حكاية "ثقب أسود" صنعته أوكرانيا.. جيب مولدوفا عالق بين عالمين
تفيد تقارير غربية بشكل دائم بأن الحرب الروسية في أوكرانيا لا تسير كما كان يريد الرئيس فلاديمير بوتين، لكن الصراع قد يمتد إلى منطقة أخرى في مولدوفا.
وتقول الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"، "لا تسير الحرب الروسية في أوكرانيا كما كان يريد الرئيس فلاديمير بوتين؛ إذ لم يتمكن من هزيمة أوكرانيا حتى الآن، ويبدو على الأرجح أنه لن يفوز".
وتابعت "كما لم ينجح في شن أو تقسيم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل في الواقع، ما حدث كان العكس".
ومضت قائلة "وعلى عكس خطط بوتين، فإن أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا أقرب بعدة خطوات من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عما حلمت به على الإطلاق. وربما تكون هناك نتائج غير مقصودة للحرب في أوكرانيا، وسيكون من أهمها صراع ترانسنيستريا في مولدوفا".
وفي الفترة من 1991 إلى 1992، أظهرت روسيا للعالم للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أنها قادرة على زعزعة استقرار جمهورية سوفياتية سابقة وتقسيمها، عبر تسليح الانفصاليين الموالين لروسيا في مولدوفا، وإطلاق العنان للحرب، وخلق دولة على الورق (ترانسنيستريا)، ثم تجميد الصراع لفترة زمنية طويلة، وفق المصدر ذاته.
ومنطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا عبارة عن شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله حوالي 200 كيلومتر (120 ميلا) وعرضه 30 كيلومترا بين نهر دنيستر والحدود الشرقية لمولدوفا مع أوكرانيا.
وحاول هذا الشريط الانفصال عن مولدوفا في 1992 لكن لم يعترف به المجتمع الدولي كدولة ذات سيادة.
ولا يزال يتمركز أقل من 2000 جندي روسي في ترانسنيستريا. وتضم قرية كوباسنا في الشمال أكبر مستودع ذخيرة في أوروبا، حيث يخزن حوالي 20 ألف طن من الذخيرة والمعدات التي تعود للحقبة السوفياتية.
وبالرغم من موافقة روسيا رسميا عام 1999 على سحب كل من قواتها وأسلحتها من ترانسنيستريا في غضون بضعة أعوام، لم تفعل ذلك قط.
"الثقب الأسود"
على مدار أكثر من ثلاثين عاما، كانت ترانسنيستريا "ثقبا أسود" في أوروبا، كما وصفها تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي عام 2002.
وأبقت المنطقة نفسها واقفة على قدميها عبر تدفقات الأموال من موسكو والتهريب، والاتجار في البشر، وغسل الأموال، وفق التقرير ذاته.
بل لعبت أوكرانيا أيضًا دورا في هذا التطور؛ فبعد عام 1992، أنشأ أعضاء النخبة الحاكمة في أوكرانيا ومسؤولو الاقتصاد الروس شبكة تهريب تتمركز على ترانسنيستريا، والتي نجحت في تعزيز الاقتصاد بالمنطقة الانفصالية، مما جعل من المستحيل على مولدوفا ممارسة أي سيطرة اقتصادية عليها.
وبمرور الوقت، انجر "الأعضاء الفاسدون" من نخبة مولدوفا إلى تلك المعاملات غير المشروعة.
دور الموانئ الأوكرانية
على مدار ثلاثين عاما، اعتمد اقتصاد ترانسنيستريا على عمليات النقل غير المشروعة للبضائع إلى أوديسا في أوكرانيا ومنها والموانئ الأخرى على البحر الأسود.
وبدأ كل ذلك في التسعينيات، عندما فرش الرئيس الأوكراني، آنذاك، ليونيد كوتشما السجادة الحمراء لايغور سميرنوف، أول رئيس لجمهورية ترانسنيستريا المعلنة ذاتيا وغير المعترف بها دوليا.
وكان السبب في حفاوة الاستقبال على الأرجح أن صهر كوتشما كان مالك إحدى أكبر شركات الصلب في ترانسنيستريا.
ولاحقا، انجذب ساسة آخرون في كييف إلى إجراء "أعمال تجارية" مع الانفصاليين في ترانسنيستريا من وراء مولدوفا.
تغيير سياسة أوكرانيا
وتعترف أوكرانيا في الوقت الحالي، بأنها مدينة لمولدوفا لأنها تهاونت مع "الثقب الأسود" لعقود وانتفعت منها.
وكرست عدة صحف موالية للحكومة في كييف مساحات لتحليل هذه المسألة وحتى رجحت أن هزيمة روسية محتملة في الحرب على أوكرانيا يجب أن تسفر عن تفكيك ترانسنيستريا الموالية لروسيا.
وكتب الصحفي سيرجي سيدورينكو مؤخرا بصحيفة "يوروبيان برافدا" الأوكرانية: "تجاهلت كييف مسألة ترانسنيستريا، واستفادت بعض السلطات من الثقب الأسود للتهريب. لكن تغير كل شيء مع الحرب الروسية الشاملة".
دبابات على الحدود
وعندما شنت روسيا الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، أعطت السلطات الأوكرانية أوامر بإغلاق قطاع ترانسنيستريا على حدود مولدوفا وأوكرانيا، مما أدى إلى توقف مفاجئ للتهريب.
ورد النظام الانفصالي بعاصمة ترانسنيستريا، تيراسبول، بشكاوى من "حصار اقتصادي" وطلب من روسيا التدخل وإنقاذ المنطقة الانفصالية. لكن تم تجاهل تلك النداءات حتى الآن.
وعلاوة على ذلك، تحطمت آمال ترانسنيستريا في سيطرة روسية سريعة على أوكرانيا وتوحيد المنطقة الانفصالية مع روسيا جراء مقاومة الجيش الأوكراني.
حل الصراع
تتضامن الحكومة في مولدوفا، كيشيناو، مع أوكرانيا، وتساعد اللاجئين الأوكرانيين، ومقتنعة تمام الاقتناع بأنها على الجانب الصحيح من التاريخ، بفعلها ذلك، وفق "دويتشه فيله".
كما أنها مقتنعة بأن صراع ترانسنيستريا يجب حله بالطرق السلمية فقط وبطريقة لا تعرقل مسار مولدوفا الموالي للاتحاد الأوروبي.
وقالت الرئيسة مايا ساندو إن مولدوفا يجب أن تصبح عضوا بالاتحاد الأوروبي بنهاية العقد الجاري..
نهج ناعم
تعتبر ميزانية حكومة مولدوفا لعام 2023 أكبر ميزانية لها على الإطلاق. وسيتم إنفاق معظم الأموال على تأمين المجال الجوي للبلاد.
ومع ذلك، لا تريد حكومة مولدوفا تجنب المواجهة العسكرية مع ترانسنيستريا فحسب – لكن تريد أيضًا تجنب ممارسة لضغوط اقتصادية على النظام الانفصالي في المنطقة.
وقال أوليغ سيريبريان، نائب رئيس وزراء مولدوفا لإعادة الإدماج مؤخرا: "نحن جميعا في نفس القارب. لا يجب أن نخل بالتوازن".
ولديه سبب وجيه لقول ذلك؛ إذ تعتمد مولدوفا على الكهرباء من محطة كهرباء كوسيورغان، التي تقع في ترانسنيستريا ويشغلها الغاز الروسي.
وعلى الرغم من مدى السخافة التي يبدو عليها الوضع، كما لو أن مولدوفا تدعم وتمول الانفصاليين، يعتبر ذلك ضروريا لأنه، بدون الطاقة من كوسيورغان، ستنقطع الكهرباء في مولدوفا.
لكن يمكن أن يتغير كل ذلك قريبا، حيث تعمل مولدوفا على خطط لكسر اعتمادها على كهرباء ترانسنيستريا والغاز الروسي. وإذا أفلحت تلك الخطط، قد تفلس المنطقة الانفصالية وتقع في أيدي مولدوفا.
aXA6IDE4LjIyMS4xOTIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز