وما محطة الجزيرة في قطر اليوم إلا أكبر مركز رصد منذ الحرب العالمية الثانية
لا تألو قطر جهداً في تأجيج نيران الصراعات الداخلية في دول الخليج العربي، وهي التي شكّلت في مرحلة سابقة عراباً للخلافات والصراعات الداخلية العربية-العربية بدءاً من سوريا ومصر وليبيا وغيرها، ودون توقف حتى وصل الأمر بها إلى زرع الفتن وإنشاء بؤر توتر في المنطقة لتلدغ نفسها بنهاية المطاف في عقر دارها الخليج العربي، وبات معروفاً وواضحاً للعيان الدعم القطري لحركات تكفيرية صُنفت عالمياً بالإرهابية، فضلا عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، هي قطر الدولة المتمردة على كل أشكال التفاهمات الدولية لحل إشكالياتها مع دول الجوار بما في ذلك مصر وأعضاء مجلس التعاون الخليجي.
ولا يتخوف القطريون اليوم من ارتفاع أسعار البترول وزيادة سعر البنزين والذي يرسم صورة واقعية لمعاناة الاقتصاد القطري فحسب بل يزداد تخوفهم بشكل أكبر من أن تلجأ الدول الخليجية لتجميد عضوية بلادهم في مجلس التعاون الخليجي، وبكثير من الحذر القطري يجد آل ثاني أنفسهم أمام قوة خليجية وتنسيق سعودي كويتي، يضاف له تحذيرات من أمير الكويت لرفض القطريين التجاوب للتشاور والمفاوضات وصولاً لحل الخلافات التي تؤججها قطر، ويتجسد ذلك أيضاً بالموقف البحريني ولغة التصعيد الدبلوماسي مؤخراً.
ومع كل الرفض وعدم الرضوخ للغة العقل والتفاوض من قبل نظام الحكم القطري ما زالت اليد العربية الخليجية ممدودة للمسامحة وتفضيل لغة الحوار، هذا الأمر بات جلياً في تصريحات للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي لم يغلق باب التفاوض رغم سعي قطر لأن تفتعل شق الصف الخليجي لمعسكرين متناحرين.
لا يتخوف القطريون اليوم من ارتفاع أسعار البترول وزيادة سعر البنزين والذي يرسم صورة واقعية لمعاناة الاقتصاد القطري فحسب بل يزداد تخوفهم بشكل أكبر من أن تلجأ الدول الخليجية لتجميد عضوية بلادهم في مجلس التعاون الخليجي
صفحات التآمر كثيرة في أجندة النظام القطري؛ فلم تسلم حتى بلدان الخليج القريبة منها من البحرين والكويت ونالت السعودية نصيباَ من التآمر، كشف ذلك مقطع مسجل بصوت حمد بن جاسم بث على شبكة الإنترنت يقول فيه: إن النظام السعودي ساقط لا محالة على يد قطر التي ستدخل المنطقة الشرقية وتقسم السعودية فالنظام -كما يقول حمد بن جاسم- هناك هرم ولا أمل في الجيش لإحداث تغيير.
ورغم فشل السياسة الخارجية القطرية، إلا أنه تجلى أيضاً في فشل سياستها الداخلية بانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، وافتعال حكام قطر أعمالاً مخلة بحقوق المواطنة؛ حيث يشكل الأجانب 85 بالمئة من سكانها، ومن خلال مؤامرات ضد العديد من الدول العربية والتي تسببت بمقتل مئات الآلاف من أبناء العروبة في ليبيا ومصر وسوريا، رغم هذه المشيخة لا تقدر حجمها الجيو سياسي لكيانها الطبيعي وهو ما تتوقعه العديد من الجهات والتقارير المتطابقة التي ترى أن المرحلة النهائية لصعود حكام قطر بدأت فعلياً من خلال انتهازهم فرصة ملء الفراغ الذي ظهر في الساحة العربية في عام 2011.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا والحملة العالمية لمواجهة التمويل القطري للإرهاب كشفتا في جنيف سياسة انتهاك قطر لحقوق الإنسان ومنها الاعتقالات في قطر خصوصا للحجاج العائدين من السعودية وسحب الجنسية من عوائل قطرية والعديد من الأدلة والقرائن التي تؤكد دعم قطر وتمويلها للجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم داعش الإرهابي.
فيما صوّرت صحيفة اللوموند الفرنسية حكام قطر ومنذ بداية الأزمات من ليبيا ومصر وسوريا بأنها دولة حمد بن خليفة الذي عاقب كل الذين وقفوا ضد انقلابه على أبيه في انتهاك خطير لحقوق الإنسان والمواطنة التي تضمنتها القوانين والمواثيق الوطنية والدولية، وانتهاكات مشيخة قطر التي لم يمض على وجودها إلا قرابة خمسة عقود من الزمن تجاوزت نزع الجنسية من الآلاف المنحدرين من آل غفران من قبيلة مرة ووصلت بحسب تقارير صحفية وحقوقية متطابقة إلى درجة فصل الموظفين من أعمالهم ومنع المستشفيات من استقبال المرضى منهم، كما قطعت بعثات الموفدين من الطلاب الذين ينتمون لهذه القبيلة وطالبتهم بمغادرة قطر باعتبارهم أصبحوا غير موظفين.
وما التقرير الذي أعدته ثماني جمعيات حقوقية قطرية بعد اندلاع الثورات العربية، وأرفقته بأسماء نحو ألف من ضحايا تعسف آل ثاني تضاف على خمسة آلاف اسم ضمهم التقرير الأصلي المعتمد رسمياً في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة كشف عن مأزق أمير قطر حمد بن خليفة، الذي استغل إقامة والده في سويسراً للانقلاب عليه وليتسلم بعدها قيادة الإمارة، وتهربه المستمر من العمل على إصدار قانون الجنسية يتضمن تنظيماً دقيقاً لحالات إسقاط وسحب الجنسية، وعدم تحصين هذه القرارات برقابة القضاء بغية استخدام هذا السلاح بوجه من تسول له نفسه معارضته، بعد أن فتح الأراضي القطرية أمام البنتاجون لبناء أكبر قاعدة جوية أمريكية خارج الولايات المتحدة، والتي كانت معبراً للعمليات ضد العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى القاعدة التركية التي أقيمت مؤخراً على الأراضي القطرية، وحكام قطر يرون أنهم متى يشاءون يمكن أن يسحبوا الجنسية من القطريين وبذلك يثبتون أنهم يتعاملون مع أبناء البلاد على أنهم موظفون في شركة كبيرة اسمها قطر أدخلها شيخها بسرعة إلى رأس المال الأوروبي.
ومنذ عام 2006، أي في توقيت مواكب لظهور نغمة الفوضى الخلاقة التي روَّج لها المحافظون الجدد الذين حوّلوا العالم تلك الفترة شهدت الدوحة ما عرف بـمنتدى المستقبل، وقد حامت من حوله الشكوك الكثيرة، ووصفته عقول عربية مشهود لها بالكفاءة والوطنية بأنه تدخل أمريكي سافر بشؤون الدول العربية تحت ستار الحريات وحقوق الإنسان ونشر ثقافة التغيير.
حتى إن إطلاق قناة الجزيرة الفضائية والتي بدأت بثها في الأول من يناير/كانون الأول عام 1996 جاءت في سياق مخطط أوسع يخدم الدور القطري ولوضع الإمارة في مقدمة المنصة والتأثير على مستقبل الخليج العربي والشرق الأوسط بأكمله، عن طريق جعل الجزيرة أكثر القنوات العربية تفاعلاً وحرية بالعالم العربي، ومراراً كانت الحوارات واللقاءات التي كانت تجريها قناة الجزيرة تفضي في نهاية المطاف إلى اشتباكات دراماتيكية وصراعات سياسية ودبلوماسية وما تبغيه قطر من ذلك هو نشر الفوضى والتخريب في المنطقة العربية ولا سيما منها دول الثقل العربي كمصر وسورية والإمارات والسعودية والعراق وليبيا... أي العمل على تأليب شعوب المنطقة بعضها على بعض؟
وما محطة الجزيرة في قطر اليوم إلا أكبر مركز رصد منذ الحرب العالمية الثانية، وغطاؤها الإعلامي عبر عقدين من الزمن هو بمثابة التغطية الضرورية لجمع المعلومات وترويجها ودراسة ردود الفعل العربية لبناء سياسة الفعل الإنجليزية الأمريكية الإسرائيلية، وانتهت إلى أن تصبح أقوى من إمارة ومن نظامها وأنه لم تعد مشيخة قطر قادرة على ضبطها أو الحد من أعمالها ونشاطها وأغراضها وبذلك أصبحت محطة الجزيرة هي وكر التجسس البريطاني الغربي الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة