تعبئة بوتين وحرب أوكرانيا.. الضغط الأقصى والأثر المعاكس
بإعلان التعبئة الجزئية، ألقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كرة نار في لعبة التوازنات السياسية المرتبطة بالحرب الدائرة في أوكرانيا
تلك التعبئة "الجزئية" حركت غضبا في الأوساط الغربية بقدر ما حركت محاولات في الأوساط البحثية لقراءتها في ضوء حسابات التكلفة والعائد والوضع الميداني على الأرض بعد 6 أشهر من القتال.
- "الناتو" يصف تعبئة بوتين العسكرية بـ"الخطيرة" ويتحدث عن "نووي روسيا"
- بايدن بالأمم المتحدة.. روسيا والحرب النووية وتوسع مجلس الأمن
"العائد" في هذه القراءة هو ما يراه بوتين "فرصة" لفرض ضغط أقصى على الغرب وكييف للحصول على تنازلات يمكن أن تكتب نهاية لائقة للحرب، لكن هذا العائد قد لا يتحقق، وفق مراقبين، وينتج بدلا منه "الأثر المعاكس" (التكلفة).
وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، بأول تعبئة للجيش في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، في خطوة أثارت ارتباكا وغضبا على حد سواء.
ويستهدف الأمر الجديد قوات الاحتياط البالغ عددها 2 مليون شخص، تضاف إلى 3 ملايين و569 ألف جندي موجودين في الخدمة في أي وقت من ساعات اليوم.
لكن قرار بوتين لا يستهدف كل هذا العدد، إذ قال في خطابه بوقت سابق اليوم، "نحن نتحدث عن التعبئة الجزئية. أي المواطنين الموجودين حاليا في الاحتياط فقط، وفوق كل شيء، أولئك الذين خدموا في القوات المسلحة، ولديهم مهارات عسكرية وخبرة ذات صلة".
وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أصدر توضيحا بوقت لاحق، قال فيه إن روسيا ستستدعي ما مجموعه 300 ألف جندي احتياطي، من أصل 2 مليون شخص.
رد الفعل الغربي
وعلى الفور، خلق القرار الروسي رد فعل غربي سريع وغاضب، إذ وصف أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، قرار الرئيس الروسي، التعبئة العسكرية للجيش بأنه خطوة "خطيرة ومتهورة".
وقال ستولتنبرغ، إن بوتين أساء الحسابات بشان أوكرانيا وارتكب خطأ جسيما، مضيفا: "القوات الروسية تفتقر للعتاد والقيادة المناسبة والسيطرة".
أمين "الناتو" قال أيضا، إن "إرسال مزيد من القوات سيصعد الصراع في أوكرانيا"، موضحا أن "خطاب بوتين يظهر أن الحرب لا تسير وفق خططه".
عملية صعبة ومكلفة
ورغم هذا التوضيح، لا تزال كثير من الأمور غير واضحة في هذا القرار، ما دفع المحللة السياسية الروسية يكاترينا شولمان، للقول عبر تطبيق "تليجرام": "أطلق التعبئة جزئية، لكن لا توجد معايير واضحة: لم تتم الإشارة إلى أي حدود جغرافية أو نوعية".
فيما نقلت صحيفة "موسكو تايمز" عن محللين أنه بعد تفكيك جزء كبير من هيكل الاحتياطي الروسي خلال أواخر الحقبة السوفياتية، من المرجح أن يكون تسجيل عشرات الآلاف من الرجال في القوات المسلحة عملية مشوشة تستغرق وقتًا طويلاً.
بدورها، كتبت دارا ماسيكوت، الخبيرة في شؤون الجيش الروسي في الولايات المتحدة. بمؤسسة "راند" الأمريكية، على "تويتر": "لم تحشد روسيا الاحتياطي منذ وقت طويل حقًا"، مضيفة: "لن تكون قادرة على فعل ذلك بشكل سريع، نظام التعبئة غير قادر على فعل ذلك".
وتابعت: "لا أرى كيف يمكن لروسيا أن تشكل وحدات جديدة تمامًا من جنود الاحتياط الذين سيتم استدعاؤهم.. هذه عملية ستستغرق عدة أشهر".
لعبة الميدان
"موسكو تايمز" حاولت توضيح تأثير هذه العملية الصعبة، ونقلت عن محللين قولهم: "عادة، تعتبر تعبئة الاحتياطي عملية طويلة ومكلفة، مما يعني أنه من غير المحتمل أن يكون هناك أي تأثير فوري على ساحة المعركة".
وتابع المحللون "حتى عندما تكون وحدات الاحتياط جاهزة وسريعة التعبئة، فمن المحتمل أن تكون روسيا قادرة فقط على نشرها لأداء مهام بسيطة نسبيًا مثل الاحتفاظ بالمواقع الدفاعية"، على المدى القصير.
فيما كتب روب لي، الباحث الرئيسي في معهد السياسة الخارجية، في تغريدات على "تويتر" تابعتها "العين الإخبارية"، أن هناك أمورا غير واضحة أكثر من تلك الواضحة في هذه المرحلة، لكنه وصف قرار التعبئة الجزئية بأنه "أخطر القرارات التي اتخذها بوتين على الإطلاق".
وتابع الباحث المتخصص في الشؤون الدفاعية الروسية، أن "بوتين لا يزال يقاوم تدشين تعبئة عامة واسعة، واكتفى بالتعبئة الجزئية.. هذا اعتراف بأن الأمور لا تسير كما يريد ولابد من التغيير".
ومضى قائلا: "من المحتمل أن خطوة التعبئة الجزئية تهدف إلى منع انهيار خطوط الدفاع الروسية قبل الربيع في ضوء الهجوم الأوكراني المضاد الحالي".
وأقر الباحث بأن خطوة بوتين ستساعد القوات الروسية في الميدان على المدى القصير، قبل أن يتابع: "ولكن ليس بالضرورة على المدى الطويل".
حسابات معقدة
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قالت أليس جور، مديرة قسم الجغرافيا السياسية والأمن في مؤسسة "Azure Strategy" (استشارية بحثية)، إن "إعلان التعبئة مؤشر واضح على أن الحرب في أوكرانيا لا تسير كما كان مخطط لها".
وتابعت "لم تتكبد القوات الروسية خسائر كبيرة فحسب، بل تدهورت الروح المعنوية بين القوات بسرعة، مما هدد بشكل واضح نجاح الهجوم الروسي".
ولفتت إلى أن خطاب بوتين وإعلان التعبئة والتلميح بالنووي، "يهدف إلى الضغط الغرب وأوكرانيا (الضغط الأقصى) لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات".
لكن أليس جور حذرت من "الأثر المعاكس" لهذه الاستراتيجية الروسية الجديدة، وقالت: "لكن سيكون لها في الواقع تأثير معاكس، مما يؤدي إلى مزيد من توحيد جهود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واللاعبين الدوليين الرئيسين الآخرين، لعزل روسيا اقتصاديًا ودبلوماسيًا".
في المقابل، يرى مراقبون أن "خطوة بوتين تعتبر استعدادية لشن هجوم جديد في أوكرانيا، من أجل تحقيق الهدف المعلن للحرب؛ السيطرة على كامل دونباس جنوب شرقي أوكرانيا".
aXA6IDEzLjU5Ljg3LjE0NSA= جزيرة ام اند امز