جولات سياحية للتعريف بحياة التشرد في زغرب
تقديرات لمنظمات غير حكومية تشير إلى أن كرواتيا بها نحو ٢٠٠٠ مشرد يعيش غالبيتهم في العاصمة زغرب.
سمع ميله مرفاي نعوتا كثيرة تصفه بـ"الرجل القذر" و"السكّير والكسول" خلال سنوات تشرده الـ٣ في العاصمة الكرواتية زغرب.. لكنه عقد العزم على إزالة هذه الصور النمطية من خلال تنظيمه زيارات سياحية من نوع خاص في العاصمة الكرواتية.
ويبدأ مرفاي جولته الممتدة على ساعة ونصف الساعة من نقطة التجمع في متنزه الملك توميسلاف، حيث يتقاطر السياح والأزواج الشباب والأطفال بأعداد كبيرة.
ويوضح هذا الرجل (58 عاما) أن أي مشرد لن يجرؤ على الارتياح في هذا المتنزه خلال النهار، "فإذا ناموا على الأرضية العشبية ستسطّر الشرطة غرامة في حقهم".
هنا يبدأ ميله مرفاي، صاحب دور المعارض الفنية السابق الذي رزح تحت مديونية ثقيلة، الجولة السياحية المسماة "زغرب غير المرئية". ويظهر هذا النشاط واقعا مرّا من المدينة بعيدا كل البعد عن الواجهات البرّاقة والساحات الفسيحة في هذه المدينة الغنية بالمعالم الساحرة من حقبة الإمبراطورية النمسوية المجرية.
وتشير تقديرات لمنظمات غير حكومية إلى أن كرواتيا بها نحو ٢٠٠٠ مشرد يعيش غالبيتهم في العاصمة زغرب.
ويقول ميله مرفاي متوجها لنحو ٢٠ تلميذا ثانويا برفقة مدرستهم: "ستكتشفون الجانب المؤلم لزغرب".
آلة تحضير قهوة
يلفت ميله مرفاي إلى أن محطة القطارات تشكل نقطة مركزية للمشردين الهائمين في المدينة. فهم يقصدون الموقع للاحتماء من البرد في مستودعات مهجورة متاخمة للمباني المهدمة مع الهروب المستمر من الشرطة التي تأتي أحيانا لحملهم على إخلاء مواقعهم.
كما يؤشر الرجل إلى آلة تحضير القهوة التي لطالما كان يهرع إليها "بعد الاستيقاظ وسط شتاء قارس".
ويروي ميله مرفاي المدخن النهم ذو اللحية البيضاء، عن "السهولة المخيفة في أن يصبح المرء مشردا". فقد بدأت رحلة عذابه بعدما أشهرت دار المعارض الفنية التي كان يملكها في ساراييفو إفلاسها في 2009.
وهو فقد مسكنه المرهون لدار المعارض وانتهى زواجه وتخلى عنه أصدقاؤه. ويقول لوكالة فرانس برس: "لو توقع لي أحدهم قبل ١٠ سنوات أني سأصبح مشردا لكنت وصفته بأنه مجنون".
العودة للوضع الطبيعي
غير أن أحواله بدأت تتحسن قبل ٤ سنوات إذ نجح في الحصول على بطاقة هوية كرواتية تتيح له الإفادة من مساعدة اجتماعية وطبية كما تسمح له باستئجار غرفة للسكن.
ومذاك، أقام جمعية لمساعدة المشردين تحمل اسم "فايتر" المشحون بالمعاني الرمزية.
وبدعم من وكالة "برودوتو" المتخصصة في المشاريع الاجتماعية وبفضل مساهماتها، ينظم مرفاي بواقع خمس مرات أسبوعيا جولات تتيح الغوص في عالم المشردين في زغرب المدينة التي تعد 800 ألف نسمة.
ويقول: "هدفنا هو توعية الرأي العام إزاء مشكلة متعاظمة، وأيضا التصدي للأحكام المسبقة".
ويضيف: "قبل أي شيء نريد التصدي لفكرة أن المشردين يتحملون المسؤولية وحدهم عن وضعهم وأنهم ليسوا إلا كسالى مدمنين على الكحول".
ويوضح مرفاي: "بعدما تتلقى الدعوات لحضور حفلات زفاف وأعياد ميلاد تصبح فجأة شخصا منبوذا من الجميع" يمضي يوميا عشر ساعات في البحث عن قوت العيش.
ويضيف مشرد سابق في زغرب ينظّم جولات سياحية للتعريف بمشقات حياة التشرد: كانت رائحتي كريهة للغاية وكان الناس يبادرونني بالقول في أحيان كثيرة "رائحتك مقززة ويجب أن تستحم".
لكن مع هذه الجولات، "يدرك الناس أنهم يجهلون أمورا كثيرة عن الحياة اليومية" للمشردين، وفق برانيمير راداكوفيتش صاحب وكالة "برودوتو".
وبفضل مرفاي، غيرت بترا ستونيا البالغة 16 عاما نظرتها إلى المشردين. وهي تقول: "هذا الأمر قد يحصل للجميع من دون أن يتوقعوا ذلك".