"الفاو الكبير" .. مشروع عراقي ضخم يتحدى فساد الداخل ومصالح الخارج
بعد نحو أكثر من 10 سنوات، على وضع الحجر الأساس لميناء الفاو الكبير، جنوب العراق، استطاعت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إطلاق العمل بالمشروع بشكل رسمي بعد التوقيع على تنفيذ 5 أجزاء رئيسية منه.
وعلى الرغم من أن المدة المحددة لإنجاز المشروع تتراوح بين 4 و5 سنوات، إلا أن الصراعات السياسية وتقاطع المصالح الداخلية والخارجية فضلاً عن عوامل الفساد عطلت استكماله وحالت دون قطع المراحل الأولية من التصميم الأساسي.
ويقع ميناء الفاو في جنوب محافظة البصرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي، ومن المنتظر أن يصبح من أكبر الموانئ في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط، وسيحول الفاو إلى مدينة عالمية تجارية اقتصادية ضخمة، ويسهم في خلق فرص عمل كثيرة، إذ من المتوقع أن يبلغ عدد العاملين في بناء الميناء نحو 300 ألف عامل.
4 موانئ
ويوجد في محافظة البصرة 4 موانئ رئيسية أخرى، أبو فلوس وخور الزبير والمقل وأم قصر، إلا أن أعماق المياه وطول أرصفتها محدودة ولا يمكنها استيعاب صادرات كبيرة، ما يجعل ميناء الفاو مهماً لأنه قادر على استضافة سفن عملاقة من شأنها تزويد العراق بموارد مالية ستخفف العجز الاقتصادي في ميزانية الدولة.
وصمم الميناء لاستقبال سفن تزيد حمولتها على 100 ألف طن، بحكم عمق المياه التي يوفرها الخليج العربي، وفي حال استكماله سيكون واحداً من أكبر 12 ميناء في العالم.
تنمية الاقتصاد
وبحسب خبراء اقتصاد، سيساهم ميناء الفاو في تنمية الاقتصاد العراقي، وزيادة الحركة التجارية، وهو ما سيحقق 4 أضعاف ما يجمعه العراق مالياً من الموانئ الأخرى مجتمعة.
الخبير الاقتصادي، علاء الفهد، يقول إن ميناء الفاو في حال تم استكمال جميع جوانبه سيكون له الأثر الكبير في تغيير موقع العراق على مستوى التجارة العالمية كونه يمثل طريقاً مختصراً بتكاليف نقل أقل كلفة وهنا تقع أهمية الجدوى الاقتصادية لذلك المشروع.
ويوضح الفهد، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "التوقعات الأولية من قبل الشركات المختصة بتنفيذ المشروع تقدر قيمة وارداته خلال 10 سنوات تتجاوز 500 مليار دولار، وبذلك يكون مورداً بديلاً عن النفط الذي يشكل أكثر من 90% من الإيرادات القومية للبلاد".
أهمية استراتيجية
وتكمن أهمية ميناء الفاو الجيوسياسية والاستراتيجية، إنه في حال اكتماله سوف يربط الشرق بأوروبا من خلال ميناء الفاو وعبر طريق سككي بين العراق وتركيا وسوريا، وصولاً إلى أوروبا ومرور طريق الحرير البري من الصين عبر العراق بربط سككي سريع يقطع حوالى 2000 كيلومتر بشبكة سكك قطار سريعة تؤمن وصول البضائع والسلع من موانئ بحر العرب والخليج نحو الأرض اليابسة في البصرة وصولاً لتركيا وأوروبا.
وتضمنت الخطط الأولية التي وضعتها العراق، إنشاء 100 رصيف، ضمن مشروع ميناء الفاو الكبير، إلا أن الأزمة المالية جراء انخفاض أسعار النفط العالمية واستنزاف الموازنة في الحرب ضد الإرهاب وما تبعها من ظروف جائحة كورونا، قلصت من التصاميم الأساسية وأعداد المواقع المفترض إنشائها.
وأحالت وزارة النقل نهاية العام الماضي مشروع تنفيذ ميناء الفاو على شركة "دايو" الكورية كمرحلة أولى بكلفة 2 مليار و625 ألف دولار، تشمل بناء 5 أرصفة من مجموع 90 رصيفا، وإنشاء ساحة للحاويات وقناة ملاحية بطول 12كيلومترا، وأخرى خارج حوض الميناء بطول 13كيلومترا، فضلا عن إنشاء طريق سريع رابط بين الفاو ومدينة أم قصر بطول 63 كيلومترا، مع إنشاء قناة خور الزبير.
وبحسب مدير الشركة العامة لموانئ العراق فرحان محيسن الفرطوسي، وجهت شركة دايو الكورية قبل نحو شهرين، دعوة إلى 200 خبير للمساهمة بإنجاز ميناء الفاو، مع اقتراب وصول معدات كبيرة منها مطرقة عملاقة لدق الركائز لأرصفة الميناء، فضلا عن التعاقد لشراء معامل لإنجاز المشاريع المكلف بها الشركة المنفذة بشكل جيد.
حادثة انتحار
وعانت الشركة المنفذة لميناء الفاو، طيلة الفترات الماضية، من سلسلة ضغوطات اضطرت على إثرها إلى إيقاف عملها بعد حادثة انتحار غامضة لمدير شركتها في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
وبعد التحقيق في لجنة شكلها الجانب العراقي في تلك الحادثة، أكد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أن مدير شركة دايو الكورية، أقدم على الانتحار لتعرضه إلى عمليات ابتزاز وضغوط من قبل بعض الجهات التي يفصح عن هويتها.
ويعتقد علاء الفهد، أن "الطريق لن يكون معبداً لإتمام مشروع ميناء الفاو، لوجود تحديات وعراقيل داخلية وخارجية، وسوف تكون المهمة على عاتق الحكومة المقبلة وقدرتها على تفكيك تلك العقد ونقاط التصادم التي قد تعطل استكمال أهم منفذ بحري في تاريخ العراق".
معوقات داخلية
ويوضح الفهد، أن "المعوقات الداخلية تتمثل بضعف التمويل المالي وعجز العراق الاقتصادي في توفير السيولة اللازمة لتأمين تعاقداته مع الشركات المنفذة وكذلك تحييد قوى الفساد وعمليات الابتزاز التي قد تمارسها على الجهات المنفذة".
وأرجع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أكد في سبتمبر/أيلول الماضي، أسباب تأخر استكمال الفاو الكبير إلى "المتاجرة"، به منذ 17 عاماً. فيما تعهد بعدم السماح لأحد بأن "يمسّ حقوق الشعب العراقي في مشروع بناء "ميناء سيادي".
وفي التحديات الخارجية، يبين الفهد، أنها "تقع عند تضرر مصالح بعض الدول الإقليمية وتغير خرائط الممرات البحرية وأثر ذلك على قنوات وممرات تعيش على وارداتها منذ أمد بعيد، لذا قد تسعى بعض الاطراف إلى التدخل المباشر وغير المباشر لتأخير تنفيذ المشروع إن لم تستطع إيقافه".
وكان رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، وصل اليوم الأحد، إلى محافظة البصرة لتوقيع 5 عقود ضمن مشروع ميناء الفاو وهي: الارصفة الخمسة للحاويات ور دم ساحة خزن ومناولة الحاويات وحفر القناة الملاحية الداخلية وحفر وتأثيث القناة الملاحية الخارجية ونفق قناة خور الزبير الطريق السريع الرابط بين ميناء الفاو وأم قصر".