تجرع «الدواء المر».. السبيل «الأنجع» لإنهاء أزمة أوكرانيا
مع «انسداد» سبل التوصل إلى حل سلمي للأزمة الأوكرانية، وجد المجتمع الدولي نفسه، أمام اقتراحين رسميين ( الأوكراني والروسي)، والهادفين إلى تسوية حرب العامين والنصف في البلد الأوراسي.
ورغم أن الاقتراحين، في وضعهما الحالي، وفي الظروف الحالية، يعدان «غير مقبولين»، إلا أنه على الدبلوماسيين والمحللين التفكير فيما إذا كان بإمكانهم، توفير نقطة انطلاق للمفاوضات التي تؤدي إلى تسوية نهائية، في المستقبل القريب.
وتطالب «خطة السلام» المكونة من عشر نقاط التي طرحتها الحكومة الأوكرانية بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من جميع الأراضي التي سيطرت عليها موسكو منذ عام 2014 كشرط مسبق لإجراء محادثات على الإطلاق. ومن المفترض أن تتناول هذه المحادثات بعد ذلك النقاط الأوكرانية الأخرى، بما في ذلك محاكمات جرائم الحرب للقيادة الروسية، والتعويض الروسي عن الأضرار الناجمة عن العملية العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي ومسؤولون أوكرانيون آخرون أن الحياد الأوكراني غير مقبول أيضًا - رغم أن الدعوة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ليست مسألة تخص أوكرانيا بل بيد أعضاء الناتو الحاليين، ويمكن رفضها من قبل دولة واحدة.
تغير المواقف
هذه المطالب الأوكرانية تختلف جذريًا عن مواقف كييف في محادثات السلام مع روسيا التي جرت في إسطنبول في الأسابيع الأولى من العملية العسكرية الروسية في فبراير/شباط 2022، فالمفاوض الأوكراني، أولكسندر تشالي يقول: «لقد تمكنا من التوصل إلى حل وسط حقيقي للغاية (..) كنا قريبين جداً في نهاية أبريل/نيسان، من إنهاء حربنا ببعض التسوية السلمية».
ويقول موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأمريكي المعني بالدراسات الاستراتيجية، إنه عند تلك النقطة، كانت الحكومة الأوكرانية مستعدة للموافقة على معاهدة الحياد الدائمة (التي تسمح بعضوية الاتحاد الأوروبي، لكن ليس عضوية حلف شمال الأطلسي) في مقابل ضمانات أمنية من كافة أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ورفض الأوكرانيون الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو استقلال المناطق التي تسيطر عليها روسيا في دونباس، لكنهم كانوا على استعداد لترك هذه المناطق تحت السيطرة الروسية الفعلية في انتظار المفاوضات المستقبلية في تاريخ غير محدد.
نقاط شائكة
إلا أنه مع ذلك، كانت هناك بعض النقاط الشائكة الخطيرة؛ فروسيا طالبت بأن يقتصر مدى الصواريخ الأوكرانية على 25 ميلًا، في حين لم يتم وضع مثل هذه القيود على الأسلحة الروسية.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن هذه الشروط كانت غير مقبولة بالنسبة للأوكرانيين، مشيرًا إلى أنه من المستحيل الجزم بما إذا كان من الممكن التغلب على هذه الخلافات أو تحسينها على نحو ما، لأن الجانب الأوكراني أوقف المحادثات لأسباب محل خلاف شديد.
وأشار إلى إذا كانت الظروف الأوكرانية قد اختلفت بشكل كبير في العامين اللاحقين من الحرب، فإن الوضع في روسيا بدا كذلك. وفي بيان ردا على «قمة السلام» التي عقدها الغرب في سويسرا، طالب الرئيس بوتين أوكرانيا بسحب قواتها من كامل المقاطعات الأوكرانية الأربع التي تدعي روسيا أنها ضمتها منذ بداية الحرب (بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، التي تم ضمها في عام 2014).
وقال بوتين إنه بمجرد أن تبدأ أوكرانيا في سحب قواتها، فإن روسيا ستوقف عملياتها العسكرية. ومع ذلك، أضاف أنه كجزء من تسوية سلمية نهائية، يتعين على أوكرانيا الاعتراف بالسيادة الروسية على هذه المقاطعات الأربعة وشبه جزيرة القرم، والتوقيع على معاهدة الحياد، وضمان حقوق المتحدثين بالروسية في أوكرانيا، والانخراط في «نزع السلاح».
ومن الطبيعي أن يتم رفض هذه الشروط الروسية على الفور من قبل الحكومة الأوكرانية والغرب، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إن شروط إنهاء القتال، سواء في شكل اتفاق سلام رسمي أو وقف إطلاق النار في انتظار المحادثات المستقبلية، سيتم تحديدها من خلال الوضع العسكري على الأرض.
ومن وجهة النظر هذه فإن مطالبة أوكرانيا بالانسحاب الروسي الكامل كشرط مسبق للمحادثات أمر مستحيل على الإطلاق، ما يعني أنه على كييف «هزيمة المؤسسة العسكرية الروسية بشكل كامل، وهو ما يتجاوز كثيراً قدرة أوكرانيا في الوقت الحاضر أو في أي مستقبل قريب».
في المقابل، فإن شروط بوتين لتحقيق السلام، تتطلب أن تلحق روسيا بأوكرانيا المزيد من الهزائم الكبيرة، ولتحقيق هذا الموقف على الأرض، ليس على موسكو سوى الاستيلاء على ما تبقى من هذه المقاطعات الأربع، أو السيطرة على مناطق أخرى ومن ثم عرض رؤيتها، بحسب الموقع الأمريكي.
فهل هناك حلول وسط؟
يدرك المحللون الروس، أن أوكرانيا والغرب لن يتفقا رسمياً أبداً على الاعتراف بالسيادة الروسية؛ لكن إذا كان الغرب وكييف مستعدين للقبول بالاعتراف الغربي بحكم موسكو الفعلي، فلن يكون هذا بالضرورة عائقاً قاتلاً أمام السلام - كما في حالة جمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها.
وبحسب موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت»، فإن القبول الفعلي بالحكم الروسي على خمسة أقاليم أوكرانية سيكون بمثابة الدواء الأكثر مرارة الذي قد تبتلعه أوكرانيا والغرب، إلا أنه مع ذلك، سيظل أقل بكثير من الأهداف القصوى لبعض «المتشددين الروس، سواء فيما يتعلق بإخضاع أوكرانيا بأكملها، أو ضم جميع المناطق الناطقة بالروسية في البلاد، بما في ذلك ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، خاركيف».
وأشار إلى أنه إذا تمكن الجيش الأوكراني في الأشهر والسنوات المقبلة من الحفاظ على خطوطه الحالية تقريبًا، فإن خط التقسيم النهائي بين أوكرانيا وروسيا (سواء تم رسمه في تسوية سلمية رسمية أو تم قبوله كجزء من الهدنة) سيستمر أيضًا، لكن إذا هُزمت أوكرانيا وتكبدت خسارة أكبر بكثير للأراضي، فإن أجيال المستقبل من الأوكرانيين قد تندم لأن كييف لم تتعامل مع اقتراح بوتين على الأقل كنقطة انطلاق للتفاوض والمساومة.
واختتم الموقع الأمريكي تقريره، بالتأكيد على أن الشروط الروسية في مارس/آذار 2022 كانت ستشكل أيضًا حبة دواء مريرة كان على أوكرانيا ابتلاعها في ذلك الوقت، مما كان سيوفر عليها الكثير من الأراضي التي يبدو من المؤكد الآن أنها ستخسرها إلى الأبد، والكثير من الضرر الذي قد لا يلتئم أبدًا، والعديد من البشر الذين لا يمكن إعادتهم إلى الحياة».
aXA6IDMuMTUuMzEuMjcg جزيرة ام اند امز