بوتين والزر النووي.. رهان الصدمة يزاحم كارثة الانتقام
بين "الصدمة" و"الارتداد النيراني" تأرجحت رؤى غربية للأبعاد الاستراتيجية لقرار الرئيس فلاديمير بوتين، نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا.
وجاء الإعلان عن نشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا، في أعقاب اجتماع بين فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو، حيث توصل رئيسا البلدين إلى عدة اتفاقيات بشأن التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي مستقبلا.
وتعمل روسيا والصين في الوقت الحالي، صراحة وبشكل مشترك على إنشاء نظام عالمي جديد يتم فيه تهميش الولايات المتحدة، حيث يتم استبدال نظام عالمي أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة بنظام متعدد الأقطاب أكثر ملاءمة للأهداف الصينية والروسية، بحسب تحليل نشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية.
وكان من المفترض أن تمنح المصافحة الذهبية بين شي وبوتين شعورا متجددا بالثقة لروسيا بشأن أهدافها السياسية والعسكرية.
وبدلا من ذلك، حرك بوتين بعض بيادقه العسكرية على لوحة الشطرنج في صورة رسائل وإشارات نووية.
وبحسب التحليل، لا تعتبر هذه الخطوة النووية مؤشرا على الثقة، وإنما عدم اليقين واليأس، كما أنها خطيرة.
وبعد مرور أكثر من عام على القتال في أوكرانيا، لم تتمكن القوات الروسية من تحقيق هدفها؛ حيث لم يتمكن الهجوم الخاطف الأولي من السيطرة على كييف أو دفع حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الاستسلام.
وأسفرت العمليات العسكرية الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا عن حالات جمود دموية وتقدم ضئيل. وكانت الخسائر الروسية هائلة وأصيبت القوات بالإحباط.
وفي غضون ذلك، أدت مجازفة بوتين إلى توحيد حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإحيائه كتحالف سياسي وزيادة قدراته العسكرية بالمقارنة بقدرات روسيا، بحسب المجلة الأمريكية التي أشارت إلى أن ضم فنلندا (وربما السويد) إلى عضوية الناتو سيفاقم هذا الخطأ.
وعلى الجانب الآخر، أثرت العقوبات الاقتصادية سلبا على الاقتصاد الروسي بدرجة أقل بكثير مما توقعه الناتو أو أمل فيه، كما لا تزال أغلبية المواطنين في روسيا تدعم الحرب ضد أوكرانيا.
وعلاوة على ذلك، من المعقول افتراض أن القادة السياسيين والعسكريين الروس يتكهنون بأن حربا طويلة في أوكرانيا تعطي الأفضلية لروسيا، بسبب تعداد سكانها ومواردها الأكبر.
ويدرك التفكير العسكري الروسي الفارق بين حروب الإبادة، التي يتم فيها تحقيق نصر حاسم عبر عملية عسكرية سريعة وقوية، وحرب استنزاف يحاول فيها كلا الجانبين استنزاف بعضهما بعضا من القوى البشرية، والموارد، والإرادة خلال فترة زمنية ممتدة.
وكان هذا الفارق لينطبق على الحرب في أوكرانيا إذا كان العالم لا يزال في القرن العشرين، إذ إن ثقافة القرن الحادي والعشرين مدفوعة بالإنترنت وعولمة المعلومات، وبالتالي فإن صورة هزيمة أو جمود بساحة المعركة ستعرض أمام الجمهور العالمي ليراها، وهو ما سيكون مهينا للقادة حتى مثل أولئك الموجودين بالقيادة العليا في روسيا.
ورأى التحليل أن شعور الحنين بين الروس للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين ليس رغبة في العودة إلى معسكرات الاعتقال (غولاغ) أو الإعدامات الجماعية بتلك الحقبة. بل بدلا من ذلك ذكرى النصر في الحرب الوطنية العظمى وأوج القوة السوفياتية.
وحتى الآن، تمكنت خفة الحركة الأوكرانية والعزيمة والمهارة في استخدام الاستخبارات وأنظمة القيادة والتحكم من إبطاء الأعداد الروسية المتفوقة.
وبالتالي، لا يمكن لروسيا الافتراض أن أمامها وقتا طويلا لاستنزاف القوات الأوكرانية المتحفزة، ولا يمكن وصف استعداد بوتين لنشر أسلحة نووية تكتيكية خارج روسيا (لكن تحت سيطرة روسيا على الأرجح)، إلى جانب تهديداته السابقة باستخدام النووي، بأنها رسائل مضللة فقط.
وبحسب التحليل، يخبرنا ذلك بأن هناك قرارا روسيا يؤيد الاستخدام الأول النووي "المحدود"، إذا واجهت البلاد انتكاسات خطيرة بساحة المعركة إلى الحد الذي تخسر فيه الأهداف الأساسية، وتبدو أوكرانيا قريبة من استعادة جميع أراضيها السابقة.
وأشار التحليل إلى أن روسيا ربما تتخذ هذا القرار، ليس فقط كوسيلة للتعويض عن الحرب التقليدية التي لا تسير على نحو جيد، ولكن أيضًا على افتراض أن أول سلاح نووي يتم إطلاقه في حالة غضب منذ قصف اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، سيكون صادما على نحو غير مسبوق.
ورأى التحليل أنه وفقا لتفكير بعض الروس قد يفاجئ النووي القيادة العليا الأوكرانية، ويقسم الناتو سياسيا، ويخلق حالة خوف عامة في شتى أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، ويدفع العالم نحو الإذعان للشروط الروسية لتسوية سلمية.
لكن قد لا يأتي رد فعل الناتو على استخدام روسيا للنووي في صورة إذعان، بل انتقام. وبدلا من مفاجأة الناتو ودفعه للتراجع، قد يؤدي ذلك إلى إثارة الرأي العام والنخبة أكثر ضد روسيا.
aXA6IDMuMTM1LjE5NC4xMzgg
جزيرة ام اند امز