احتجاجات الشعب الإيراني، المستمرة منذ أسبوعين، تثير العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول النتائج الداخلية والخارجية
احتجاجات الشعب الإيراني المستمرة منذ أسبوعين، تثير العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول النتائج، الداخلية والخارجية، التي يمكن أن تستقر بها في النهاية.
ونحن في منطقة الخليج معنيون بالبحث عن الزاوية أو الجانب الذي يصوِّب أو يعدل من سلوكيات هذا النظام فيما يخصّ سياسته الخارجية على اعتبار أن ما يحدث الآن هو شأن داخلي.
وربما الشيء المقنع في نتائج المشهد الإيراني، بعيداً عن التركيز في سقوط النظام، على الأقل أن الأمر لا يبدو سهلاً في الوقت الحالي، وإنما هي "بروفة" احتجاجية ستكبر في المستقبل، وتكون نتائجها ربما إسقاط النظام، خاصة أن الشعب لم يعد يراهن على الخارج في "إنقاذه" من هذا النظام.
لكن الشيء المؤكد أن هذا الحراك الشعبي أفقد نظام الملالي في إيران "هيبته" الدينية والسياسية وأسقطها وهذا، في نظري، عامل مهم في تعديل سلوكه الخارجي، وهو ما يهمنا نحن هنا في منطقة الخليج العربي والدول العربية عموماً.
سقوط "هيبة" نظام الملالي أجده أفضل من سقوط النظام الإيراني الحالي، لأن طموحنا كخليجيين وعرب ينبغي ألا يتجاوز إيقاف تصدير ثورته إلى الإقليم العربي من خلال توسيع تمدد نفوذه فيها، وإنما عليه أن ينتبه إلى تحقيق مطالب شعبه باعتباره جاراً يستحق أن يعيش بكرامة كما باقي دول الجوار.
لقد فضحت هذه الاحتجاجات أكاذيب نظام الملالي التي راهن عليها على مدى أربعة عقود، فهو يقول للشعب الإيراني كلاماً غير حقيقي عن جواره الجغرافي، ويدّعي أن دول الجوار هي السبب في عدم استقرار إيران والمنطقة من خلال الاحتفاظ بعلاقات مع الولايات المتحدة "قوى الاستكبار"، وأن مشروعات النظام السياسية والعسكرية إنما هي بهدف حماية المستضعفين، ومن ثَمّ كانت تهمة "خدمة أجندات خارجية" جاهزة لكل من لا يؤمن بهذه الأفكار، إلا أنه منذ عام 2015 تأكد للشعب الإيراني أن كلام هؤلاء في الغرف المغلقة يختلف كثيراً عما هو ظاهر، خاصة بعد تطورين مهمين هما: توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، حيث كان يُفترض أن تسمح الأموال المفرج عنها في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب، ولكن هذا لم يحدث.
وقد سجلت نسبة البطالة في إيران نحو 15% في العام 2015. والأمر الآخر هو التحرك الخليجي بعيداً عن الولايات المتحدة (التي أظهرت أنها لا تتعامل بجدية مع الخطر الإيراني) سياسياً وإعلامياً لإظهار الوضع الحقيقي للنظام ومخاطبة الشعب الإيراني بأنه ضحية مصالح نظام وليس دول الجوار، أضف إلى ذلك المواجهة العسكرية والاقتصادية التي أفشلت المشروعات الإيرانية وضيّقت على الوضع الداخلي، سواء من خلال منع حجّاج الشيعة الخليجيين الذهاب إلى إيران، أو من خلال إغلاق العديد من المشروعات الاقتصادية الإيرانية في دول المنطقة.
سقوط "هيبة" نظام الملالي أجده أفضل من سقوط النظام الإيراني الحالي، لأن طموحنا كخليجيين وعرب ينبغي ألا يتجاوز إيقاف تصدير ثورته إلى الإقليم العربي من خلال توسيع تمدد نفوذه فيها، وإنما عليه أن ينتبه إلى تحقيق مطالب شعبه باعتباره جاراً يستحق أن يعيش بكرامة كما باقي دول الجوار، التي دفع تطورها التنموي والأمني إلى إجراء المقارنة بين إنفاق هذه الدول وإنفاق النظام الإيراني.
إن سقوط هيبة النظام أفضل من تغييره؛ لأن تغييره ليس شرطاً لتغيير السياسة الخارجية، فمشكلتنا نحن العرب مع إيران "النَفَس الفارسي"، فهو موجود، سواء مع الملالي المحافظين والإصلاحيين أم عند غيرهم، حتى من الليبراليين. وبالتالي فإن خلافاتنا مع النظام الإيراني لن تُحل مع أي نظام قادم إلا من ناحية منهج السياسة الخارجية.
من مصلحتنا أن يسقط هذا النظام لأنه يوظّف الطائفية في تحقيق مصلحته، وتسبب كثيراً في شق العلاقات المجتمعية في دول الخليج والعرب، ولكن ينبغي ألا نحسن الظن كثيراً بمن سيأتون إلى السلطة في إيران، ولدينا ما لا حصر له من أمثلة منذ نظام الشاه، كما أن هناك بعض التفاصيل الصغيرة يقوم بها المعارضون للنظام الحالي تؤكد أن خلافاتهم مع النظام، وليس في الطموحات الإيرانية في الإقليم، فالجميع يعتقد أن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ إيرانية أو فارسية.
نظام الملالي في مأزق لأنه بات مكشوفاً في الداخل، وأن ما يحاول أن يفعله الآن ليس محاولة للبقاء والاستمرار لأن المؤسسات التقليدية كلها في يده، ولكن يعمل ليعيد هيبته داخلياً لمنع تكرار هذه الاحتجاجات، إلا أن قناعة الشعب بعدم رهن مصيره بالولايات المتحدة أو غيرها من الدول تمثل قلقاً على النظام، ويعمل على إعادة هيبته خارجياً لأن حلفاءه (الدول، مثل سوريا. التنظيمات مثل حزب الله اللبناني، والأشخاص نوري المالكي الذين ربطوا سياساتهم بالنظام الإيراني) الذين تفاجأوا بما يجري بالتأكيد، يقلقهم ما يجري وما قد يترتب عليه في مستقبلهم، حيث يمكن أن يواجهوا المصير نفسه.
لم يعد سراً أن الخاسر الأكبر في الحالتين، في حالة استمرار النظام الحالي أو في سقوطه، هي الأذرع السياسية والإعلامية للنظام في الخارج، لأنها ستدفع "ضريبة" مراجعة الشعب الإيراني لسجلاتهم المالية ومشروعاتهم السياسية في دول الجوار، حيث بين لنا المشهد الإيراني أن الشعب بات يدرك أنه لم يعد مستفيداً من مشروعات هذا النظام، وأن عائداته تذهب إلى مؤسسات الدولة العميقة التي يترأسها المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي وإلى الحرس الثوري، حيث يتم استغلالها في مغامراتهم السياسية التي لم تزد الشعب إلاّ تهميشاً وعزلة!!.
الخلاصة أن سلطة النظام الإيراني بعد هذه الاحتجاجات لن تكون بتلك الهيبة والإقناع مثلما كانت قبلها، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد تراجعاً إضافياً في "مغامرات" النظام الخارجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة