تعبئة بوتين ومسار الحرب.. عصا بعجلة هجوم أوكرانيا في الشرق
تطورات ميدانية متسارعة تجري في أوكرانيا من أسابيع على وقع هجوم مضاد لكييف في الشرق، يقابله حشد روسي مفاجئ لجنود الاحتياط.
وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، بأول تعبئة للجيش في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، في خطوة أثارت ارتباكا وغضبا على حد سواء.
وتابع في خطاب عاصف: "نحن نتحدث عن التعبئة الجزئية. أي المواطنين الموجودين حاليا في الاحتياط فقط، وفوق كل شيء، أولئك الذين خدموا في القوات المسلحة، ولديهم مهارات عسكرية وخبرة ذات صلة".
وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أصدر توضيحا بوقت لاحق، قال فيه إن روسيا ستستدعي ما مجموعه 300 ألف جندي احتياطي، من أصل 2 مليون شخص هو حجم قوات الاحتياط الروسية.
في المقابل، خلق القرار الروسي رد فعل غربي سريعا وغاضبا، إذ وصف أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، قرار الرئيس الروسي، التعبئة العسكرية للجيش، بأنه خطوة "خطيرة ومتهورة".
وقال ستولتنبرغ إن بوتين أساء الحسابات بشان أوكرانيا وارتكب خطأ جسيما، مضيفا: "القوات الروسية تفتقر للعتاد والقيادة المناسبة والسيطرة".
تنفيذ التعبئة
وبعيدا عن التطورات السياسية، فإن الأوضاع الميدانية على الأرض وكيف يمكن أن تتأثر بقرار التعبئة الجزئية الذي أصدره بوتين، على المديين القصير والطويل، هي محور التساؤلات في الوقت الحالي.
وفي هذا الإطار، كشف جوستاف جريسيل، الخبير الأوروبي البارز في الشؤون الروسية، أن قرار التعبئة الجزئية لا يعني فقط ضم جنود من قوات الاحتياط، بل يستهدف عددا كبيرا من الجنود في القوات النظامية كان من المقرر نهاية خدمتهم هذا الخريف.
ولفت جريسيل إلى أن التطورات الميدانية وخروج أعداد من القوات الروسية المدربة من الخدمة في الخريف نتيجة نهاية مدة الخدمة، كان يصب باتجاه "خسارة روسيا الحرب في الشتاء".
جريسل وهو باحث رئيسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومتخصص في شؤون روسيا وشرق أوروبا، كتب في سلسلة تغريدات على "تويتر"، أن مرسوم التعبئة "يمنع أولا وقبل كل شيء الجنود المدربين من مغادرة الخدمة عن طريق تمديد عقودهم إلى أجل غير مسمى".
أما الجزء الثاني من القرار فيستهدف ضم 300 ألف جندي من قوات الاحتياط للجيش، وفق ما أعلن شويغو. وفي هذا الإطار قال جريسيل "إن هذا لن يحل مشاكل الروح المعنوية والتدريب والإعداد في صفوف الجيش الروسي".
وتابع "معظم الجيوش التي تعتمد على التعبئة لديها هياكل مخصصة لقوات الاحتياط، كتائب الاحتياط والألوية وما إلى ذلك، لكن روسيا لا تتبنى هذا النظام".
"تشابك الماضي والحاضر"
ويتفق ذلك مع ما نقلته صحيفة "موسكو تايمز" عن محللين أنه بعد تفكيك جزء كبير من هيكل الاحتياطي الروسي خلال أواخر الحقبة السوفياتية، من المرجح أن يكون تسجيل عشرات الآلاف من الرجال في القوات المسلحة عملية مشوشة تستغرق وقتًا طويلاً.
جريسيل مضى موضحا في هذه النقطة، "يتم تجنيد جنود الاحتياط في تشكيلات نظامية، حيث يملأون الرتب المختلفة. وفي الحقبة السوفياتية كانت تتكون هياكل منتشرة في روسيا من جنود الاحتياط في الغالب، ولكن تم حل هذه التشكيلات".
وتابع "بالطبع يمكن لروسيا أن تملأ التشكيلات الموجودة في روسيا والتي تم إرسال جنودها النظاميين للقتال في أوكرانيا، بجنود الاحتياط، لكن المشكلة أن هذه التشكيلات تتولى حاليا تدريب المجندين".
وأردف "إذا أرسلت ضباط وعتاد هذه التشكيلات إلى الحرب في أوكرانيا فإنك تقلل من قدرتك على تدريب القوات المستقبلية والحفاظ على المجهود الحربي"، مضيفا "إذا قمت بتشكيل تشكيلات جديدة من أفراد الاحتياط، فإن ذلك يستغرق وقتا".
كما كتبت دارا ماسيكوت، الخبيرة في شؤون الجيش الروسي في الولايات المتحدة. بمؤسسة "راند" الأمريكية، على "تويتر": "لم تحشد روسيا الاحتياطي منذ وقت طويل حقا"، مضيفة: "لن تكون قادرة على فعل ذلك بشكل سريع، نظام التعبئة غير قادر على فعل ذلك".
وتابعت: "لا أرى كيف يمكن لروسيا أن تشكل وحدات جديدة تماما من جنود الاحتياط الذين سيتم استدعاؤهم.. هذه عملية ستستغرق عدة أشهر"، وفق ما تابعته "العين الإخبارية".
مستقبل الميدان
وحول تأثير خطوة التعبئة على الأوضاع بالميدان، كتب روب لي، الباحث الرئيسي في معهد السياسة الخارجية، في تغريدات على "تويتر" تابعتها "العين الإخبارية"، أن هناك أمورا غير واضحة أكثر من تلك الواضحة في هذه المرحلة، لكنه وصف قرار التعبئة الجزئية بأنه "أخطر القرارات التي اتخذها بوتين على الإطلاق".
وتابع الباحث المتخصص في الشؤون الدفاعية الروسية، أن "بوتين لا يزال يقاوم تدشين تعبئة عامة واسعة، واكتفى بالتعبئة الجزئية.. هذا اعتراف بأن الأمور لا تسير كما يريد ولا بد من التغيير".
ومضى قائلا: "من المحتمل أن خطوة التعبئة الجزئية تهدف إلى منع انهيار خطوط الدفاع الروسية قبل الربيع في ضوء الهجوم الأوكراني المضاد الحالي".
وأقر الباحث بأن خطوة بوتين ستساعد القوات الروسية في الميدان على المدى القصير، قبل أن يتابع: "ولكن ليس بالضرورة على المدى الطويل".
والتقط جوستاف جريسيل الخيط، وقال "قد تنجح موسكو على تحقيق الاستقرار في الجبهة، لكنها لن تعيد حركة الحرب إلى الخلف"، أي إلى مرحلة تقدمها على الأرض، على حد قوله.
وفي ضوء التحرك الروسي الجديد وما يحمله من تأثيرات على الميدان، قال جريسيل: "أوكرانيا تحتاج الآن المزيد من المعدات المتميزة: الدبابات، وعربات النقل المدرع، وأنظمة المدفعية، وأنظمة الدفاع الجوي.. لا تزال روسيا تتمتع بالتفوق في العتاد".
وتابع أن التعبئة الجزئية "لن تغير مسار الحرب (تعيده للخلف)"، لكن التعبئة الواسعة "يمكن أن تفعل ذلك، لكن كلفتها ستكون باهظة" على روسيا، لذلك "لا أرى أنها خيار حقيقي في الوقت الحالي".
ومنذ أسابيع، تشن القوات الأوكرانية هجوما واسعا ضد القوات الروسية في شرقي أوكرانيا، ونجحت وفق تقديراتها الذاتية وتقديرات الغرب، في استعادة أجزاء من الأراضي التي سيطرت عليها موسكو منذ بداية الحرب، لكن الأخيرة تلتزم الصمت حول هذه النجاحات.
aXA6IDMuMTQ0LjQ1LjE4NyA=
جزيرة ام اند امز