قيس سعيد.. صرخة احتجاج تونسية على طريق "قرطاج"
قيس سعيد الفقيه الدستوري الذي تشير التقديرات غير الرسمية لتصدره السباق إلى قصر قرطاج لم يكن ضمن دائرة الضوء كأبرز المرشحين للمنصب
بدا تصدره المباغت للنتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس مفاجئة مدوية وصفعة للنخبة السياسية في البلاد التي تعاني من نزوع تنظيم الإخوان للهيمنة على السلطة.
قيس سعيد الفقيه الدستوري الذي تشير التقديرات غير الرسمية إلى تصدره السباق على قصر قرطاج، في الاقتراع الذي جرى أمس الأحد، لم يكن ضمن دائرة الضوء خلال الصراع الذي دفعت فيه الجماعة الإرهابية بمرشح رئيسي وأغرقته بمرشحين متخفين، فجاء الرد الشعبي كصرخة احتجاج على المشهد السياسي برمته.
- الانتخابات التونسية.. سجين وقانوني يعلنان خوض الإعادة
- "العين الإخبارية" تحاور ممثلي المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية
كان حضور سعيد في المشهد العام من خارج منظومة الأحزاب السياسية، وتعرف عليه التونسيون في بداية عام 2011 كقارئ للأحداث من الزوايا القانونية والدستورية بعربيته الفصيحة.
ومن دون آلة دعاية حزبية أو وسائل إعلام تقليدية، استطاع أن يقتلع المرتبة الأولى في سلم النتائج الأولية لشركة استطلاعات الرأي "سيغما كونساي" بـ19 بالمائة متقدما على شخصيات مثقلة بتاريخ من المعارك السياسية وخبرات في مجال حملات الدعاية على غرار مرشح الإخوان عبد الفتاح مورو والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
ولد قيس سعيد عام 1958، وهو أستاذ قانون دستوري في كلية العلوم القانونية والسياسية بتونس العاصمة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
وتقول راقية عمايري، أستاذة القانون وزميلة قيس سعيد في مدارج الجامعة، إن تاريخه خال من الانتماء السياسي، ويعتبر من الشخصيات الرافضة للخوض في التجارب الحزبية منذ بداية دخوله للتدريس بالجامعة التونسية.
وأضافت في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن اكتساح سعيد لنتائج الانتخابات الأولية جاء نتيجة رفض الشباب التونسي للشخصيات التي وقع تجربتها في الحكم وخاصة تجربة يوسف الشاهد في رئاسة الحكومة وعبد الفتاح مورو كرئيس لمجلس النواب ومن ورائه حركة النهضة الاخوانية، معتبرة أن هذا دليل على هروب الشباب إلى الشخصيات الجديدة الخارجة عن منطق الاستهلاك السياسي والخطاب "الروتيني" الذي لم يعد يجد صدى في نفوس التونسيين.
واستحوذ سعيد على غالبية أصوات الشباب الذي يتراوح سنه بين 18 و25 عاما بحسب تحليل شركة "سيغما كونساي".
امتحان الاستقلالية.. سؤال إجباري في انتظار قيس سعيد
وبين القلق من ظاهرة صعود سعيد المفاجئ، يطرح المراقبون سؤالا حول المدى الذي سيحافظ خلاله أستاذ القانون الدستوري على استقلاليته من الإغراءات الحزبية والتوافقات السياسية ومحاولات تيارات تقليدية استقطابه.
وتؤكد منى الفرشيشي رئيسة تيار "من أجل تأسيس جديد" (ليبرالي) أن رسائل "تودد" بدأت تصدر من أوكار الإخوان في تجاه هذه الشخصية لجعله "عصفورا نادرا" لها بعد فشل مرشحها عبد الفتاح مورو في الاستئثار بأغلبية الأصوات.
وقالت في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن فرضية سقوط قيس سعيد في أحضان الأحزاب السياسية سيفقده هذا البريق النسبي في عيون التونسيين، خاصة أن هناك رفضا كبيرا لسلوك الأحزاب، حيث أصبحت "عنوانا للوعود الكاذبة والمماطلة والتزييف" على حد قولها.
جسر إلى المعلوم أم ارتماء في المجهول؟
أستاذة الحضارة العربية بكلية منوبة آمال قرامي تؤكد أن قيس سعيد يعتبر "ظاهرة" تستحق الدرس بعيدا عن نتائج الانتخابات، وهو يعبر عن موجة المستقلين الصاعدين في مستوى الرضا الشعبي بعد الفشل المدوي للأحزاب السياسية في تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية.
وراهن الرأي العام التونسي خلال العملية الانتخابية على تغيير منظومة الحكم التي يعتبرها أكثر من فاعل نقابي وسياسي منظومة فاشلة وغير قادرة على تحقيق المنجز المطلوب.
قالت قرامي في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن الشخصيات الخارجة عن الانتماء الكلاسيكي للعمل السياسي يمثلون طريقا تجاه المجهول واللا معلوم، وتونس تحتاج إلى من يضع لها خارطة طريق للخروج من أزمتها التي ترافق عملية الانتقال الديمقراطي منذ 8 سنوات.
ويبقى قيس سعيد في نظر الكثير من التونسيين بمثابة "اللغز" السياسي الذي تتكثف حوله كل الأسئلة، وتنطلق معه حيرة جماعية حول مدى قدرته على تيسير الطريق نحو الخلاص الاقتصادي، وفي كل ذلك يسير الرجل على حواف السير السياسي بعيدا عن أضواء الإعلام، ولكنه في قلب الصعود الانتخابي.
وبحسب الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، من المقرر أن تُعلن نتائج الجولة الأولى 17 سبتمبر/أيلول الجاري، على ألا يتجاوز موعد إجراء الجولة الثانية، إن وُجدت، الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.