هل مصادفة أن أفريقيا، المسؤولة عن 3% فقط من انبعاثات الكربون عالميا، هي الأكثر تضررا من تأثيراتها، وتضم نحو 63% من فقراء العالم؟
الأفارقة ضحايا للانبعاثات الكربونية، التي يشهدونها رغم أنهم أقل من يسهم فيها، وفي الوقت نفسه، يعيش نحو 180 مليون نسمة تحت خط الفقر في أربع دول أفريقية فقط.
بالطبع تداعيات تغير المناخ ليست الجاني الأساسي في قضية الفقر في أفريقيا، في ظل وجود العدد الأكبر من هؤلاء الفقراء في دول تنهشها الصراعات بالقارة العجوز.. لكن ما عَلاقة التغيرات المناخية بالفقر في أفريقيا؟
في ندوة عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، في إطار الاستعدادات لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي، 27COP، لخّص ستيفان هاليغات، كبير الخبراء الاقتصاديين في فريق البنك الدولي المعني بتغير المناخ، الإجابة عن هذا التساؤل، مؤكدا أنه من المتوقع أن يقفز عدد الأشخاص تحت خط الفقر المُدقع بحلول عام 2030 إلى نحو 132 مليون شخص نتيجة تأثير التغيرات المُناخية.
وبحسب توقعات البنك الدولي، فإن هناك تأثيرات وخيمة على الدول الأفريقية، ما يتطلب تحقيق مزيد من النمو بين عامي 2040 و2050 لمواجهة ما يعانيه الأشخاص من فقر وهشاشة، وهنا يجب أن تكون التنمية شاملة، خاصة في المجتمعات الريفية، وهو ما يصب في صالح المرونة والتكيف مع التغيرات المناخية.
إذا نظرنا إلى ثروات القارة الأفريقية ومواردها الطبيعية الضخمة، ولنأخذ مثالا الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، نجد أنها تُقدّر بنحو 2.2 مليار فدان، أي أكثر من 60% من الأراضي الخصبة في العالم، إلا أن الجوع يعتبر أكبر أزمة تواجه سكان القارة، حيث تبلغ الفجوة الغذائية نحو 50 مليار دولار سنويا.
الزراعة في أفريقيا تعد من أكثر القطاعات تأثرا بالتغيرات المناخية، وتتمثل أهم التأثيرات الرئيسية في انخفاض إنتاجية المحاصيل، ونفوق العديد من الماشية نتيجة تقلص موسم الأمطار والفيضانات، الذي يؤثر في الزراعة والماشية، ونزوح العائلات من المناطق المتضررة.
وإذا عرفنا أن نحو 25-50% من الكثافة السكانية بالدول النامية يعمل في الزراعة، فإن الأمر يتطلب العمل على تقليل الأضرار على هذه الفئات، خاصة أنه بحلول عام 2050 تشير التقديرات إلى أن الزراعة ستختفي في البلاد النامية، ما سيؤثر في الدول المتقدمة أيضا وليس النامية فقط، وبالتالي يجب التفكير بشكل جماعي لإيجاد حلول لهذه المشكلة والحد من تأثيراتها.
مع تبقي أيام قليلة على قمة المناخ COP 27، والتي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية، إحدى مدن أفريقيا، فمن الضروري مراجعة أهدافنا كافة حول الحد من التغير المناخي والتكيف والمرونة والتمويل والتأكد من أنه رغم عالمية الأزمة لكن السبيل لمعالجتها يجب أن يكون مخصصا لكل إقليم يدعم جهود العالم، وهو ما سيجعل أفريقيا تشق طريقها نحو المستقبل.
التنمية عنصر هام في مواجهة أثر التغيرات المناخية في الشعوب، وبالنظر إلى الحالة الأفريقية فإن تحقيق التنمية الزراعية المستدامة وتوفير الأمن الغذائي يمكن أن يكون بداية فاعلة لتخفيف حدة الفقر والقضاء على الجوع، في إطار أجندة التنمية الأفريقية 2063، وهو ما يتطلب إلى جانب الجهود الوطنية داخل كل دولة ضرورة التعاون والتنسيق بين دول القارة، وفقا للمزايا النسبية والتنافسية لكل دولة.
كما أن حلم أفريقيا في تحقيق التنمية المستدامة يبدأ بتوفير الموارد اللازمة لدعم جهودها في التخفيف من آثار التغير المناخي، عبر مشروعات خضراء تحفز الاستثمارات للهجرة إلى القارة السمراء، خاصة أن التمويل المتاح سنويًا من الدول المتقدمة أو المؤسسات الدولية من أجل تنفيذ هذه الخطط ليس كافيا، كما لم تفِ الدول المتقدمة حتى الآن بتعهداتها السابقة بتوفير 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية.
حان الوقت الآن للانتقال من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ، فالدول الأفريقية لن تستطيع بمفردها تلبية احتياجاتها التمويلية للتكيف مع تغيرات المناخ والتكيف معه بشكل عاجل، ومن ثمّ لا بد من الاستعانة بدعم المؤسسات التمويلية، عبر مبادرات قوية وآليات لتنفيذ الاستثمارات المتعلقة بالمناخ.
هناك ارتباط وثيق بين التنمية ومواجهة التغير المناخي، وإذا أخفقنا في جانب، سنُخفق أيضا في الجانب الآخر، وهو أمر يجب الانتباه إليه.. ورغم أن بعض الدول الأفريقية لا يزال ينظر إلى قضايا التغيرات المناخية باعتبارها رفاهية، لكن الحقيقة أنها ليست كذلك، وهناك حاجة إلى نسب مئوية محددة من الناتج المحلي للإنفاق على مواجهة التغير المناخي لتصل إلى نحو 7% عالميا دون التأثير في الفقراء.
بالطبع هناك 3 تحديات هامة تواجه التنمية والتكيف مع التغيرات المناخية، وتتمثل في التحديات الاقتصادية من تأثير في مستوى الوظائف وتضرر الأشخاص اقتصاديا من التغيرات المناخية، ما يتطلب إيجاد بدائل لها، عبر حشد استثمارات القطاع الخاص.
ويعد تحدي توفير التمويل من أهم التحديات التي تواجه تمويل المناخ وتحقيق التنمية، وبالتالي فإنه لا بد من حشد الاستثمارات المحلية والدولية واستثمارات القطاع الخاص، والاستثمار في قطاعات النقل والمواصلات والطاقة الجديدة والمتجددة، أما التحدي الثالث فيتمثل في حوكمة المؤسسات، حيث هناك حاجة إلى زيادة مرونة المؤسسات، والأمل معقود على مؤتمر شرم الشيخ في أن يساعد لمواجهة التحديات أمام المجتمع الدولي.
ضريبة الكربون يمكن أن تكون حلا بديلا لتوفير الموارد المالية، التي يمكن ضخها بقطاعات التنمية مثل الصحة، ولكن من المهم أن تعي الحكومات طبيعة التحديات التي عليها مواجهتها وصياغة السياسات المناسبة لهذه المواجهة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة