عصيدة "الزقوقو".. موائد تونس تتزين في المولد النبوي
لا احتفالية بالمولد النبوي الشريف في تونس دون تحضير "عصيدة الزقوقو"، حيث دأب التونسيون على هذه العادة المتوارثة منذ بداية القرن الـ20.
وعصيدة الزقوقو تتكون أساسًا من حبات الصنوبر الحلبي التي يتم رحيها وخلطها بمادة الطحين والسكر، ليتم طهيها بعد ذلك على نار هادئة، وتحرك باستمرار حتى لا تتخثر.
وتقوم العائلات التونسية بتقديمها في أوعية من الفخار أو البلور أو النحاس، وتزيينها بالمكسرات والحلوى، ثم يقع تقديمها في اليوم الأول لاحتفالية المولد النبوي الشريف.
و"الزقوقو" هي كلمة بالعامية التونسية تعني الصنوبر الحلبي، ويقع إنتاجه في مرتفعات الشمال الغربي على الحدودية التونسية الجزائرية، وتمتد غاباته على 300 ألف هكتار من محافظات الكاف وجندوبة والقصرين.
وتروي "الحاجة حبيبة"، مواطنة تونسية من محافظة الكاف أن عملية تجميع الصنوبر الحلبي شاقة جدا وصعبة، وقالت في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن عملية تجميعه تتطلب تسلق شجرة الصنوبر في مرتفعات خطيرة، وعادة ما تسبب حوادث لعشرات الأشخاص سنويا.
وتابعت: "مناسبة المولد النبوي تدفع عشرات من سكان الشمال الغربي في تونس إلى امتهان هذه المهنة لأنها تمنحهم بعض الرزق الموسمي، وعادة ما يكون موسم جني الزقوقو في فصل الخريف".
أصول "الزقوقو"
وتعود أصل طهي الصنوبر الحلبي في تونس أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث لجأ التونسيون إلى استعماله إثر ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 (ثورة قامت ضد نظام البايات على يد القائد بن غذاهم).
وبسبب الفقر المنتشر والمجاعة التي ضربت تونس في تلك الفترة اضطرت العائلات التونسية إلى إعداد هذه العصيدة لتعويض غياب الحبوب وتلف المحصول السنوي.
ومنذ ذلك الزمن، ومع تطور الأزمنة أصبحت العائلات التونسية تتفنن في صنعها إلى أن ارتبطت بالمولد النبوي الشريف كل سنة، وأصبحت منتشرة لدى كل العائلات من شمالها إلى جنوبها.
المولد النبوي في القيروان
يمثل المولد النبوي الشريف مناسبة وقيمة دينية واجتماعية ترتبط بعادات وتقاليد الكثير من التونسيين، حيث يتمسكون بعاداتهم لإحياء هذه المناسبة.
وتكون القيروان قبلتهم، فيتحوّل جامع عقبة بن نافع ومقام "أبي زمعة البلوي" إلى مزار للوافدين والسكان المحليين والأجانب.
وتتلى السيرة النبوية في مسجد عقبة بن نافع أحد أقدم المعالم الإسلامية في تونس وشمال أفريقيا، ويحبب فيها مشاركة الأطفال، وتنظّم مسابقات حفظ القرآن الكريم.
وتتزين المدينة وتلبس أحلى حللها لاستقبال زوارها من أحباء الرسول، صلى الله عليه وسلم. فتلألأ الأضواء من أزقتها ومساجدها.
وتعود أهمية القيروان إلى دورها الاستراتيجي في الفتح الإسلامي، فمنها انطلقت حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنها رقاد لعدد من صحابة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلّم، ويطلق عليها الفقهاء “رابعة الثلاث”، بعد مكة والمدينة المنورة والقدس.
جامع الزيتونة العريق
وعادة ما يحتضن جامع الزيتونة المعمور، المتواجد في المدينة العتيقة التونسية، آلاف الزوار في احتفالية المولد النبوي الشريف لتبادل التهاني، ولا تخلو احتفالية من حضور عرضي لعصيدة الزقوقو بين المصلين طيلة السنوات الماضية، إلا أن جائحة كورونا، فرضت على التونسيين هذه السنة إلغاء كل التظاهرات الدينية والثقافية، ففقدت المدينة العتيقة أجوائها التقليدية وعبقها المميز منذ بناءها قبل 600 سنة.