أفخاخ «بونزي» تقتنص أموال آلاف الضحايا.. ماذا يحدث في اليمن؟
شركات وهمية تخلف ضحايا بالآلاف في اليمن بينهم رجال أعمال وقعوا فريسة لـ"أفخاخ بونزي" الشهيرة، ما أدى لتحول حياة الكثيرين منهم إلى جحيم.
وتحول اليمن إلى بيئة خصبة لشركات النصب الشبكي، حيث ظهرت في الأعوام الأخيرة من حرب الحوثي عشرات الشركات المحتالة، منها أكثر من 25 شركة محلية وخارجية تعقبت "العين الإخبارية" نشاطها في عدة محافظات غالبيتها تقع تحت سيطرة الحوثي.
- إنتاج الطاقة من النفايات والخلايا الشمسية.. مبادرات خلاقة في اليمن
- الدفع بالدولار.. إيجارات المساكن تفاقم الأوضاع المعيشية في اليمن
واتخذت هذه الشركات أسلوب "بونزي" للنصب الشبكي أو الهرمي رغم أن بعضها عمدت لاستخدام مسمى الاستثمار في مجالات عدة مثل المقاولات والعقارات والتجارة كغطاء لاستمرار نشاطها معتمدة على مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول للضحايا أو مندوبين محليين جرى التغرير بهم.
نصب برعاية الحوثي
يكشف تعقب "العين الإخبارية"، أن هناك نحو 9 شركات محلية تنشط في اليمن غالبيتها في صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي، وقد خلفت تلك الشركات عشرات الضحايا.
أولى هذه الشركات هي "مؤسسة تشكن لاينز لتجارة الدواجن"، لصاحبتها سهير أنور علي، التي استطاعت الاحتيال والنصب على أكثر من 62 شخصا بينهم رجال أعمال في محافظة صنعاء لتجمع نحو 2 مليار ريال يمني.
وبحسب وثيقة صادرة عن سلطات القضاء، طالعتها "العين الإخبارية"، فإن سهير أنور انتحلت صفة طبيبة نساء وولادة، وزعمت أن لديها مشاريع لتربية الدواجن، وأوهمت الضحايا بأنهم سيحصلون على أرباح شهرية مقابل دخولهم معها مساهمين، وقد عززت ذلك النصب بإبراز عقود مساهمة موقعه منها، ومع آخرين وسندات قبض صادرة عن شركتها الوهمية.
وقالت إحدى الضحايا، وَتُدعَى (أ.س) لـ"العين الإخبارية"، إنها باعت منزل أطفالها بقرابة 18 مليون ريال يمني، وجمعت من أقاربها (بينهم أيتام) نحو 21 مليون ريال يمني، ودفعتها مقابل شراء أسهم في مؤسسة "تشكن لاينز لتجارة الدواجن" التي تملكها سهير أنور.
وأكدت أن مالكة الشركة حررت لها عقود مساهمة وسندات قبض مكتوبة قبل أن تكتشف أن كل مشاريعها كانت وهمية، وأنها لا تملك أي مشاريع لتربية الدواجن، ولا مزارع دواجن، وأن شركتها التي تحمل اسم " مؤسسة تشكن لاينز" عبارة عن شركة وهمية، كما أنها رفضت إرجاع المبالغ المالية.
أحد الضحايا الآخرين يُدعَى (م.م) قال لـ"العين الإخبارية"، إنه ساهم بمبلغ قدره 5 ملايين ريال يمني لـ"شركة تهامة فلافور" لكنه عندما حاول سحب المبلغ من أجل علاج زوجته رفضت الشركة إعادة المبلغ.
وأكد الضحية أنه كان يدخر المبلغ لظروف الحياة وأن حياته تحولت إلى جحيم بعد عجزه عن توفير أي مصاريف وحتى إيجار المنزل، مشيرا إلى أنه الشركة الوهمية جمعت أكثر من 250 مليار ريال يمني وأن الحوثيون يتكتمون عن ذلك.
وتعد "شركة تهامة فلافور"، هي ثاني شركات النصب الشبكي التي تستخدم مخطط بونزي للنصب، وصاحبتها تُدْعَى "فتحية المحويتي" وقد حظيت مالكة الشركة بتكريم من قبل قيادات حوثية على رأسهم رئيس حكومة الانقلاب غير المعترف بها عبد العزيز بن حبتور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
كما قامت قيادات حوثية في فبراير/ شباط 2023 بتدشين مشروعا سكنيا زعمت شركة تهامة فلافور للاستثمار والتطوير العقاري والتجاري تشييده بمساحة 850 ألف متر مربع بصنعاء قبل أن يقبض عليها الحوثيون، ويودعوها السجن، ويقومون بمصادرة كل الأموال التي جمعتها، ولم يعيدوها للضحايا وهم بالآلاف.
ويشابه مصير شركة تهامة فلافور ومالكتها مصير شركة "قصر السلطانة"، التي شيدت في صنعاء 2016، وتملكها بلقيس الحداد التي احتالت على أكثر من 100 ألف يمني بعد ترويجها لربح يصل إلى 250% قبل أن يقبض عليها الحوثيون، ويتم مصادرة الأموال التي جمعتها التي تبلغ 66 ملياراً، بحسب تقارير يمنية.
وهناك شركات محلية أخرى نشطت في مناطق مليشيات الحوثي أبرزها "كنوز اليمن للاستثمار"، و"شركة البادية للاستثمار"، و"البنيان" بصنعاء القديمة، و"شركة إعمار تهامة للمقاولات" والتي كانت تديرها امرأة تدعى "فادية الحماطي".
وفي حضرموت ومأرب الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا، أبلغ ضحايا "العين الإخبارية"، عن وقوعهم ضحايا لشركتين وهميتين الأولى تدعى "شركة العبادي للاستثمار"، ويملكها عبدالله علي العبادي وقامت ببيع أسهما لأحد المشتركين وصلت أسعارها إلى 2130 ريالا سعوديا.
الشركة الثانية تدعى "سنجل العقارية" وتأسست في سيئون، احدى حواضر حضرموت وذلك العام الماضي وهي مملوكة لشخص يدعى "محمد سنجل" وزعمت العمل بالاستثمار العقاري وادعت دفع أرباح تصل نسبتها إلى 60% للمساهمين.
واتبعت جميع هذه الشركات المحلية خدعة "بونزي"، والتي تعني دفع أرباح للمساهمين القدامى من أموال المساهمين الجدد وجذب مزيد من الضحايا.
شركات خارجية
لم يقتصر النصب والاحتيال على الشركات المحلية، وإنما غزت شركات من الخارج السوق، أبرزها شركة عطاء الاستثمارية لصاحبها خليل العبود، والذي بلغ عدد المشتركين فيها بالآلاف وجمعت مبلغ قرابة 6 ملايين دولار قبل أن تختفي، بحسب إفادة أحد الضحايا.
كم تم رصد نشاط نحو 16 شركة أخرى أبرزها" دي إكس إن، سيمبلي، سلوانا دايموند، جوسيال، كيونت، يونيسيتي، الهاني للتجارة، توينتي إكس برو، أدروس، يوني فندس، شركة SRA GROUP، كستيل للاستثمار".
كذلك شركات تدعى " Success factor، الفوركس، Omega pro، وشركة BTXPROFIT وهذه الأخيرة تزعم تقديم باقات تصل من 10 دولار إلى 15 ألف دولار وأنها تمنح 3 أضعاف المبلغ خلال 50 يوما".
وتعتبر هذه الشركات إحدى مشاريع التسويق الهرمي/ التسويق الشبكي والتي تستغل غطاء "التعلم" وحتى "بيع العسل" و"الساعات" والمجوهرات" وغيره من أنشطة تجارية إلى جانب المقاولات في عملية النصب على الضحايا.
الحوثي وغسل الأموال
تتبع هذه الشركات سلسلة "بونزي" وهي طريقة احتيال شهيرة تنسب لمبتكرها الإيطالي تشارلز بونزي والتي وصلت إلى اليمن مؤخرا من بوابة مليشيات الحوثي بهدف ابتلاع أموال اليمنيين إضافة إلى استخدامها كواجهة لغسل الأموال.
وبحسب الباحث اليمني المتخصص في تعقب هذا النوع من الشركات الوهمية عبدالواحد العوبلي فإن "الحروب والأزمات الاقتصادية غالبًا ما تخلق ظروفًا مثالية لشركات النصب الشبكي لأن الناس في هذه الظروف يمكن أن يصبحوا يائسين للبحث عن طرق لزيادة دخلهم أو الحفاظ على مدخراتهم".
وأكد العوبلي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن هذه "الشركات غالبًا ما تستغل هذا اليأس من خلال تقديم فرص استثمار وهمية تبدو مغرية، وبالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى تسهل نشاط شركات النصب الشبكي في مناطق مليشيات الحوثي وتتمثل في دعم المليشيات ومتنفذيها لمثل هذه الشركات".
وأكد الباحث اليمني أنه "وجد وزراء ومسؤولين في جماعة الحوثي وحتى رئيس حكومة الانقلاب يزورون هذه الشركات ويشرعنون أنشطتها بغرض سحب ما تبقى من مدخرات لدى المواطنين، بالإضافة إلى الطرق الأخرى التي تمارسها المليشيات مثل الجبايات وزيادة الأسعار".
وأكد أن "هذه الشركات تستخدم كواجهات لممارسة غسيل الأموال التي تحصل عليها الميليشيات من موارد الدولة ومبيعات المشتقات النفطية، فضلا عن تهريب هذه الأموال إلى الخارج".
وأشار إلى أن ذلك "يفسر نشاط هذه الشركات في مناطق الحوثي أكثر من مناطق نفوذ الحكومة اليمنية رغم أن هذه الشركات توجد في بعض مناطق الشرعية وهذا يرجع لنقص الرقابة وسلطة القانون مما يجعل الناس عرضة للنصب والاحتيال".