عادت المتعة، عادت الإثارة، عاد الشغف، عاد الدوري الأقوى في العالم، عاد الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليج".
إن كنت أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، فأنت -دون شك- قد لاحظت حالة من السعادة الطاغية على جماهير كرة القدم في الساعات الأخيرة، حالة غابت منذ نحو 3 أشهر، عندما انتهت منافسات الدوريات الكبرى.
تلك الحالة من السعادة اقترنت بعودة الدوري، الذي يعتبره الكثيرون -وأنا منهم- الدوري الأقوى في العالم، بل وقل إن شئت المسابقة الرياضية الأكثر إثارة ومتعة في جميع أنحاء العالم، وهو الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليج".
حين تشاهد تلك الحالة من الشغف، تلك الوجوه التي استعادت توهجها، وتلك القلوب التي عادت لتخفق وكأنها تغني فرحًا وسعادة، لا بد أن تتساءل: كيف وصل الدوري الإنجليزي إلى تلك الدرجة؟ ولماذا لا تحظى دوريّاتنا العربية بجزء من هذا الشغف بين الجماهير العربية ذاتها؟
إذا سألت أحدهم عن بعض الوسائل التي يمكننا الاعتماد عليها للوصول بالمشاهد العربي إلى جزء من تلك الحالة مع دورياتنا العربية، ستأتيك الإجابات كزخّات المطر التي لا تتوقف، غير أن جميعها لن يمس الجانب الحقيقي، الذي نحتاج إليه للوصول إلى هذه اللعبة التي يلعبونها في "البريميرليج".
لا يا سادة، المشكلة ليست فقط في الجانب التسويقي، ولا الإعلامي، ولا الإداري، ولا حتى الفني، صحيح كل هذه مشكلات موجودة، ولكنها ليست الجوهر ولا الأساس، فلكي نحظى بشغف مشابه -ولو قليلا- لشغف الجماهير بـ"البريميرليج"، فلا بد أن ندرك أولًا أننا نلعب ما يسمى "كرة قدم".
نعم يا عزيزي، نحتاج إلى من يدير المنظومة بشكل صحيح، ومن يسوّقها بشكل أفضل، ومن يروّج لها إعلاميا على أفضل ما يكون، ولكن السؤال: ما الذي سيروَّج له؟ مُنتَج كروي يمتع المشاهد بمباريات قوية، أم منتج لا علاقة له بكرة القدم إلا على صعيد التسمية؟
لكي لا يكون حديثي إنشائيًا بلا جدوى، فدعني أستشهد بأقوى دوريين عربيين في آسيا وأفريقيا، ولنبدأ بالقارة الصفراء، التي يهيمن عليها "الهلال" كما يهيمن على الدوري السعودي، فإذا كنت من مشجعيه، فلا شك أنك إما منشغل بقضية محمد كنو بين الهلال والنصر، أو عبد الرزاق حمد الله بين النصر والاتحاد، أو التصريحات النارية لخالد البلطان، رئيس نادي الشباب.
وإذا كنت من متابعي الكرة المصرية، فأول ما سيتبادر إلى ذهنك إما بيانات مجلس إدارة الأهلي المستمرة، أو تصريحات مرتضى منصور، رئيس الزمالك، المثيرة للجدل، أو قضية "كهربا" مع الزمالك، أو قضية عبد الله السعيد مع الأهلي.
السؤال هنا بين كل هذه الأسماء: أين كرة القدم؟
لقد أصبحت أشبه بالاستوديوهات التحليلية، التي تستمر لـ5 دقائق وسط فواصل إعلانية تستغرق نصف ساعة، كل هذا الجدل والاعتراضات المستمرة والاتهامات المُتبادلة لمسابقات لا تُقدم مردودًا فنيًا يتناسب مع ما يحيطها من أحداث.
هل تعلم يا عزيزي أن أكثر مدربي الدوري الإنجليزي شكوى في الموسم الماضي هو الألماني توماس توخيل، مدرب تشيلسي؟! حيث اشتكى 11 مرة في 38 مباراة..
هل تعلم كم مرة اشتكى فيها من القرارات التحكيمية؟
اشتكى مرتين فقط! نعم، مرتان في 38 مباراة، وهو الأكثر شكوى!
حين تنظر إلى هذا الأمر تدرك الفارق الحقيقي بيننا وبين البريميرليج، فقبل أن نعمل على تطوير المنظومة الإدارية أو الإعلامية أو التسويقية، يجب أن نعمل أولًا على تطوير الأفراد الذين يلِجون إلى تلك المنظومات، وتثقيفهم، ليدركوا أن المُنتج الحقيقي الذي يجب أن يتم تقديمه هو "كرة القدم"، أما ما حوله من زخْم النزاعات والمجادلات فلا بد أن يكون على الهامش.
عندما يدرك الأفراد ذلك، يمكن أن نستخدمهم لنطور كل منظومة على حدة، وحينها ستعود الجماهير إلى المدرجات بسلاسة، لتجني الأندية ثمار ذلك من عوائد بيع التذاكر، وستزداد المشاهدات على المُنتج، الذي سيصبح حينها حقيقيًّا لا وهميًّا، لتجني القنوات ثمار ذلك بحملات إعلانية تشغل وقتًا قصيرًا بعائد كبير، وحينها ستزداد قيمة المسابقة، ما سيعود بالنفع على الأندية، التي ستُصبح أغنى، مما سيرفع درجة التنافس، ومن ثم ستزيد قيمة المسابقة مجددًا، لتشاهد الجماهير محتوىً مميزًا يقدم متعة فنية تخلق شغفًا لا يمكن أن تخلقه تلك الصراعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة