مصر تبحث الاستثمار في الثروة البشرية لمواجهة الزيادة السكانية
الزيادة السكانية في مصر أزمة حقيقية اعترفت بها الحكومة، وتبحث عن سبل لتحويلها من عقبة إلى فرصة للتنمية.. ماذا قال الخبراء؟
حذرت وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري المصرية، هالة السعيد، من أن أي اختلال بين الزيادة في معدلات النمو السكاني يؤدي إلى تقليل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط نصيبه من الموارد والخدمات.
وتواجه مصر أزمة سكانية، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة بنسبة نمو نحو 1.8% في 2018، وتعد أحد أعلى دول العالم نموا، إذ تبلغ نسبة النمو في الصين 0.39%، وفي دول عربية مثل تونس 1.1% سنويا.
وقالت وزيرة التخطيط إن عدد سكان مصر يتزايد بنسبة 2.5 مليون نسمة سنويا، وأن الموارد البشرية تمثل ثروة يجب ضبط معدلات نموها من أجل تحسين جودة الخدمات المقدمة، مشيرة إلى أن أخطار النمو السكاني المتزايد تهدد الأمن القومي والاستقرار بالمجتمع المصري.
تحذير وزيرة التخطيط لم يكن الأول من مسؤول مصري بشأن الزيادة السكانية؛ ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من التهاون مع الزيادة السكانية، مشددا على ضرورة التعامل معها بالجدية اللازمة.
كارثة كبرى
وقال محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب المصري، إن الزيادة السكانية أمر تجاوز الأزمة، خاصة أن الوضع يتعلق بزيادة معدلات النمو السكاني، وتدني التنوع السكاني إضافة لسوء توزيع السكان بالمدن، واصفا الأزمة السكانية بـ الكارثة الكبرى واستمرارها يهدد بقاء الدولة المصرية.
وأضاف لـ "العين الإخبارية" أن الكارثة تظهر ملامحها في صعوبة مواجهة الزيادة السكانية في مجالات الصحة والتعليم، ومعدلات النمو السكاني تتخطى كل الطفرات التي تبذلها الحكومة لتحسين الخدمات العامة"، موضحا أن تدني خصائص السكان تتمثل في زيادة معدلات البطالة ونسبة الأمية والفقر.
وبلغ معدل البطالة في مصر 10% خلال الربع الثالث لعام 2018، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بينما وصل عدد الأميين في مصر إلى 18.4 مليون فرد عام 2017، بينما وصلت نسبة الفقر إلى 27.8% خلال عام 2015.
وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي صبحي، لـ "العين الإخبارية"، إنه كلما زاد معدل النمو السكاني وقل معدل النمو الاقتصادي تقل الزيادة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، مشيرا إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي المصري في 2017 بلغ نحو 2,412 دولار، وفقا للبنك الدولي.
وشدد النائب محمد أبو حامد على أن خطورة الزيادة السكانية تكمن في تأثيرها على مستوى التعليم، ما يسهل عملية استقطاب الشباب والأجيال المقبلة من قبل الجماعات المتطرفة فكريا.
استراتيجية المواجهة
وحول طرق مواجهة الزيادة في معدلات النمو السكاني، أوضح حامد أن استراتيجية المواجهة يجب أن تكون استراتيجية وطنية متكاملة حاسمة لتشمل تحسين خصائص السكان بجانب ضبط معدلات النمو السكاني، منوهًا بضرورة تفعيل المجلس القومي للسكان وإتاحة أنواع ووسائل تنظيم الأسرة.
وتابع قائلًا "يجب تضافر جهود جميع المؤسسات والمسؤولين والوزراء المصريين لمواجهة أزمة الزيادة السكانية، وخطة العمل تبدأ من توعية المسؤولين بحتمية مواجهة الأزمة في كافة قطاعات الدولة المصرية".
وأشارت وزيرة التخطيط إلى أن زيادة معدلات النمو السكاني لا تؤثر فقط على نوعية الحياة بل تشكل تهديداً للأمن القومي المصري والاستقرار الاجتماعي.
ويرى الخبير الاقتصادي مجدي صبحي أن للزيادة السكانية على الأمن القومي آثارا سلبية وإيجابية، فمن الجانب السلبي كلما زاد عدد السكان وأصبح غير متناسب مع النمو الاقتصادي مع عدم وجود موارد لإنفاقها على الصحة والتعليم وغيرها من الأمور يصبح هناك أيد عاملة غير مؤهلة ولا تتمتع بصحة جيدة.
وخصصت مصر في موازنة المواطن للعام المالي 2018/ 2019 أكثر من 62 مليار جنيه لقطاع الصحة، بينما بلغت اعتمادات التعليم 115.7 مليار جنيه في الميزانية الجديدة.
أما بالنسبة للجانب الإيجابي فإذا كان هناك معدل سكان كبير وثمة قدرة عالية على الاستثمار يزيد معدل النمو الاقتصادي والقدرة على الإنفاق على السكان.
وضرب صبحي مثالا على الجانب الإيجابي للزيادة السكانية بالصين التي اعتمدت في تجربتها الاقتصادية على عدد السكان المهول ولكن لأنها خلقت بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية تحولت الزيادة السكانية فرصة للتنمية بدلا من أن تكون عقبة أمام التنمية.
وعن كيفية حل أزمة الزيادة السكانية، أشار صبحي إلى أن الحل يكمن في الإنفاق على البشر في الصحة والتعليم لأن ذلك وسيلة رئيسية أيضا لتقليل عدد السكان، فكلما زادت نسبة المتعلمين وخاصة الفتيات تأخر سن الزواج وقل معدل نمو السكان، فضلا عن أن توفير العمل للسكان يقلل من الزيادة السكانية؛ لأن الموظفين يميلون لعدم الرغبة في الإنجاب الكثير.
رؤية 2030
وأشارت وزيرة التخطيط إلى أهمية الاستثمار في الثروة البشرية الموجودة في مصر من تعليم وصحة وتدريب لأن الاستثمار في رأس المال البشري يعد أحد المرتكزات الرئيسة لرؤية مصر 2030.
وقال الخبير الاقتصادي مجدي صبحي إن الاستثمار في رأس المال البشري يعني بالأساس الاستثمار في الصحة والتعليم وذلك بتقديم خدمات صحية جيدة وتعليم جيد وأحيانا يضاف لها الاستثمار في البحث العلمي.
وتولي استراتيجية مصر 2030 أهمية للتطوير الصحي والتعليمي في مصر، وفيما يتعلق بالجانب الصحي تقدم الاستراتيجية عدة برامج من بينها رفع جودة تقديم الخدمات الصحية وتعزيز البرامج الوقائية وتمكين المحليات من تقديم الخدمات الصحية في إطار من اللامركزية وتطوير قطاع الدواء.
أما فيما يتعلق بالجانب التعليمي، تهدف الاستراتيجية إلى تحسين جودة نظام التعليم بما يتوافق مع النظم العالمي، وتمكين المتعلم من متطلبات ومهارات القرن الواحد والعشرين فضلا عن إتاحة التعليم للجميع دون تمييز، وتحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم وتفعيل العلاقة الديناميكية بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
ومن جانبه أثنى حامد على رؤية مصر 2030 ودورها في دعم الاستثمار في الموارد البشرية، موضحا أن السكان ثروة تتطلب خطة وتمويلا لتشغيلهم والاستفادة منهم في كافة القطاع المختلفة.
حوافز لا حرمان
وأشار محمد أبو حامد إلى ضرورة سن تشريعات وقوانين بناءً على مبدأ الحوافز وليس مبدأ الحرمان، واصفا قانون "حرمان الطفل الثالث من الدعم" بغير الدستوري والمفروض خاصة أنه يتعارض مع المواد 17 و18 و19 من الدستور المصري.
وناقش البرلمان المصري في دور الانعقاد الحالي، مشروع قانون لتنظيم الزيادة السكانية، متعلق بحرمان الطفل الثالث من الدعم المادي والعيني المقدم من الدولة المصرية، كما أكدت وزارة العدل في بداية العام الجاري، عدم دستورية مشروع القانون.
وقال حامد إن "واجب مؤسسات الدولة وضع حلول للأزمة وحوافز للأسر الملتزمة بقوانين تنظيم الأسرة بدلًا من عقاب الأسر غير الملتزمة، ما يضيف مزايا في نوع ومستوى الخدمات المقدمة"، مشددًا على أن الأفكار الدستورية والمدروسة لحل أزمة الزيادة السكانية تصب في صالح الحكومة والمجتمع.