خبراء: أوضاع السودان تتطلب تجنب المواجهة بين "العسكري" والمعارضة
الغموض يسيطر على الانتقال السياسي في السودان وسط تمسك المجلس العسكري بإدارة الفترة الانتقالية وإصرار المعارضة على تسليمها لحكومة مدنية.
ما زالت سيناريوهات عملية الانتقال السياسي في السودان يسودها الغموض، في أعقاب تمسك المجلس العسكري الانتقالي بإدارة الفترة الانتقالية، التي حدَّدها بعامين، وإصرار قوى إعلان الحرية والتغيير، على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.
- "العسكري" السوداني يقيل رئيس القضاء عبدالمجيد إدريس
- النيابة العامة بالسودان تستجوب البشير بتهم الفساد وتمويل الإرهاب
وفي خطوة أكثر تصعيدا، أعلن المجلس العسكري مؤخرا دراسة رؤى كافة الأحزاب، والقوى السياسية التي قُدمت له بشأن المرحلة المقبلة، للاتفاق على رئيس مجلس الوزراء، وتكوين الحكومة المدنية، غير عابئ برفض قوى إعلان الحرية والتغيير للخطوة.
وحسب مراقبين، فإن تمسك المجلس العسكري بإشراك قوى سياسية كانت تشارك في النظام السابق، قد يكون أحد عوامل التصعيد بينه وبين القوى المعارضة، والمعتصمين أمام مقار قيادة الجيش في الخرطوم، وعدد من مدن البلاد.
الأوضاع ازدادت تعقيدا، في ظل مطلب المعارضة والمعتصمين، بضرورة إقالة عدد من أعضاء المجلس العسكري المحسوبين على النظام السابق، وعلى رأسهم رئيس اللجنة السياسية، عمر زين العابدين، ونائب مدير الأمن والمخابرات، جلال الدين الشيخ، ومدير عام الشرطة، الطيب بابكر، ولم تنتهي الأزمة إلا بقبول المجلس العسكري استقالاتهم المكتوبة.
بالنسبة إلى شمس الدين ضو البيت، وهو مدير مشروع الفكر الديمقراطي (مؤسسة غير حكومية)، فإن سيناريوهات الانتقال في السودان في ظل التعقيدات الحالية، لن تفضي إلى عملية سياسية متفق عليها في الوقت الراهن.
وقال ضو البيت لــ"العين الإخبارية"، إن ظهور المزايدات والمحاصصات من القوى السياسية، والرغبة في أخذ النصيب الأكبر من "كعكة" السلطة، يعوق شعار المرحلة المتمثل في إسقاط النظام بالكامل.
وشدَّد على ضرورة بذل التضحيات من أجل تحقيق هدف تسليم السلطة إلى المدنيين، والانتقال بالبلاد من مربع الهيمنة الحزبية، إلى آفاق الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وسيادة حكم القانون.
وأضاف أن المجتمع الإقليمي والدولي ظل يراقب الأوضاع في البلاد عن كثب، "وها هو مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص للسودان جان كريستوفر بليارد، يعلن التزامه الحياد، ومراقبة الأحداث في السودان دون الانحياز لأي طرف ودعم خيار الشعب، فيما يلي الحكومة الانتقالية".
وطبقا لبيان صادر عن إعلام المجلس العسكري، فإن بليارد، أثنى على دور الجيش السوداني في حقن دماء السودانيين والانحياز إلى خيار الشعب ودعم ثورته، عقب لقائه، السبت الماضي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد حمدان دقلو، بالقصر الرئاسي بالخرطوم.
ودعا بليارد المجلس العسكري إلى الاستمرار في مهامه ودوره الإيجابي في تعزيز السلام والاستقرار خلال المرحلة الراهنة والخروج بالسودان إلى بر الأمان.
من جهته أعلن دقلو، حرصهم على تسليم السلطة لحكومة مدنية، والتوصل إلى اتفاق مع القوى السياسية كافة.
وشدَّد على رغبة السودان في تعزيز علاقاته مع الاتحاد الأوروبي على أسس استراتيجية واضحة.
الأستاذ الجامعي، عبد الله الطريفي، يرى أن الأوضاع في السودان تتطلب تجنب المواجهات والخيارات الصفرية بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير.
وقال الطريفي، لــ(العين الإخبارية)، إن المجلس العسكري، عليه تجنب المواجهة مع المجتمع الإقليمي والدولي، والحركة الجماهيرية، والعمل على نقل السلطة إلى الحكومة المدنية، والتفرغ للتحديات الأمنية.
ومنذ 11 من أبريل/نيسان الجاري، يتسلم مقاليد السلطة في السودان مجلس عسكري يضم (الجيش، وجهاز الأمن، والشرطة)، وذلك عقب نهاية عهد الرئيس المعزول، عمر البشير الذي وصل للسلطة في يونيو/حزيران 1989، عبر انقلاب بقيادة حسن الترابي.
ومنذ العام 1989، عزز البشير نفوذه على حساب الآخرين، وسعى بنجاح إلى قمع وتحجيم نفوذ القوى السياسية الديمقراطية المناوئة له، وفق مراقبين.
ويرى مراقبون أن البشير أحاط نفسه بالموالين الذين فتح لهم مؤسسات الدولة، وأحاطهم بمؤسسات موازية ذات نفوذ أكثر من مؤسسات الدولة، فيما عرف بسياسة (التمكين) التي لم تسلم منها مؤسسة الجيش نفسها.
لكن مظاهرات شعبية سلمية امتدت لأربعة أشهر أطاحت بالبشير رغم القمع المفرط الذي ووجهت به، وأجبرت، في نهاية الأمر وزير الدفاع عوض بن عوف على التحفظ على البشير وإعلان تنحيه، ثم إيداعه لاحقا سجن (كوبر) القومي بالخرطوم.
وفي ظل انسداد الأفق السياسي، تمسك تجمع المهنيين السودانيين بمجلس سيادي مدني انتقالي واحد، بتمثيل محدود للعسكريين، على أن تتلخص مهام العسكريين في الأمن والدفاع.
وشدَّد تجمع المهنيين في بيان اطعلت عليه العين الإخبارية، على أن مهام الأمن والدفاع تشمل الأدوار المختلفة للمؤسسة العسكرية، منها إعلان الحرب والمشاركة مع الجيوش الأخرى، على أن ينحصر دور المهنيين في متابعة التقارير ووضع التوصيات.
ونوَّه إلى أن الوساطة من الشخصيات الوطنية وجدت القبول من قوى الحرية والتغيير، وأن التفاوض يقوم على مجلس سيادي مدني واحد بتمثيل محدود للعسكريين.
وسبق أن صرحت مصادر في لجنة وساطة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بأن لجنة الوساطة قدمت مقترحا تضمن تشكيلة المجلس السيادي مكون من 3 عسكريين و7 مدنيين بقيادة رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
كما تضمن المقترح تشكيل مجلس الأمن والدفاع القومي، مكون من 7 عسكريين و3 مدنيين هم، رئيس الوزراء، ووزيرا المالية، والخارجية.
وتتشكل لجنة الوساطة من شخصيات وطنية، أبرزها الخبير الإعلامي محجوب محمد صالح، ورجل الأعمال، أسامة داود، وآخرون.
وتم تشكيل المجلس العسكري بعد أن عزل الجيش عمر البشير من الرئاسة، في 11 أبريل/نيسان الماضي، بعد ثلاثين عاما في الحكم، تحت وطأة احتجاجات شعبية مستمرة منذ أشهر.
ويخشى المراقبون أن ينزلق البلد المتباين سياسيا واجتماعيا وثقافيا، إلى أتون الفوضى، في ظل المليشيات المسلحة التي تحيط بالبلاد إحاطة السوار بالمعصم، لكن خلال الشهور الماضية أظهر السودانيون الكثير من الوعي ببلادهم، خصوصا فئة النساء والشباب الذين قامت عليهم المظاهرات.
ويعتصم الآلاف، منذ 6 أبريل/نيسان الماضي، أمام مقر قيادة الجيش؛ ما أدى إلى إغلاق جسري "النيل الأزرق" و"القوات المسلحة"، اللذين يربطان العاصمة بمدينة بحري، وكذلك إغلاق شوارع رئيسية.
وتطالب قوى "إعلان الحرية والتغيير" بـ"مجلس رئاسي مدني"، يضطلع بالمهام السيادية خلال الفترة الانتقالية، و"مجلس تشريعي مدني"، و"مجلس وزراء مدني مصغر" من الكفاءات الوطنية، لأداء المهام التنفيذية.
aXA6IDE4LjE5MS4xMDcuMTgxIA==
جزيرة ام اند امز