بلومي لـ"العين الرياضية": بلماضي صنع منتخبين للجزائر.. ومحرز الأفضل بأفريقيا
كشف لخضر بلومي، أسطورة الكرة الجزائرية، عن كواليس غير معروفة من مشواره الكروي المبهر، وتوقعاته لمستقبل منتخب بلاده خلال الفترة المقبلة.
وبتواضعه وبساطته المعهودين، وبدون حسابات نجومية، وبأخلاقه العالية التي عُرف بها، تطرق نجم المنتخب الجزائري الأسبق، ورابع أفضل لاعب أفريقي في القرن الـ20، في مقابلة خاصة مع "العين الرياضية"، للكثير من المسائل المرتبطة بمشواره الكروي المميز، والمتعلقة بالمنتخب الجزائري، والدوري المحلي.
وتحدث الأسطورة بلومي للمرة الأولى عن بروز نجم ابنه محمد بشير في الدوري الجزائري، وكشف عن خطوة جديدة ستقوده لعالم الاحتراف، ليحقق حلم والده الذي أكد أنه لم يضع، ولن يضيع مع ابنه، الذي سيكمل مشواره، وسيحقق ما لم يستطع هو تحقيقه.
وكشف بلومي أيضا عن أسباب عدم احترافه في أوروبا، رغم العروض الكثيرة التي وصلته من أندية كبرى على رأسها قطبا إسبانيا ريال مدريد وبرشلونة، وإن أكد أنه غير نادم على ذلك، وأن تشريف المنتخب الجزائري يمثل له إنجازا أكبر من الاحتراف.
وأبدى لخضر بلومي رأيه بصراحة في أداء جمال بلماضي، مدرب المنتخب الجزائر الحالي، ونجمه الأول رياض محرز، وأدائه مع فريق مانشستر سيتي الإنجليزي، متوقعا أن يكون الجناح الطائر هو الأسطورة الجديد للكرة الجزائرية.
وتحدث بلومي، صاحب الـ63 عاماً، والمصنف كأفضل لاعب جزائري عبر تاريخ المنتخب، ورابع أفضل لاعب أفريقي في القرن الـ20، عن "ملحمة خيخون" مقارنا بين منتخب الجزائر وقتها والمنتخب الحالي، كاشفا عن سر ابتكاره لـ"التمريرة العمياء".
وفيما يلي نص المقابلة الحصرية التي أجرتها "العين الرياضية" مع أسطورة الكرة الجزائرية لخضر بلومي.
أين هو الأسطورة بلومي اليوم.. ولماذا هذا الغياب؟
ليس هناك سر إلا التقدم في السن.. فقد تخطيت الـ60 عاما، والحمد لله حققنا هدفنا الأساسي وهو تشريف الألوان الوطنية للجزائر بصفة خاصة، والعرب بصفة عامة، على المستويين الأفريقي والعالمي، وحان الوقت لنترك الفرصة والمكانة والمشعل للآخرين، وهذه هي مقتضيات الرياضة، لكل منا وقته وزمانه.
هل يمكن أن نرى بلومي في تجربة رياضية جديدة تستفيد منها الأجيال الجديدة؟
يقتصر ظهوري حاليا على المناسبات الخاصة للاتحادية الجزائرية لكرة القدم أو وزارة الرياضة، وحتى على الصعيدين العربي والأفريقي، كما أنني حاضر بشكل دائم مثلا في السعودية وحتى المغرب، عندما دعمت ملفها باسم الجزائر لاستضافة مونديال 2026، لكني في الوقت نفسه أفضل الابتعاد عن الأضواء وراض بما كتبه الله لي.
عاد اسم بلومي للظهور مؤخرا من بوابة ابنه محمد بشير الذي كان من أبرز اكتشافات الدوري الجزائري.. ما توقعاتك لمستقبله؟
عندما نرى الإمكانيات الكبيرة التي قدمها من أهداف وفنيات رغم ضيق الوقت وقلة الإمكانيات، نجد أن ابني محمد بشير برهن على إمكانياته وأن له موهبة ربانية ومستقبلا مميزا ككل الشباب بصفة عامة في مختلف الأندية والفرق الوطنية إن أتيحت لها الفرصة.
هل ترى فيه الموهبة القادرة على نسف نظرية فشل أبناء الأساطير؟
الإمكانيات التي كشف عنها ابني هي فرصة للمسؤولين المعنيين بالأمر حتى يأخذوا هذه المواهب بعين الاعتبار كما حدث معي ومع جيل رابح ماجر وصالح عصاد.
فقد برزنا نحن في السبعينيات، ولا ننسى الفضل الكبير لفريق جبهة التحرير الوطني في ذلك، حيث قدموا لنا كل الدعم، وأعطوا لنا فرصة الانضمام إلى الفريق الأول، وعندما تتوافر الإمكانيات والموهبة فإن العمل يكون مميزا والنتائج تظهر بشكل سلسل.
صنعت التاريخ رغم أنك لم تحترف خارج الجزائر.. هل تعتقد أن البطولة المحلية قادرة اليوم على إبراز نجومية محمد بشير دون احتراف خارجي؟
هناك إمكانية لاحتراف ابني محمد بشير خارج الجزائر خلال الفترة المقبلة.
هل هو تشجيع منك أم واقع محتوم؟
حلم محمد بشير هو الاحتراف خارج الجزائر، فهو يقول لي دائما إن حلمه وهدفه هو أن يحقق ما لم يتمكن والده من تحقيقه في مشواره الكروي، ويقصد هنا الاحتراف.
والحمد لله، موهبة محمد بشير انتقل صيتها إلى خارج البلاد، وتلقى عددا من الاتصالات والعروض من عدة أندية، وهو على تواصل مع بعضها، لكني أتحفظ على ذكرها، وأمنيتي أيضا أن أراه لاعباً محترفاً في فريق أجنبي قوي، وسأعمل على مساعدته لأن يحقق ما لم أحققه.
على ذكر الاحتراف، الأسطورة بلومي كان أكثر لاعب تلقى عروضا أوروبية في تاريخ الكرة العربية، بينها من برشلونة وريال مدريد ويوفنتوس وبايرن ميونخ، لكن لم نره في أحدها.. لماذا؟
كثيرون يعرفون قصة لخضر بلومي مع الاحتراف، خاصة في المحيط الرياضي والمسؤولين في ذلك الوقت، ففي البداية القانون المحلي لم يكن يسمح لنا بالاحتراف في الخارج من 1980 إلى 1984، إلى أن منحنا الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد الضوء الأخضر للاحتراف نحن الثلاثة، أنا وماجر وعصاد.
كنت أيضا متجهاً للاحتراف، لكني تعرضت لإصابة خطيرة في شهر مارس/آذار 1984، حرمتني من هذه التجربة، وقبلها في 1981 تلقيت عرضاً من برشلونة لكن بسبب القانون سابق الذكر لم أتمكن من ذلك.
هل أنت نادم على عدم احترافك في أوروبا؟
على العكس، الحمد لله قدمت كل ما لديّ للمنتخب الجزائري، ولعبت مع فريق معسكر رغم قلة الإمكانيات ليس في هذا الفريق فقط بل في كل الفرق المحلية، لكننا شرفنا الجزائر وهذا هو الهدف الأسمى، وكل اللاعبين في ذلك الوقت الذين لعبوا لأندية أوروبية شرفوا أيضا الجزائر خصوصاً بعد مونديال 1986.
الفرق بين التجربتين هو أن الاحتراف خارج البلاد يكسبك الكثير من المال، لكن اللعب في بلادك يكسبك شرف حمل ألوانه وتشريفه على المستوى العالمي، وهذا أكبر هدف حققته في مشواري.
وقد أسهمنا في وصول منتخب الجزائر إلى العالمية، مثلما حدث في ملحمة خيخون عام 1982، عندما فزنا على المنتخب الألماني، والحمد لله عشنا بفخر بالألوان الوطنية.
الأسطورة لخضر بلومي هو من ابتكر "التمريرة العمياء".. حدثنا عن سرها؟
ابتكرتها في بدايات مشواري مع فريق معسكر للأصاغر، نصحني حينها مدرب أولمبيك معسكر وهو النادي الأول بأن ألعب كرة السلة، اكتشف موهبتي حينها وأنا في عمر الـ14، كنت أنفذها باليدين وتمكنت من تحقيقها برجلي.
هناك نجوم عالميون وصفوا بلومي بعد مونديالي 1982 و1986 بأنه "من دهاة القرن في كرة القدم".. هل تعتقد أن القدر أنصف الداهية الكروية بالأمس واليوم؟
قدمنا مستويات عالية حتى في مونديال 1986، وكانت للمنتخب الجزائري مشاركة مشرفة خصوصاً ضد البرازيل، وكنا أحسن منهم لكنهم حققوا الفوز علينا بالحظ وبخطأ دفاعي منا، وقبلها في مونديال 1982 برزنا، لكن في 1986 أكدنا أن الجزائر منتخب ذو مستوى عالمي.
وهل لا يزال بلومي يحظى بالاهتمام كما كان، أم أنه يعاني من التهميش مثل الكثير من لاعبي الأجيال السابقة؟
الحمد لله، شهادات الجزائريين أينما أذهب في كل ولاية من ربوع البلاد تؤكد حبها واحترامها للخضر بلومي، وما زلت مقتنعاً بأنني أديت كامل واجبي الوطني وقدمت كل ما لدي وعلى المستوى العالي، ولكل بداية نهاية، وأعيش اليوم براحة بال كبيرة.
كنت من صناع ملحمة خيخون التي أدخلت منتخب الجزائر تاريخ كرة القدم.. ما سر تلك الملحمة الكروية؟
مع كل احترامنا للجيل الأول الذي قاده النجم حسان لالماس، وكذا لجيل 2014 الذي شرف أيضا الجزائر في المونديال، لكن جيل الثمانينيات كتب تاريخ كرة القدم الجزائرية، بفوزنا على ألمانيا، وأجبرنا "الفيفا" على تغيير القوانين، وتبقى تلك المرحلة هي الأهم في التاريخ الكروي بالجزائر.
ذلك الجيل كان خاصاً جدا بكل المعايير، وكانت دعامتنا في ذلك التدريب الذي تلقيناه من فريق جبهة التحرير، وكنا نعشق الجزائر ولعبنا بحرارة وحماس كبيرين لتشريف ألوانها، وليس مثلما نراه اليوم مع الاحتراف الذي غيّر من طريقة تفكير الناس، ومع ذلك يبقى هذا الجيل له مكانة خاصة على مر التاريخ.
ما رأيك في المنتخب الجزائري اليوم بقيادة المدرب جمال بلماضي؟
النتائج تتكلم عن نفسها ما شاء الله، شرّف الجزائر، تمكن من صناعة منتخب أعاده إلى مكانته الأصلية، وحصد كأس أمم أفريقيا التي جرت بمصر في 2019.
المدرب بلماضي أعاد إحياء أمجاد كرة القدم الجزائرية على مستوى عالي أفريقياً.
هل تعتقد أن المنتخب الجزائري الحالي ألغى نجومية جيل الثمانينيات؟
الدور الذي قام به جمال بلماضي هو إعادة إحياء الكرة الجزائرية، لكن تاريخ المنتخب الجزائري كُتب مع جيل الثمانينيات، وبلماضي أعاد إحياء ذلك التاريخ المشرف.
التقيتم منذ مدة مع بلماضي.. كيف تنظرون لهذا المدرب، وما توقعاتكم لمستقبل منتخب الجزائر تحت قيادته؟
لا يمكن الحديث عن إنجازات المدرب بلماضي، لأن الأرقام التي حققها هي التي تُترجم تلك الإنجازات بالنتيجة والأداء.
كنا نتمنى مدرباً يصنع لنا منتخباً جديدا وقوياً، لكن بلماضي أحدث المفاجأة، عندما صنع منتخبين في منتخب واحد من الاحتياطيين والأساسيين وبمستوى واحد، وهو متابع دائم لمستوى اللاعبين، والمشكلة الوحيدة التي واجهها في بداياته هي مشكلة اللاعب المحلي، لكنه تجاوز ذلك بطريقة عمل احترافية.
ونجاح المدرب جمال بلماضي لا يتوقف فقط على ما يقدمه، بل على الجمهور والإعلام المحلي، الذي تقع عليه مسؤولية مساعدته وعدم التدخل في عمله أو التشويش عليه، وكل ذلك من أجل نجاح الكرة الجزائرية.
من مِن لاعبي المنتخب الجزائري أو من البطولة المحلية تتوقع له مستقبلا استثنائيا أو أن ينافس على لقب الأسطورة؟
أعتقد أن الأولوية هي الاهتمام باللاعب المحلي من قبل المسيرين، والمسيرون يبدأون من الوالدين في المنزل، فيجب أن يجد اللاعب المحلي مسيرين حقيقيين وليس تجارا، وهذا هو المشكل الحقيقي، ونرى اليوم أن الكل يبحث عن مصلحته الشخصية.
أعتقد أن رياض محرز يملك كل المقومات لهذا اللقب، فهو يشرف الجزائر منذ عدة أعوام سواء مع المنتخب، أو مع ليستر سيتي ثم مانشستر سيتي، وحصل على عدة ألقاب بينها أحسن لاعب بالدوري الإنجليزي وبطل أفريقيا، وهو من أفضل لاعبي العالم، وكل الأرقام والأهداف والتقنيات التي يقدمها شرفت الجزائر.
حتى من يملك إمكانيات لمشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي في الجزائر تراه اليوم يبحث عن متابعة رياض محرز، وهذا ما يؤكد أنه لاعب استثنائي بكل المقاييس.
هناك من يرى أن محرز لم يبرز بشكل كافٍ مع مانشستر سيتي، وأن وضعه على مقاعد البدلاء في الكثير من المباريات يقلل من شأنه ومن إمكانياته، ما رأيك؟
بكل صراحة، بيب جوارديولا مدرب ناجح ومانشستر سيتي فريق قوي، والناس فقط هم من يتحدثون من فراغ، لكن هذه هي كرة القدم، والمدرب يعتمد في خياراته على عدة معطيات أبرزها جاهزية اللاعب، وحتى عمره، ولا ننسى جائحة كورونا التي أثرت على أداء بعض اللاعبين.
لكن رياض محرز يؤدي دوره، وجوارديولا يعتمد عليه وفق نظرته الدقيقة لكل مباراة، ومع احترامي لمن يتحدثون عن تعرض محرز للظلم في مانشستر فإن الأهم هو الأداء المميز الذي يقدمه في كل مباراة يشارك فيها، وهو اليوم في نظري أحسن لاعب أفريقي ويشرف كل العرب والأفارقة في الدوري الإنجليزي.
كيف هي علاقتك برابح ماجر وصالح عصاد وبقية نجوم الثمانينيات؟
الحمد لله علاقتي طيبة جدا بالجميع، بمن فيهم رابح ماجر وعلي بن شيخ وعلي فرقاني، ونتصل ببعضنا من حين لآخر عبر الهاتف، صحيح وباء كورونا أبعدنا بعض الشيء، لكن الحمد لله لا مشكل بيننا، وما زلنا أصدقاء كما كنا.
في اعتقادكم، ما هي المنتخبات الأفريقية والعربية القادرة على صناعة المفاجأة في المنافسات المقبلة؟
أتحدث وفق الأرقام التي تفرض نفسها دائما، وليس من منطلق أنني جزائري، فبعد منتخب الجزائر أرى أن من بين أقوى المنتخبات العربية هناك تونس والمغرب، وعلى الصعيد الأفريقي توجد منتخبات السنغال ونيجيريا وحتى الكاميرون، وهي تبقى مدارس كروية كبيرة.
وماذا عن المنتخب المصري؟
المنتخب المصري يعاني حالياً من أزمة لاعبين، فمحمد صلاح وحدة لا يكفي، ويعاني أيضا من قلة لياقة، وشهدنا خسارته على أرضه.. وأرى أنه يعيش اليوم في استراحة محارب.
aXA6IDUyLjE1LjIxNy44NiA= جزيرة ام اند امز