فجوة بـ4 تريليونات دولار.. هذه الدول رهينة التمويل الأخضر
تواجه البلدان النامية فجوة استثمارية قيمتها 4 تريليونات دولار تعوق تحقيق الأهداف التنموية بالطاقة والمياه، والبنية التحتية للنقل.
وتعرّف الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة بأنها خطة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة، لمعالجة التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة بحلول عام 2030، وتسعى هذه الخطة لتحقيق 17 هدفاً، ويمثل العمل المناخي أهم أركانها.
وقال تقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 الذي أصدره الأونكتاد، إن البلدان النامية تحتاج إلى استثمارات في الطاقة المتجددة تبلغ نحو 1.7 تريليون دولار سنويًا، لكنها لم تجتذب سوى 544 مليار دولار منها فقط في عام 2022، وبالتالي فإن هذه البلدان تعاني فجوة هائلة في الاستثمار من أجل التحول في مجال الطاقة.
إضافة إلى ذلك، كان هناك أكثر من 30 دولة نامية لم تسجل استثمارا دوليا كبيراً في مجال الطاقة المتجددة، منذ معاهدة باريس في عام 2015، بالرغم من تضاعف الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بمعدل ثلاث مرات تقريبا منذ ذلك الحين.
الحرب الأوكرانية وأزمات الغذاء
لم ترتبط أزمة التمويل التنموي فقط بعدم وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها المالية تجاه الدول النامية، لكن الأزمة تضاعفت أيضاً بفعل أزمات أخرى متداخلة، على رأسها أزمة جائحة "كوفيد-19"، والحرب الأوكرانية، وأزمات التضخم وارتفاع أسعار السلع والغذاء، وضغط الديون الذي أثر على القدرات المالية لهذه الدول.
وأظهر تقرير الأونكتاد أن الاستثمار العالمي في مشروعات التنمية انخفض بنسبة 12% في عام 2022، إلى 1.3 تريليون دولار، وكان قد انتعش في عام 2021، عقب انخفاضه الحاد في 2020 بسبب معالجة آثار جائحة كوفيد-19.
في السياق ذاته، وجد تقرير آخر أطلقته الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي بعنوان "تمويل التنمية المستدامة"، أن الاحتياجات التمويلية آخذة في الازدياد، لكن التمويل الحالي لا يزال عاجزاً بسبب آثار الحرب وأزمات الغذاء والطاقة، ممّا خلّف فجوة مالية كبيرة ستصنع بالضرورة انعكاساً سلبياً على جهود التنمية المستدامة.
وطالبت الأمم المتحدة بضرورة التركيز على معالجة هذه الأزمات المتداخلة على المدى القريب، لأن تأخير العمل على خطة أهداف التنمية المستدامة سيؤدي إلى مضاعفة الاحتياجات التمويلية في المستقبل، وسيفاقم المشكلات والتحديات التي تعاني منها الدول الفقيرة.
ورأى تقرير حديث صدر عن شبكة حلول التنمية المستدامة الشهر الماضي، وهي مبادرة عالمية مدعومة من الامم المتحدة، أن فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة سببها الأكبر ضياع فرص الاستثمار نتيجة لعدم وجود إطار محدد للتمويل، لذا اقترحت المبادرة عدّة حلول تمثل أولوية لدعم تدفق التمويل، أبرزها "إصلاح الهيكل المالي العالمي" عن طريق توسيع التمويل من بنوك التنمية متعددة الأطراف وبنوك التنمية العامة، وتقديم المزيد من المساعدة الرسمية المخصصة لمشروعات التنمية.
وطالبت المبادرة أيضاً بالتخطيط للاستثمار طويل الأجل، وتطوير العلاقات مع المؤسسات الشريكة في البلدان النامية ، من أجل زيادة فاعلية توجيه الأموال للمشروعات التي تحتاجها.
التمويل المناخي جزء مهم من تمويل التنمية
ولا تزال الدول النامية تواجه صعوبة بالغة في الحصول على تمويل مناخي كافٍ لمساعدتها على اتخاذ إجراءات التخفيف والتكيف، والتعامل مع قضية الخسائر والأضرار، فمنذ تعهد الدول المتقدمة عام 2009 في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، بتقديم تمويل مناخي قيمته 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، لم يتم الوفاء بهذا المبلغ حتى الآن بالرغم من تضاعف الاحتياجات التمويلية لهذه الدول
فجوة هائلة بين التعهدات والتنفيذ
لم تف الدول المتقدمة بتعهداتها التمويلية بالرغم من مسؤوليتها الأساسية عن أزمة تغير المناخ، إذ تساهم 10 دول في تصدير أكثر من ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 68% تتقدمها الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بينما تصدر 3% فقط من الانبعاثات من 100 دولة أخرى، وفي عام 2019، قدمت هذه الدول تمويلاً قيمته 79.6 مليار دولار فقط، وفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ورصدت العديد من المنظمات العالمية وجود فجوة هائلة بين احتياجات الدول النامية من التمويل وما تحصل عليه بالفعل، فوجد تقرير أصدرته مبادرة سياسة المناخ، في سبتمبر/أيلول 2022 أن إجمالي التدفقات السنوية لتمويل المناخ في أفريقيا لعام 2020، لم تتجاوز 30 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل فقط 11% من احتياجاتها، من أصل 277 مليار دولار أمريكي تحتاج إليها أفريقيا سنوياً.
وقالت المبادرة إن أفريقيا في حاجة إلى زيادة تمويل إجراءات التكيف بمقدار يعادل ستة أضعاف التمويل الحالي، وزيادة تمويل التخفيف بما يعادل 13 مرة، كما رصدت ضعفاً شديداً في التمويل الموجه من القطاع الخاص إلى أفريقيا والذي احتل 14% فقط من إجمالي التمويل، في حين كان التمويل الموجه للعمل المناخي وأهداف التنمية يمثل 12% من إجمالي التمويل.
في السياق ذاته، وجد تقرير آخر للمبادرة في عام 2021، أن الدول النامية في حاجة إلى تمويل يٌقدر بـ4.35 تريليون دولار أمريكي سنويا، أي بزيادة بنسبة 588% عن التمويل الحالين، وبالتالي فإن هناك فجوة ضخمة بين الاحتياجات وما يتم دفعه بالفعل.
وبالتركيز على المنطقة العربية، وجد تقرير صدر الشهر الماضي، عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا "الأسكوا"، أنه من المهم زيادة توفير التمويل المخصّص للمشروعات الخضراء لزيادة دعم الدول العربية على تحقيق التقدم في مجال الطاقة المستدامة، خاصّة أنها تواجه تحديات أخرى مثل تعطّل سلاسل التوريد، والانكماش الاقتصادي، والصراع وعدم الاستقرار.
أيضاً، توصّل تقرير "فجوة التكيف" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في نهاية العام الماضي، إلى أن البلدان النامية تحصل على أقل من 5 إلى 10 مرات من الاحتياجات المقدرة، إذ بلغت تدفقات تمويل التكيف 29 مليار دولار أمريكي في عام 2020 فقط، بزيادة قدرها 4% عن عام 2019.
وقال التقرير إن احتياجات التكيف السنوية للدول النامية تتراوح بين 160 و340 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 ، لذا هناك حاجة إلى زيادة دعم مشروعات التكيف في مجالات الزراعة والمياه والنظم الإيكولوجية.
وتتبع تقرير أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي، إجمالي ما قدمته البلدان المتقدمة من تمويل مناخي في الفترة ما بين 2016 وحتى 2020، فوجدت أن النسبة الأكبر من التمويل كانت موجهة لدعم إجراءات التخفيف بواقع 58%، في حين النسبة الأقل كانت موجهة لدعم التكيف.
ووجد التقرير أن أكثر من 70% من التمويل العام للمناخ المقدم عام 2020، كان على هيئة قروض إما ميسرة وإما غير ميسرة، كما استهدف التمويل المناخي بشكل رئيسي قارة آسيا بنسبة 42%، ثم البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، كما تركز نصف التمويل تقريبا في 20 دولة في آسيا وأفريقيا والأمريكتين والتي تمثل 74% من إجمالي سكان البلدان النامية.
aXA6IDUyLjE1LjIxNy44NiA= جزيرة ام اند امز