موقعة عليه تطالب بـ"علمانية الدولة".
نهاية عملية؟
وفي محاولة للإجابة على هذه التساؤلات، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن نفوذ الإسلام السياسي في السودان "انتهى عمليا" بالنجاح الجزئي لثورة ديسمبر/كانون الأول في 2019، في عزل وخلع الرئيس عمر البشير، معتبرا أن كل ما جرى بعد ذلك هو محاولة للعودة إلى النفوذ.
وأضاف الأسباط، في حديثه لـ"العين الإخبارية": "صحيح أن لدى الإسلام السياسي نفوذا إلى حد كبير في مفاصل الدولة، خاصة في الجيش، لكن لم يكن ذلك النفوذ الذي يُمكنّه من إدارة دفة البلاد وتوجيهها".
وأوضح أن اتفاق الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور، مع رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، فيما يعرف بـ"إعلان نيروبي"، يأتي في إطار ترتيبات خطوات وجهود حمدوك لإيقاف الحرب ولا تأتي في إطار اتفاق سياسي.
وأضاف أن حمدوك أعلن بشكل واضح عدم رغبته في لعب أي دور سياسي في مستقبل العملية السياسية، لكن مقتضيات إيقاف الحرب والمجاعة التي تهدد البلاد تتطلب من الرجل أن يخطو خطوات واسعة في اتجاه كل الفاعلين سياسيا وعسكريا في السودان من أجل السعي لإيقاف الحرب وفتح مسارات آمنة لتوصيل الإغاثة الغذائية والدوائية لنحو 27 مليون سوداني مهددين بالموت جوعا.
وتابع: "بالتالي يسهم إعلان نيروبي في توفير مساحات واسعة للوصول إلى اتفاق على الأقل يساعد في توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين السودانيين في مختلف أنحاء البلاد".
عملية معقدة
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد إن الإسلام السياسي فقد مبرر وجوده كخطاب سياسي لتديين الدولة ومؤسساتها، على حد قوله.
وأضاف حمد، في حديثه لـ"العين الإخبارية": "الآن ليس مهما أن يوقع رئيس الوزراء السابق، حمدوك وقائد الحركة الشعبية، عبد العزيز الحلو اتفاقا حول علمانية الدولة، لكن المهم هو أن مسار علمانية الدولة يطرح الآن بقوة، وما حمدوك والحركة الشعبية إلا عتبة من عتباته".
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي يس، يرى أن الإسلام السياسي في السودان يظل مرتبطا بعدة عوامل أولها تغلغله وسط المجتمعات بالدولة، حيث إن التيارات والجماعات الإسلامية بمختلف مسمياتها بالبلاد، لا تزال تمارس برامجها وسياساتها وسط غياب تام للأطراف التي تقف على النقيض للمجموعات الإسلامية.
وأوضح يس، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "إنهاء نفوذ الإسلام السياسي في دولة مثل السودان تعيش أوضاعا استثنائية بمعنى الكلمة، لن يحدث ما لم تتوفر مؤسسات دولة محمية بقوانين تكفل أعلى مستويات العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين".
وأشار إلى أن التخلص من الإسلام السياسي يكون عن طريق تطبيق صحيح لمنهج التحول المدني الديمقراطي عبر الانتخابات، لكنه يؤكد أنه لن يكون هناك احتكام لصوت العقل وسط سماع أصوات المدافع وزخات الرصاص، ما يعني ضرورة إنهاء الحرب ومن ثم الالتفات لقضايا على شاكلة تأسيس مؤسسات الدولة.
وأضاف: "ما ورد في وثيقة نيروبي أمر يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ومشروع وطني يستصحب كافة معطيات وأخطاء الماضي في سبيل التنازل من أجل مستقبل السودان والسودانيين معا".
وأعرب عن قناعته أن النظرة الآن من حيث أولويات الحياة عند السودانيين ليس إنهاء نفوذ الإسلام السياسي على صعيد مؤسسات الدولة بمختلف المسميات، وإنما إيقاف رحى الحرب عن الدوران بشكل يومي.
وتنشط حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، في إقليم دارفور غرب، وتسيطر على مساحة واسعة بمنطقة جبل في دارفور. فيما تنشط الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد الحلو، في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) منذ يونيو/حزيران 2011.
وتطالب الحركة الشعبية/ شمال، في التفاوض مع الحكومة السودانية، بأن تكون العلمانية نصا صريحا في الدستور، أو إقرار حق تقرير المصير لشعبي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
معالجة الأزمات التراكمية
ونص "إعلان نيروبي" على "ضرورة العمل من أجل المعالجة الشاملة للأزمات التراكمية عبر عملية تأسيسية ترتكز على مبادئ رئيسية أهمها: وحدة السودان شعبا وأرضا وسيادته على أراضيه وموارده، وأن تقوم وحدة السودان على أساس الوحدة الطوعية لشعوبه والحكم الديمقراطي اللامركزي.
ووفقا للإعلان، تلتزم الدولة بالتنوع التاريخي والمعاصر، على أن تكون الهوية السودانية التي لا تميز بين السودانيين بسبب العرق والدين واللون واللغة والجهة هي أساس المواطنة.
وشدد الإعلان على ضرورة تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة وفقا للمعايير المتفق عليها دوليا، تفضي إلى جيش مهني قومي واحد يعمل وفق عقيدة عسكرية جديدة يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقا للدستور، وأن يكون ولاؤه للوطن ويعبر تشكيله عن كل السودانيين وفقا لمعيار التعداد السكاني وينأى عن العمل السياسي والنشاط الاقتصادي بصورة كلية.
ونص الإعلان أيضا على تأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي في السودان، يضمن قيام الدولة المدنية، والمشاركة العادلة والمتساوية لجميع المواطنين في السلطة والثروة وتضمن حرية الدين والفكر، وضمان فصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة، ومعالجة تركة الانتهاكات الإنسانية من خلال العدالة والمحاسبة التاريخية.
عقد مائدة مستديرة
وشدد الإعلان على ضرورة عقد مائدة مستديرة تشارك فيه كل القوى الوطنية المؤمنة بهذه المبادئ المضمنة في هذا الإعلان.
وفي الإعلان، توجه حمدوك ونور بالنداء إلى الشعب السوداني للاصطفاف خلف الجهود الوطنية لوقف الحرب، ودعوتهما للوقوف ضد خطاب الكراهية والمساس بالوحدة واللحمة الوطنية والنسيج المجتمعي، وتفويت الفرصة على الدعوات الرامية إلى تمزيق وتفتيت الوطن بدلا عن مواجهة جذور الأزمة السودانية
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، نقصا حادا في الغذاء، وبات مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا.
كما انهار النظام الصحي بشكل شبه كامل، وتقدر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار.
ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني والدعم السريع حربا خلّفت نحو 14 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.