تباين المواقف في واشنطن ليس هو التفسير الوحيد على أية حال.
تثير السياسة الأميركية تجاه الأزمة القطرية جدلاً واسعاً في كثير من وسائل الإعلام ومراكز البحث والتفكير في العالم. ورغم تعدد جوانب هذا الجدل، ظل السعي إلى فهم مغزى ما يراه كثيرون سياسة أميركية ناعمة تجاه ممارسات السلطات القطرية يحتل المساحة الأوسع فيه.
لم يصمد طويلاً التفسير الذي راج لبعض الوقت، وهو وجود خلاف بين أركان الإدارة الأميركية بشأن الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه هذه الأزمة. اعتمد هذا التفسير على مقارنات بين تعليقات دوّنها الرئيس دونالد ترامب على حسابه في موقع «تويتر»، وبدا فيها حازماً تجاه دعم قطر للإرهاب، ومواقف تفتقد هذا الحزم يتبناها وزير الخارجية ريكس تيلرسون في تصريحاته ومحادثاته بشأن الأزمة.
معالجة مشكلة قطر تتطلب اتخاذ موقف أقوى تجاه من يحكمونها في إطار مراجعة جوهرية لسياسة «الحب القاتل» التي أخطأت إدارة أوباما عندما حافظت عليها بعد العملية الإرهابية التي راح ضحيتها السفير ستيفنز.
لكن تباين المواقف في واشنطن ليس هو التفسير الوحيد على أية حال. ربما تكون الإدارة الأميركية بحاجة إلى وقت لمراجعة سياسة الإدارات السابقة تجاه قطر على مدى أكثر من عقدين، والتي يُسميها بعض الخبراء على سبيل التندر سياسة «الحب القاتل». وتتلخص هذه السياسة في بناء علاقات وثيقة مع قطر، رغم وجود معرفة كافية بالعلاقات التي تربط حكام الدوحة بمنظمات وشخصيات إرهابية بعضها مدرج على القائمة الرسمية الأميركية.
وربما تشمل أية مراجعة قد تجريها الإدارة الأميركية لهذه السياسة علاقاتها مع باكستان أيضاً، خاصة بعد رسالة ترامب إليها في 21 أغسطس الماضي خلال إعلانه الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان، إذ قال إن على الباكستانيين تغيير تصرفاتهم وعدم السماح بإيواء إرهابيين. كما أعلن تيلرسون في زيارته السريعة إلى إسلام أباد في 25 أكتوبر الماضي، تقديم طلبات محددة جداً لباكستان بشأن الجماعات المتطرفة.
لكن هناك عناصر اختلاف مهمة بين قطر وباكستان فيما يتعلق بتورطهما في دعم الإرهاب. ومن أهمها عدم وجود أدلة على تورط الحكومات الباكستانية في دعم الإرهاب، بخلاف الحكومة القطرية. فالمشكلة بالنسبة لباكستان تتركز في علاقات لعناصر داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، بمنظمات وشخصيات إرهابية. ويُعتقد أن هذه الصلات أتاحت حصول إرهابيين طاردتهم السلطات الأميركية بعد هجمات سبتمبر 2001 على مأوى في باكستان، ومنهم زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، وفق ما يمكن استنتاجه من معطيات ظهرت عقب مقتله في آبوت آباد في مايو 2011.
لكن المؤشرات المتوفرة حتى الآن تفيد بأن هذه حالات فردية متكررة، لكنها ليست سياسة حكومية، بخلاف حالة قطر. الوضع في قطر مختلف لأنها بلد صغير لا يمكن أن يحدث شيء فيه خارج إطار سيطرة الحكومة وأجهزتها. ولا يستطيع أشخاص داخل جهاز أو آخر أن يفعلوا شيئاً من تلقاء أنفسهم.
وهذا واضح منذ إيواء خالد شيخ محمد مهندس هجمات 11 سبتمبر 2001 التي كانت نقطة تحول باتجاه عولمة الإرهاب، وليس انتهاءً بالشبهات القوية حول علاقة قطر بالمجموعة الإرهابية التي نفذت هجوماً على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012 أسفر عن مقتل السفير كريس ستيفنز واثنين من العاملين فيها. لكن غلق ملف عملية بنغازي حال دون ظهور الحقيقة فيها حتى الآن. غير أن إلقاء قوات أميركية خاصة القبض الأسبوع الماضي على شخص يُدعى مصطفى الإمام يشتبه في علاقته بمجموعة عملية بنغازي قد تفتح باباً إلى هذه الحقيقة.
وهكذا تختلف حالة قطر عن باكستان التي تؤدي دوراً مهماً في مساعدة الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب في وسط آسيا بوجه عام، وليس في أفغانستان فقط. وهذا الدور مرشح لأن يمتد إلى منطقة شرق آسيا بعد أن وصل الإرهاب إلى الفلبين، الأمر الذي يفسر حرص تيلرسون في زيارته إسلام أباد على التعبير عن قلق واشنطن من تهديد المتطرفين استقرار باكستان.
وتستطيع واشنطن حل مشكلة باكستان عبر رفع مستوى التنسيق، وإيجاد آليات جديدة تساعد في رصد أي صلات بين عناصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وشخصيات ومنظمات إرهابية.
لكن معالجة مشكلة قطر تتطلب اتخاذ موقف أقوى تجاه من يحكمونها في إطار مراجعة جوهرية لسياسة «الحب القاتل»، التي أخطأت إدارة أوباما عندما حافظت عليها بعد العملية الإرهابية التي راح ضحيتها السفير ستيفنز. ويمكن لهذه المراجعة أن تكون، حال الإقدام عليها، بداية مرحلة جديدة في مواجهة الإرهاب عنوانها تغيير سياسة خاطئة استمرت نحو عقدين، ولم يكن اتباعها منطقياً من أصله.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة