يا رب عراق آمن.. المحتفلون بذكرى المولد النبوي يرفعون دعواتهم للسماء
مع بدايات انكسار الشمس ودخول المساء، توافد المئات من المواطنين صوب مدينة الأعظمية شمالي العاصمة بغداد، استعداداً للاحتفال بالمولد النبوي الشريف عند مرقد وجامع أبي حنيفة النعمان.
وجرت العادة منذ عقود، أن تستقبل الأعظمية سنوياً أعداداً غفيرة تزامناً مع ذكرى مولد النبي الأكرم محمد صل الله عليه وسلم، باعتبارها قبلة المحتفلين بتلك المناسبة، والمكان الأكبر الذي يجتمع عنده الأهالي في ذلك الموعد.
وتتوزع مظاهر الاحتفال بذكرى المولد النبوي في العراق عند أماكن متفرقة من العاصمة بغداد، ولكن تمثل الأعظمية بمرقدها المذهب أبي حنيفة النعمان، وأضوائه الساحرة، المكان الموحد لهذا الاحتفاء والتبارك.
وتعتلي الصيحات عند مقتربات المرقد بهذا اليوم، في دعوة من المحتفين أن تتحقق الاماني وترفع الدعوات التي يجتمع أغلبها عند عراق آمن وبلاد مستقرة تجمع أهلها بمختلف الطوائف على الخير والمحبة.
وشهدت الأعظمية طوال الأيام الماضية استعدادات كبيرة لمفارز الأمانة وفرق تطوعية لتجهيز مداخل المدينة ومكان الحفل الرئيسي لاستقبال المحتفلين بذكرى المولد النبوي.
وتزاحمت اللافتات على مبان وطرق الأعظمية التي حملت عبارات المحبة والمواءمة بين أبناء الشعب بعنوان "محمد يوحدنا"، فيما أضاءت المصابيح الملونة فضاء المدينة بعد أن حاوطتها بالونات الهواء بأشكالها المختلفة.
يقول عمر عبدالرحمن، أحد أعضاء فريق تطوعي بمدينة الأعظمية، إنه وبمعية رفاقه بذلوا جهداً كبيراً خلال الأيام الماضية لرفع الأنقاض والنفايات عن الطرق العامة وغسل الشوارع وإكساء الجدار بلافتات الاحتفال.
ويوضح عبدالرحمن، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أنه ومنذ أعوام يشارك فريقاً تطوعياً في تجميل مدينته مع اقتراب مناسبة ذكرى المولد النبوي.
ويضيف قائلاً: "نسعى من خلال ذلك إلى إحياء سيرتنا الإسلامية المشرفة التي تدعو للاقتراب والتلاحم وتقبل الآخر بغض النظر عن هويته ومذهبه ودينه".
إشعال الشموع وضرب الدفوف
وفيما تتكاثر الأقدام صوب مقام ومرقد أبي حنيفة، تفترش عوائل بغدادية الأرض على بعد أمتار من الجامع الأعظم وهي تنشر المائدة المزخرفة بشتى أنواع صنوف الأكل والحلوى.
تذكر سيدة أربعينية حضرت بمعية ابنتيها، يرافقهن الأب، أنها حرصت على المجيء منذ ساعة مبكرة حتى تستطيع أن تجد لها مكاناً بين المحتفين.
وعادة ما يبدأ الاحتفال مساءً، بتلاوة قرآنية تتلى في جامع أبي حنيفة النعمان ومن ثم خطبة قصيرة، لتنطلق بعدها تطلق المناقب النبوية التي تسمع أصواتها عبر مكبرات المئذنة من كل صوب.
وتنشغل السيدة الأربعينية بإشعال الشموع وسط أواني نحاسية مزركشة في تقليد اعتاده المحتفلون منذ عقود استبشارا بذكرى المولد النبوي، فيما تنشغل إحدى بناتها بتذوق طبق من "الزردة".
وتحضر العديد من أصناف الطعام في تلك المناسبة حصراً، بينها ما تعرف باللهجة العراقية "الزردة"، ذات اللون الأصفر، والتي تأتي مكوناتها من الرز والسكر وبعض المطيبات الأخرى.
تتحدث أم روان، لـ"العين الإخبارية"، عن أمنياتها التي جاءت تطلقها عند فضاء المرقد والمحتفلين، قائلة: "نريد وطن سالم معافى بعد أن أتعبتنا الحروب والفوضى".
وتستدرك بالقول: "نحن لا نملك إلا الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه في هذا اليوم العظيم أن نعيش في هذا البلد أخوة تسودنا المحبة والوئام".
على بعد عشرات الأمتار حيث البيوت القديمة المخالطة للمباني الحديثة قرب المرقد، تسمع الدفوف وهي تقرع على وقع حناجر تصدح بأناشيد دينية تظهر المحبة والمودة للنبي الأكرم.
وشهدت الاحتفالات النبوية عند مدينة الأعظمية خلال العامين الماضيين، حركة من التقييد قلصت مساحة وساعات الاحتفال جراء الظروف التي رافقت ظهور فيروس كورونا.
إلا أن احتفالات العام الحالي، بدت وكأن زمن الجائحة ولى وانتهى كما يقول أحد المحتفلين بالمولد النبوي وهو يعلق باقة من نبات "الياس" على جدار بيته.