على مر الزمان لم يُهزم جيش عربي في أي حرب إلا وكانت الخيانة سببا، وإن لم نقرأ التاريخ لن نستطع أن نستقرئ المستقبل.
المستقبل يحمل الخير دوما إلا إذا حال البشر دون ذلك، وفي دولة بحجم مصر، عانت الكثير خلال الأربعين عاما الماضية، وتحديدا منذ عام 1982، لك أن تتخيل ما معنى دولة قد خرجت للتو من حرب استعادت فيها مكانتها وأرضها، "حرب أكتوبر 1973"، التي أنهكت الاقتصاد.
الاقتصاد المصري على مدار 4 عقود مرّ بكثير من الأزمات والتحديات، اجتاز البعض منها ورسب في أخرى، لكن تطبيقا لمبدأ نصف "الكوب المليان"، كانت الانتصارات أكبر من الانتكاسات، والتي كان أعنفها في 2011، وقُدّرت خسائرها بـ477 مليار دولار، ما ألقى بالدولة إلى ترتيب الاقتصاد الهش.
الاقتصاد الهش إنْ جاز القول يعني "شبه دولة" لشعب بمقدوره بناء ألف دولة حقيقية، لتبدأ الحرب الجديدة ضد ممالك الإرهاب، ما كلّف خزانة مصر 7 تريليونات جنيه خلال السبع سنوات الماضية فقط، وما زالت الحرب مستمرة.
الحرب الجديدة، التي تواجهها مصر، لا تقل في خطورتها عن الخيانات التي تعرضت لها جميع الجيوش العربية على مر التاريخ، منذ انهيار الأمويين بعد ازدهار، والعباسيين بعد قوة، وباقي الحروب العربية وصولا إلى نكبة العرب عام 1948، ونكسة مصر 1967 وسقوط بغداد 2003، وخيانات الربيع العربي بالكامل في 2011، وما أعقبها من كوارث.
كوارث الحرب الجديدة تتعلق بالفضاء الإلكتروني العشوائي، الذي لا يخضع لأي قواعد أو أسس أو مواثيق شرف أو احترام كلمة.. وهذه أصعب الحروب التي يمكن أن تتعرض لها دولة بحجم مصر.. أتذكرون جميعا كيف سقطت بغداد؟، أقول لكم وفق معلوماتي، لا استنتاجاتي: سقطت بالكلمات، بلغة الصحافة "عواجل الخيانة" الموجهة، نعم هكذا سقطت بغداد وهكذا يراد بالقاهرة.
في القاهرة وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مصارحا المصريين والحضور بمؤتمر مصر الاقتصادي 2022، بأن فلسفة الحكم تتطلب شجاعة في اتخاذ القرار، كذلك رهَن الرئيس نجاح برنامج مصر للإصلاح الاقتصادي بمباركة الشعب، الذي إذا قال "لا" كان الرئيس سيدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، بحسب قوله اليوم، واضعا أمام الجميع خطورة حرب الشائعات الإلكترونية التي تتعرض لها مصر.
في مصر تنمية حقيقية يقابلها معارك وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لعل أضحوكتها الكبرى "الكوبري الحامل"، تلك الصورة المنتشرة لأحد الكباري من منظور البعض من محترفي "الضحك دون سبب" على منصات الخراب الإلكترونية، من أجل النيل من عزيمة المصريين لتجاوز التحديات.
التحديات، التي تواجه مصر كدولة، قد تكون بعيدة عن التحديات البسيطة للمواطن العادي، الذي يعاني يوميا في تدبير احتياجاته، وهنا أتحدث عن مواطن يريد حياة كريمة، لا منصات على التواصل الاجتماعي، ولا "سِلفي" مع "الكوبري".. كل ما يريده أن يعيش بكرامة وتلبية مطالبه اليومية بطريقة مباشرة للوصول إلى الرضا الشعبي.
الرضا الشعبي في مصر قد لا يتحقق بشكل عاجل لكنه سيتحقق، وفي تقديري أن أقصر الطرق لهذا الرضا الشعبي هو الاعتراف بأن مصر أصبحت "دولة"، وأن الثماني سنوات الماضية كانت سنوات كاشفة لما يُراد بمصر وأهلها، كذلك لا بد من سدّ نوافذ الفتنة وعدم الالتفات للشائعات والتحقق من سيل الأخبار الكاذبة التي تستهدف الاستقرار.
الاستقرار قد يكون مفهوما مطاطيا لدى البعض، لكن ما شاهدته في مؤتمر مصر الاقتصادي 2022، أو بلغة رقمية إلكترونية "نوستالجيا" الاقتصاد المصري، التي استعرضها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، أثبت أن مصر أقوى من الأزمات، وأن شعبها قادر على صناعة الاستقرار، بشرط وأد فتنة حروب الخيانة الإلكترونية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة