أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بات الرئيس السابع لتونس بعد فوزه في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بحصوله على 76.9%
بذات اللكنة الآلية التي لطالما ميزته، وبذات اللغة العربية الفصحى التي غزا بها عقول قسم واسع من التونسيين، أعلن الأكاديمي قيس سعيد في كلمة من مقر حملته بالعاصمة التونسية فوزه وفق تقديرات أولية.
رجل غامض يقلب معادلة المشهد السياسي في تونس، ويسترق الأضواء من الأحزاب، فيحلق فوقها عابرا نحو قصر قرطاج، بلا تمويل حكومي أو خاص، وبلا دعاية أو حملة انتخابية في سباق شاركه المنافسه فيه رجل الأعمال والمتهم بـ"غسيل الأموال" نبيل القروي.
هكذا كما هو.. الأكاديمي الصارم الذي لم يكن طلابه يعتقدون حتى وقت قريب أنه قادر على التحدث بالعامية كما يفعل الجميع، أو على الخروج من ذلك المظهر الصارم لأستاذ القانون الذي لم يعرف في حياته عملا سوى التدريس بالجامعات.
واليوم، هاهو يرسم معادلته الخاصة، بنواميسه وقواعده التي فرضها، وبذات الاختلاف الذي ربما قد يكون سر قدرته على جذب الشباب وحتى قواعد الأحزاب، فيحصد أغلبية ساحقة منحته مفاتيح قصر قرطاج عن استحقاق.
سعيد وقرطاج.. "الغامض" يسرق الأضواء
لم يكن الثالث عشر من أكتوبر/تشرين أول 2019، يوما عاديا يعيشه سعيد، وهو يرى حلم حياته يتحقق بتصدره نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية.
فبقليل من المال وكثير من الغموض، استطاع الوافد الجديد على الساحة السياسية في تونس، أن يفك شيفرة شريحة كبيرة من أبناء شعبه الذين استعصى عليهم حتى وقت قريب من الانتخابات فهم شخصيته الغامضة.
تقشفه واضح من الوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك تلك الشقة المتواضعة التي احتضنت حملته الانتخابية في نهج ابن خلدون الشعبي بالعاصمة تونس، نهج اكتظ بمطاعم شعبية وباعة يجرون عرباتهم.
بيد أن تلك الشقة الصغيرة التي تتراءى للمارة بنوافذ مهشمة وأبواب متهالكة وقليل من الكراسي البلاستيكية، صنعت من حلم الجلوس على كرسي قرطاج حقيقة.
ملامحه الصارمة ومقهاه الذي تعود على الجلوس فيه محاطا بطلبة وشباب ازدحموا حوله يبغون السفر في مكامنه ومحاولة فك البعض من غموضه.. جميعها تشي بأنك أمام شخصية مختلفة بكل المقاييس.
وفور ظهور النتائج الأولية لاستطلاعات الرأي التي أُعلنت عقب انتهاء التصويت في الانتخابات التي شهدت منافسة بين رجل الأعمال نبيل القروي، وقيس سعيد، مساء الأحد، وقف الأخير يخاطب التونسيين والعالم، بلغته العربية الفصحى المسترسلة مثل الآلة.
وفي كلمة أمام جمع كبير من الإعلام المحلي والأجنبي، وحشود من أنصاره، تقدم سعيد بالشكر لكل من انتخبه ومن لم ينتخبه، ولكل التونسيين في كل مكان.
وعن الفترة المقبلة، وصفها بـ"صفحة جديدة في التاريخ"، مضيفا "شكرا لمن انتخبني ومن لم ينتخبني، شكرا لشعب تونس العظيم، شكرا للشباب والشيوخ وحتى الأطفال، الذين فتحوا صفحة جديدة في التاريخ، اليوم أعطيتم درسا للعالم كله".
ومطمئنا أبناء شعبه استرسل:"ليطمئن الجميع، سأحمل الرسالة والأمانة بأعبائها وأوزارها بكل صدق، ونحاول أن نبني تونس جديدة".
ومثلما لفت الانتباه بصوته الواثق عندما أتى على القضية الفلسطينية في مناظرته الأخيرة أمام القروي، كانت القضية نفسها حاضرة في خُلد قيس سعيد وهو يخاطب الجماهير بعد إعلان النتائج الأولية لفوزه،قائلا: "أن تونس ستعمل من أجل القضايا العادلة، وأولها القضية الفلسطينية، تمنيت أن يكون العلم الفلسطيني بجانب العلم التونسي".
قيس سعيد في سطور
عام 1958, ولد قيس سعيد في تونس العاصمة سنة 1958، ليلتحق بدراسة القانون الدولي العام، ويحصل على شهادته العليا من كلية الحقوق والعلوم السياسية في البلاد.
بعد أن نال شهادته الجامعية من كلية الحقوق والعلوم السياسية، استكمل الشاب دراساته العليا في الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس، ليسافر إلى إيطاليا وينخرط في المعهد العالي للقانون الإنساني في سان ريمو.
في حياته المهنية التي بدأها عقب تخرجه عام 1986، التحق قيس سعيد بقطاع التعليم، حيث عمل مدرسًا في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية في سوسة، شرقي تونس.
وخلال العمل في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية، شغل منصب مدير قسم القانون العام بين 1994 و1999.
لكنه في العام 1999 انتقل للتدريس في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.