عسكرة القارة الأوروبية أمر يجري بشكل متسارع تحت وطأة الخوف من القادم وإمكانية خسارة رفاهية الحاضر.
والعسكرة هناك ستُقابَل بتشديد روسي لقوتها بشكل إضافي في البلطيق، وهذا فعل سيصعّب إعادة ترتيب عالم ما بعد الحرب الباردة بشكل مقبول، وسيعوّم منطق الانفلات لكل عدادات وضوابط ذلك العالم.
وانضمام كل من فنلندا والسويد إلى الناتو أمرٌ سيؤدي إلى عسكرة بحر البلطيق ويهدد عَلاقات ألمانيا الاقتصادية مع روسيا، بل وسيهدد الاستقرار في منطقة القطب الشمالي.
وإذا نقل الناتو القوات النووية والبنية التحتية إلى حدود روسيا على الجانب الفنلندي، فلن تقف موسكو مكتوفة الأيدي، فانضمام فنلندا والسويد شبه المؤكد إلى حلف الناتو لن يؤدي إلا إلى عسكرة الشمال، والبلطيق في عين العاصفة.
ومع تفجير خطّي غاز "نورد ستريم" في أعماق بحر البلطيق، أدرك القادة الأوروبيون أن العالم قد دخل حقبة جديدة، فأين ستقف أوروبا في هذه الحقبة بعدما باتت سياساتها الخارجية تقترب من التطابق مع السياسات الأمريكية، بل وتتجاوز التطابق إلى التبعية أحيانا؟
لعله سؤال كبير، والجواب عنه ليس بالصعب، لكن وزيرة خارجية ألمانيا، التي قالت وقتها إن "تفجير أنابيب نورد ستريم يُظهر مدى ضعف أوروبا أمام الاعتداءات"، شرحت التخبُّط الأوروبي، الذي يزداد يوما بعد يوم.
وبما أن روسيا باتت تتهم السويد بـ"إخفاء معلومات حول تفجير نورد ستريم"، فإن الكرملين ذهب أبعد من الاتهامات حين كشف أن حقيقة تفجير "نورد ستريم" في بحر البلطيق سيفاجئ الأوروبيين ويُذهلهم.
وحين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن "أمريكا تبيع أوروبا الغاز بسعر أكثر 3 مرات من سعره داخل الولايات المتحدة"، عَنْونت صحف فرنسية وأوروبية خبر "ماكرون" بتعليق يقول: "إذًا عرفنا مَن فجّر خطوط نورد ستريم ومَن المستفيد".
ويعد مشروع خط أنابيب البلطيق من النرويج عبر الدنمارك وبحر البلطيق عاملا رئيسيا في خُطط بولندا ودول أوروبية أخرى لتنويع إمداداتها من الغاز الطبيعي، فيما الاتهامات الروسية طالت كثيرين -منهم بولندا- حول مسألة مَن فجّر خطوط "نورد ستريم".
وقد قبلت النرويج الدعم العسكري من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لحماية خطوطها النفطية، وكذلك خطوط الغاز الطبيعي ضمن بحر البلطيق، وأطلقت مسيّرات تجوب سماء بحر البلطيق، بُغية تأمين هذه المرافق المهمة، التي تمثل اليوم شريان حياة لدول أوروبا.
وحين يبدأ حلف شمال الأطلسي، الناتو، مناوراته النووية السنوية المعروفة باسم "ستدفاست نوون"، بمشاركة عشرات الطائرات فوق شمال وغرب أوروبا، فإن بحر البلطيق يناله نصيب من هذه التدريبات، وبالتالي فإن روسيا سترد بالمثل، والمشهد سيذهب نحو العسكرة الكاملة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة