هل تسبب بوتين في تشكيل "ناتو" أقوى؟
أسفرت الحرب الروسية على أوكرانيا عن تغيير رئيسي واحد بالنظام العالمي: توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
قرر قادة الدول الأعضاء بالحلف العسكري في مدريد، الأربعاء، رسميًا دعوة السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو بعدما وافقت تركيا على إسقاط معارضتها للأمر.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، كانت هذه أنباء غير سارة لشخص واحد بالتحديد. وكما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، الأربعاء، يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "ناتو أصغر"، والآن "يحصل على ناتو أكبر على حدوده".
وكانت الحدود الشرقية للحلف نقطة شائكة بالنسبة للرئيس الروسي على مدار سنوات.
وفي حين لم تكن عضوية أوكرانيا مطروحة بأي وقت قريب، تم استغلال علاقة كييف المتنامية مع الولايات المتحدة وقوى الناتو كمبرر لقرار روسيا ببدء عملية عسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط.
والآن، تزخر أوكرانيا بالأسلحة وأشكال الدعم الأخرى من الدول الأعضاء في الناتو. وإذا حصلت السويد وفنلندا على العضوية، فإن ميزان القوة في أوروبا سينقلب أكثر ضد روسيا.
لكن في حين سينتهي الحال بالناتو أقوى عدديًا بعد الحرب الروسية، أظهرت الحرب في أوكرانيا أيضًا بعض التناقضات الداخلية للحلف.
وأشار التحليل إلى أن حلف الناتو لديه شعور متجدد بوجود هدف مع التركيز على عدو واحد، وذلك بعدما شكا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ ثلاثة أعوام من أن الحلف يواجه "موتا دماغيا". وعلى مدار سنوات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدا الناتو كحلف يبحث عن عدو.
وكما ذكر كثيرون مؤخرًا، اقترح بوتين وآخرون حتى ضم روسيا إلى الناتو، لتنضم موسكو فعليًا إلى ما تأسس كاتفاق مناهض لموسكو.
ولا شك في أي جانب يرى الناتو نفسه يتخذه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، حتى إن لم يكن أعضاؤه طرفا مباشرا في الصراع، حتى إن دولًا كانت متخلفة عن الركب في البداية مثل ألمانيا وجدت نفسها منجرفة في دعم أوكرانيا، وتزودها بالأسلحة الثقيلة بالرغم من المخاوف الأولى.
ويتخطى هذا التحول الطبقة السياسية، وإن كان بشكل غير متساو؛ حيث وجد استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" شمل 11 دولة عضوًا بالناتو أن الآراء في بريطانيا وبولندا والولايات المتحدة وبلجيكا بشأن الناتو بلغت مستويات قياسية.
وفي بلدين اثنين فقط، اليونان وإيطاليا، تراجعت الآراء منذ بداية الحرب في أوكرانيا. كما ازدادت الآراء الإيجابية بشأن عضوية الناتو في كل من السويد وفنلندا قبل تقدمهما بطلب الانضمام.
ورأى التحليل المنشور في "واشنطن بوست" أن الحرب بالتأكيد ستعزز الناتو، لافتا إلى أن السويد وفنلندا تتمتعان بتاريخ من الحياد، وإن كان بدرجات مختلفة، إذ لم تحارب السويد منذ 1814، وأصبحت سياسة فنلندا المتمثلة في "الفنلدة" أو "Finlandization" خلال الحرب الباردة عبارة متداولة لنوع من السيادة المحدودة المصممة لاسترضاء قوة أكبر.
لكن يعمل كلا البلدان من فترة طويلة على ضمان أمنهما ولديهما قوة عسكرية معقولة، حيث أعادت السويد التجنيد الإجباري عام 2017، لتنهي سياسة ما بعد الحرب الباردة التي تسببت في تناقص عدد جيشها. وفي تلك الأثناء، انتهت فنلندا من شراء 64 مقاتلة من طراز "إف-35" من شركة لوكهيد مارتن الأمريكية في وقت سابق هذا العام، قبل الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالجغرافيا، فإذا انضمت فنلندا إلى الناتو سيضيف ذلك 800 ميل إلى حدود الحلف العسكري مع روسيا، وستسيطر الدول الأعضاء في الناتو على مناطق رئيسية ببحر البلطيق، بما في ذلك جزيرة جوتلاند السويدية، وهي ليست ببعيدة عن كالينينجراد، الجيب الروسي في أوروبا.
وبعيدا عن هذين العضوين المحتملين، سيجد الناتو نفسه أقوى عسكرية بعد الحرب، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن زيادة عدد القوات بالجناح الشرقي للحلف، وذلك مع انتشار عسكري أمريكي يتضمن وجود دائم في بولندا، كما وعد ستولتنبرج ببناء قوة استجابة سريعة جديدة للناتو تزيد قواتها على 300 ألف.
وأشار التحليل إلى الانقسامات الداخلية بالناتو، موضحا أن تركيا، المقربة من روسيا بعدة قضايا، وافقت فقط على عدم الاعتراض على طلبات السويد وفنلندا للعضوية في الناتو، الثلاثاء، وحصلت في المقابل على بعض التنازلات الرئيسية.
كما توجد مشاكل أخرى تحت السطح، حيث رجح استطلاع للرأي أجره "بيو" وجهات نظر متباينة بشكل كبير حول الناتو بين سكان دوله الأعضاء البالغ عددهم 30، حيث بلغت نسبة التأييد 89% في بولندا، في حين بلغت 33 في اليونان.
وحتى وراء الجبهة الموحدة بشأن أوكرانيا، بحسب التحليل، هناك اختلافات؛ فق أغضب ماكرون بعضا من حلفائه بالناتو من خلال التحذير علانية من خطر إهانة روسيا، فضلًا عن أنه لا مفر من مزيد من الانقسامات بشأن إمدادات الأسلحة، والعقوبات، واحتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو.