استفتاءات وتعبئة عسكرية.. هل يناور بوتين لتحقيق مكاسب في أوكرانيا؟
يبدو أن جعبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا تزال تخفي الكثير من أوراق الضغط، في إطار المناورات بينه وبين الغرب خلال حرب أوكرانيا.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا فبراير/شباط الماضي، تدرج بوتين في تهديداته، بدءا من قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا، وصولا إلى إعلان التعبئة العامة والتهديد بحرب نووية إن لم يحصل على ما يريد في أوكرانيا.
أهداف بوتين
وبحسب الأهداف المعلنة للرئيس الروسي، فإن العملية العسكرية تستهدف إسقاط النظام الموالي للغرب في أوكرانيا، وضم منطقتي دونيتسك ولوهانسك الحدوديتين، لتكونا منطقة عازلة أمام توغل الناتو في شرق أوروبا.
ويبدو أن الأبعاد الجغرافية للغزو الروسي قد تغيرت بعد اهتمام موسكو بمنطقتي خيرسون في الجنوب وزاباروجيا في الوسط، بهدف القضاء على رغبة أوكرانيا تماما في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى أن أولويات روسيا تغيرت من الإطاحة بالحكومة إلى عزلها وجعلها دولة محايدة.
في هذا السياق، قال الخبير العسكري والاستراتيجي فرحات إلياس: "بعد فشل القوات الروسية في إسقاط كييف تغير جهدها وباتت تركز على إقليم دونباس، وستركز على المناطق الشرقية والانسحاب من كييف وبعض المدن بعد فشل المرحلة الأولى".
وأضاف: "سقوط دونباس يعني أننا أمام سيناريوهات أبرزها: الذهاب نحو مفاوضات باعتبار أن الحرب حققت نتائجها في شرق وجنوب أوكرانيا بالنسبة للروس، أو قضمهم للمزيد من الأراضي باتجاه الغرب استعدادا للمفاوضات القادمة".
ويخشى بوتين من خطط حلف "الناتو" – غريمه التقليدي – التوسعية شرق أوروبا مما يعد تهديدا عسكريا لبلاده، فلجأ في العام 2014 إلى ضم شبه جزيرة القرم بموقعها الاستراتيجي الذي يسيطر على خطوط الملاحة بين شرق وغرب أوروبا، بعد الإطاحة بالنظام الأوكراني الموالي لروسيا في احتجاجات شعبية، الأمر الذي اعتبره بوتين "مؤامرة غربية" لاختطاف أوكرانيا.
كما دعمت روسيا تمردا في الشرق يقوده الانفصاليون الذين قاتلوا القوات الأوكرانية في حرب استمرت 8 سنوات وأودت بحياة 14 ألف شخص.
ويبرر الرئيس الروسي أفعاله بعدم وفاء الكتلة الغربية بوعودها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1990 المتمثلة في أن الناتو لن يتمدد "شبرا واحدا نحو الشرق".
ورغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا، إلا أنه وقبل غزو أوكرانيا بفترة وجيزة، مزق الرئيس بوتين اتفاقية السلام واعترف بدولتين صغيرتين على أنهما مستقلتان عن أوكرانيا.
وفي بداية الحرب، أراد الزعيم الروسي أن تعترف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، وأن تعترف باستقلال الشرق الذي يديره الانفصاليون، وأن تغير دستورها لضمان عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي.
تكتيكات مغايرة
يبدو أن الأهداف التي حددها الرئيس الروسي في بداية غزو أوكرانيا تغيرت بمرور الوقت.
يقول رئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين: "مستقبل روسيا ومكانتها المستقبلية في العالم على المحك"، لكن، معتقدا أن هذه الحرب تتحدى التفسيرات السهلة، ويرجح أن تكون أي خطط يضعها الكرملين هذه الأيام عبارة عن رد فعل على مجريات الأحداث في الحرب وليست خططا إستراتيجية.
ويخلص الكاتب إلى أن توقعات الكرملين تتشكل من خلال الأحداث في ساحة المعركة، وأن كل تحول في الوضع العسكري يقود إلى وضع خطة جديدة، يتوقع من خلال تنفيذها أن تتيح الفرصة لبوتين ليعلن نصرا مؤزرا في الحرب.
تصعيد أم تهديد؟
يثير التصعيد الروسي المخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة، لا سيما بعد تلويح بوتين باستخدام الأسلحة النووية، متوعدا الغرب بالهزيمة في "ساحة المعركة"، وزاد على ذلك بالقول إن بلاده "لم تبدأ الأمور الجدية بعد" في أوكرانيا.
وفيما يعتبر بعض الخبراء تهديدات الرئيس الروسي النووية مجرد "لعبة ورق"، يرى آخرون أن عميل المخابرات السوفياتية "كي جي بي" السابق، مستعد أن يقود العالم إلى نهايته باستخدام أي وسيلة لتحقيق أهدافه.
من جهته، قال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولاك اليوم الأربعاء، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول تحميل الغرب مسؤولية بدء "حرب غير مبررة" والوضع الاقتصادي المتدهور في بلاده.
وحول إعلان التعبئة العامة في الروسية، أكد بودلاك أنها "خطوة متوقعة وستثبت أنها لا تحظى بشعبية كبيرة، وأن الحرب لا تسير وفقا لخطة موسكو.
المؤرخ الأمريكي- الألماني، كونراد ياراوش، يشبه استراتيجية بوتين باستراتيجية هتلر في عام 1939، ويقول إنه أجج صراعا إقليميا ويحذر الغرب من أنه "إذا رد بشكل كبير على ذلك، سوف تندلع حرب عالمية ثالثة".
لكن ليس هناك هكذا رد فعل حسب رأي المؤرخ والباحث السياسي في جامعة كيمنتس التقنية، شتفان غارزتسكي، الذي يقول "يجب ألا يكون هناك تصعيد كما حدث عام 1939، بشرط أن يكون هناك تحرك كبير باتجاه عدم التصعيد".
ويرى غارزتسكي أن على حلف الناتو أن يحدد بشكل واضح الخطوط الحمراء. إذا كان هناك خطر تحول كييف وأوديسا إلى "حلب أوروبية"، حينها يجب على المرء مناقشة مسألة فرض حظر جوي بشكل أكبر".
انفجار الصراع
إن صراعا إقليميا بالأصل يمكن أن يفجر صراعا عالميا كما يثبته التاريخ في غير موضع.
يقول سفن لانغي، الضابط في مركز التاريخ العسكري للجيش الألماني في بوتسدام، إن الحرب العالمية الأولى هي خير دليل على تطور الصراعات الإقليمية إلى حرب عالمية، لكنه أمر لن تحسمه روسيا بمفردها، بل سيكون الدور الحاسم للقوتين العالميتين الأكبر الولايات المتحدة والصين.
واستبعد لانغي أن تدفع الصين في اتجاه تصاعد الأحداث حتى وإن دعمت روسيا جزئيا، مؤكدا عدم رغبة بكين التورط في مواجهات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
إعادة إنتاج الماضي
يجري مؤرخون مقارنات بين ما حدث عشية الحرب العالمية الثانية وما يحدث الآن، وخاصة ما يقوم به بوتين. المجالس الشعبية التي أضفت الشرعية على قرار غزو الجيش الأحمر لبولندا في السابع عشر من سبتمبر/أيلول عام 1939 "مشابه لما كرره بوتين فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم وشرقي أوكرانيا"، يقول المؤرخ والباحث السياسي في جامعة كيمنتس التقنية، شتفان غارزتسكي.
أما الباحث والمحلل السياسي مونكلر فيقول "اتبع هتلر سياسة تعديل اتفاقية باريس للسلام اعتبارا من عام 1938، بوتين يحاول بنفس الطريقة تعديل عواقب انهيار الاتحاد السوفييتي".
موعد انتهاء الحرب
يعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي فرحات إلياس أن هناك اختلافا واضحا بين سيناريو القرم وما يجري في دونباس.
ويقول "في القرم سيطرت القوات الروسية من دون أية مقاومة تذكر من قبل الوحدات الأوكرانية وسارعت إلى إجراء استفتاء وضم شبه الجزيرة إلى الاتحاد الروسي. أما في دونباس فإن القوات الروسية تواجه مقاومة عنيفة من القوات الأوكرانية من جيش وميليشيات يمينية قومية. كما هناك أيضا قتال شوارع يؤدي غالبا إلى خسائر في الأرواح وتدمير في المباني والمنشآت. لذلك فإن الوضع مختلف لكن يبدو أن مصير دونباس بالإضافة إلى خيرسون وساحل بحر آزوف هو الانضمام إلى الاتحاد الروسي تماما مثل القرم".
في المقابل، قال الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي عمر الرداد، إن الرئيس بوتين سيذهب باتجاه إعادة إنتاج سيناريو القرم في دونباس، وقد تم تجهيز ذلك من خلال إعلان الاعتراف بالجمهورية الانفصالية والحديث عن إجراء استفتاءات حول الانضمام إلى روسيا.
ويضيف "يجب أن نتذكر أن غالبية سكان مناطق دونباس والجنوب الأوكراني يحملون الجنسية الروسية، حوالي مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين. منذ حرب القرم عام 2014 والروس يجهزون لهذه المعركة بصيغة أو بأخرى ويدركون أن الحرب قادمة لا محالة وكانت مسألة وقت وتحديد الزمان المناسب للمعركة".
وأضاف الرداد أن مسألة انتهاء الحرب بسقوط الشرق الأوكراني تعتمد على أكثر من عامل أهمها نتائج المفاوضات الروسية الأوكرانية عبر وسطاء مثل تركيا وغيرها من الدول.
سيناريوهات مفتوحة
تبقى السيناريوهات مفتوحة إذا سقط شرق أوكرانيا في قبضة بوتين، وربما تستمر المعارك، لكن من المرجح أن يخفض الجيش الروسي عملياته باعتباره قد حقق أهدافه، والتفرغ لضم المناطق الانفصالية أو تثبيت أركان الدولة الجديدة، هذا رهن برد الفعل الغربي ويبدو أن الناتو مستعد لمثل هذه الاحتمالات وشروط التفاوض للتوصل لاحقا إلى أرضية لوقف الحرب".
وإذا سقط "دونباس"ستصبح روسيا في وضعية تفاوضية أفضل، ويصبح بإمكان بوتين والقيادة الروسية تقديم شيء أمام الشعب الروسي فيما يتعلق بالمرحلة الثانية وربط النتائج بما أعلنه بوتين من أهداف، غير أن ذلك مرهون برد الفعل الغربي الذي أصبح لا يطالب فقط بتحرير دونباس وشرق أوكرانيا، بل باستعادة القرم شبه جزيرة القرم من فم الأسد الروسي.
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjE0IA==
جزيرة ام اند امز