أوكرانيا في الاستراتيجية الأمريكية.. لعب بعصا واحدة ضد خصمين
سلطت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا الضوء على تحد خطير، إذ دشنت حقبة جديدة من المواجهات المتزامنة وأحيانا المتشابكة.
وعززت زيارة بايدن إلى كييف، الإثنين الماضي، وسط دوي صافرات الإنذار، ثم خطابه في وارسو بعدها بيوم، الدعم الغربي الاستثنائي لمقاومة أوكرانيا، لهجوم روسي مستمر منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
لكن بوتين رد في خطاب سنوي، وصف فيه الحرب بأوكرانيا كمعركة وجودية أوسع نطاقا ضد الغرب.
وبعدما تعهد بايدن بأن الولايات المتحدة ستظل بجانب أوكرانيا قدر ما يتطلبه الأمر، أوضح بوتين المدى الذي قد يستغرقه ذلك، مثيرا احتمال استمرار الحرب لمزيد من الأعوام، ما يضع أعباء كبيرة على الحكومات الغربية.
وفي غضون ذلك، تمارس الصين دورها الاستراتيجي وسط ضجة القوى العظمى، حيث أرسلت الدبلوماسي الكبير وانغ يي وزير الخارجية الصيني إلى موسكو لإجراء محادثات رفيعة المستوى، حتى مع احتدام النزاع الصيني الأمريكي بسبب منطاد التجسس.
وفي أحدث إشارة بأسبوع يحمل كثيرا من الرمزية الدبلوماسية، استقبل بوتين وانغ، أمس، وأخبره أن العلاقات بين بكين وموسكو وصلت إلى "آفاق جديدة".
وقال وانغ لبوتين إن البلدين كثيرا ما يواجهان "أزمة وفوضى، لكن دائما ما يوجد فرص وسط الأزمة".
وتعليقا على ذلك، أوضح تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن تطورات هذا الأسبوع لا تعني أن تهديدات الأمن القومي المستقبلية على الولايات المتحدة من بكين وموسكو، واحدة.
وغالبا ما كشفت الحرب في أوكرانيا نقاط الضعف الروسية، في حين أن المخاوف من تنامي قوة الصين سيشغل واشنطن لفترة كبيرة من القرن الحالي.
لكن في الوقت الراهن، تناقش الولايات المتحدة أزمات السياسة الخارجية المتفاقمة بوقت متزامن، خاصة تلك مع خصمها السابق بالحرب الباردة روسيا، والمنافس الجديد الصين.
ويتحدى الخصمان روسيا والصين، علانية المعايير التي دعمت النظام الدولي الحالي على مدار عقود.
بوتين وبايدن "رأس برأس"
وفيما يتعلق بالتألق الرئاسي، تفوق بايدن على بوتين هذا الأسبوع، مع رحلته الجريئة بالقطار إلى كييف وخطابه في العاصمة البولندية، وهو المكان الذي تم اختياره بسبب دوره بالخط الأمامي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفق "سي إن إن".
أما خطاب بوتين أمام البرلمان الروسي فكان يعج بالتهديدات النووية المألوفة منذ بداية الحرب، ونظريات المؤامرة عن الغرب، بحسب المصدر ذاته.
وغالبا بدا أن بايدن يتحدث مباشرة إلى الزعيم الروسي، محاولا وصفه أمام الروس والأوروبيين والأمريكيين بأنه "طاغية مسؤول عن أخطاء فادحة ووحشية في أوكرانيا بعد عام من بدء الحرب".
وتعهد بايدن بأن "رغبة الرئيس بوتين في الأراضي والسلطة ستفشل، وأن حب الشعب الأوكراني لبلدهم سينتصر"، قائلا: "أوكرانيا لن تكون انتصارا لروسيا مطلقا".
لكن بوتين أوضح في خطابه أنه لا احتمال لانتهاء الحرب قريبا، وقال للروس إن الصراع بالغ الأهمية لوجود بلدهم وإنه جزء من جهود الغرب لمهاجمة روسيا، ما مهد الطريق أمام حرب طويلة للغاية.
توقف تام
أظهرت رحلة بايدن كذلك أن القطيعة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي عامل سيشكل السياسة العالمية لسنوات، شبه اكتملت، على حد قول "سي إن إن".
وعلى سبيل المثال أعلن بوتين، الثلاثاء، أن روسيا ستعلق مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت" مع الولايات المتحدة.
ولم يتضح على الفور، وفق "سي إن إن" التأثير العملي لذلك، بما أن موسكو توقفت تماما عن تطبيق الاتفاق.
وبالنظر إلى أن الاقتصاد الروسي يعاني، وقواتها التقليدية تتعرض لضغط كبير، تفتقر موسكو أيضًا إلى الموارد لإشعال سباق أسلحة نووي جديد مع واشنطن. لكن تعليق الالتزام بـ"نيو ستارت" يجسد انهيار إحدى اللبنات الأساسية الأخيرة لنظام ما بعد الحرب الباردة.
تجاهل صيني لتحذيرات واشنطن
ومع مواجهة الولايات المتحدة لروسيا في أوكرانيا، فهي تسعى لتهدئة أزمتها الأخيرة مع الصين حول ما تقول واشنطن إنه منطاد تجسس صيني حلق في الأجواء الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر.
واقتربت المواجهة مع بكين من مستوى جديد هذا الأسبوع، إثر تحذير الولايات المتحدة للصين بعدم تزويد روسيا بالأسلحة التي يمكن أن تستخدم في الحرب في أوكرانيا، وتوجه وزير الخارجية الصيني إلى موسكو.
واتفقت روسيا والصين على صداقة "بلا حدود" قبل الحرب الروسية العام الماضية، مما يزيد من المخاوف الأمريكية شأن جبهة موحدة بين موسكو وبكين.
وجاء رد وزارة الخارجية الصينية قويا على تحذير واشنطن، حيث قالت إن الأخيرة ليست في وضع يسمح لها بمحاضرة الصين بشأن المسألة.
ورأى التحليل أن أي محاولات من الصين لإرسال أسلحة إلى الحرب في أوكرانيا لن تغير التوازن الاستراتيجي لساحة المعركة، لكنه سيكون بمثابة جبهة جديدة خطيرة في الصراع الأمريكي الصيني.
ولا توجد أدلة علنية بعد تفيد بأن الصين زودت روسيا بأسلحة، بينما تقدم بكين دعما كلاميا لروسيا بشأن أوكرانيا.
ولا تزال فكرة تحالف رسمي ضد واشنطن من روسيا والصين غير مرجحة، وفق سي إن إن، بالنظر إلى اختلال ميزان القوة بين بكين وموسكو لصالح الصين.
وربما تكون الصين، التي تعاني مشاكل اقتصادية خاصة بها، غير مستعدة للمخاطرة بعقوبات أمريكية قد تتمخض عن إرسال أسلحة إلى موسكو، لكن ربما يكون لبكين أيضا مصلحة في إطالة أمد الحرب باعتقاد أنه يمكنها تشتيت الولايات المتحدة ومواردها العسكرية عن الجهود المتنامية للرد على الهيمنة الصينية في آسيا.
وأشار التحليل إلى أن صراعا ممتدا في أوكرانيا قد يؤدي أيضا إلى انقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا، مما يصب في أهداف السياسة الخارجية الصينية.
كما يمكن أن يحرض الصراع الممتد على مزيد من المعارضة السياسية في واشنطن، بما يضعف قدرة بايدن على تحقيق أهداف السياسة الخارجية الخاصة به على الصعيد العالمي، وفق المصدر ذاته.
aXA6IDE4LjExOS4yNDguMjE0IA== جزيرة ام اند امز