فلول جماعة «الإخوان» القيادية المتواجدة الآن في قطر استطاعت التسلق بيسر إلى أن وصلت إلى رموز النظام الحاكم.
من الطريقة المحيرة لإيواء النظام الحاكم في قطر لـ«الإخوان»، وتبني رموزه الكبيرة فكرهم، ولو ظاهرياً، يبدو بأن هؤلاء غير مدركين لطبيعة «الإخوان» من النواحي الإيديولوجية والاستراتيجية والتكتيكية.
فلول جماعة «الإخوان» القيادية المتواجدة الآن في قطر استطاعت التسلق بيسر إلى أن وصلت إلى رموز النظام الحاكم منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين وإقناعهم بأنهم لو دعموا الحركة في مساعيها الهادفة إلى إقامة ما يسمونه بالدولة الإسلامية، فإن الحركة ستكافئهم وستنصب خليفة للمسلمين واحداً منهم
وهذا يتضح من الطريقة الفجّة في المغالاة في تقديس رموز «الإخوان» المتواجدين في الدوحة، وتمكينهم ودعمهم والاعتماد عليهم فيما يتعلَّق بفتاوى دعم الإرهاب والمناداة بشعارات الفوضى الخلّاقة التي تبث بكثافة في جميع دول العالم العربي ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن حركة «الإخوان» المسلمين نشأت وانتشرت في بادئ الأمر في مصر وفلسطين وسوريا والأردن، وهي الطفل المشوه للتزاوج الذي تم بين فئات اجتماعية متباينة من المتعلمين العرب الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى في تلك الدول وأولهم حسن البنا في مصر وتقي الدين النبهاني في بلاد الشام، الذين تمكنوا من خداع أعداد كبيرة من غير المتعلمين في الأرياف، وإيهامها بأن الحركة غير سياسية وتسعى فقط إلى إصلاح الفرد والمجتمع في حياتهم ومعيشتهم اليومية، إلا أن الأحداث اللاحقة خاصة في مصر كشفت عن حقيقة أولئك وأهدافهم المغايرة لما كانوا يقولونه، وأوضحت أن محورها هو الرغبة في الوصول إلى الثروة والسلطة السياسية بأية وسيلة كانت، فالغايات لديهم تبرر الوسائل.
فلول جماعة «الإخوان» القيادية المتواجدة الآن في قطر استطاعت التسلق بيسر إلى أن وصلت إلى رموز النظام الحاكم منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، وإقناعهم بأنهم لو دعموا الحركة في مساعيها الهادفة إلى إقامة ما يسمونه بالدولة الإسلامية فإن الحركة ستكافئهم وستنصب خليفة للمسلمين واحداً منهم.
ويبدو أن «الأمير الوالد» ومنذ بداية الأمر قد تقبل الفكرة وتبناها دونما وعي أو تفكير في عواقبها أو في إمكانية قيام مثل هذه الدولة في العصر الحديث، ودون ما معرفة بأن «الإخوان» أنفسهم هم طلاب سلطة وجاه وثروة، ولا يقرون بنظام الوراثة المتواجد في قطر ذاتها، ويسعون إلى إسقاطه في نهاية المطاف أسوة ببقية النظم، ولن يسلموا أميرها زمام الخلافة إلى أن يشيب الغراب.
لكن يبدو بأنه في سياق عملية الإقناع التي مارسوها عن كثب وبهمة شديدة تمكنوا من زرع فكرة أن حركتهم قادرة على إقامة مثل هذه الدولة عن طريق تبني مبادئ الفوضى الخلاقة، وقلب جميع نظم الحكم في الدول العربية وإقامة نظم حكم بديلة تابعة لهم، ما عدا في قطر، ومن ثم تجميع تلك «الأمصار والأقاليم» في دولة واحدة حاضرتها الدوحة وخليفتها أمير قطر.
هكذا بسذاجة هي الفكرة الأساسية والطعم الذي ابتلعته رموز النخبة الحاكمة في قطر وبنت عليها مواقعها وممارساتها وتصرفاتها الرعناء تجاه العالم الخارجي.
والغريب في الأمر هو أن الفكر «الإخواني» واضح ومعروف بأنه فكر ينبذ الآخرين، وممارساتهم تشهد عليهم بأنهم ينبذون كل من لا ينتمي إلى جماعتهم ويصمونه بالكفر والإلحاد.
لقد صور «الإخوان» المتواجدين في قطر أنفسهم بأنهم حملة لشعلة الإصلاح عن طريق تبني الفكر الديني الذي يريدون نشره على مستوى العالم، وهذا سيحدث حتماً كما يدعون إذا ما قام من يحكمون في قطر بدعمهم مالياً ومعنوياً، وهذا الأسلوب الخبيث في إيصال أفكار جماعة «الإخوان» إلى كافة المستويات الاجتماعية والسياسية ليس بالأمر الجديد، لكن الجديد هو عدم وعي ومعرفة من يحكمون في قطر بذلك أو تجاهلهم له بتعمد لحاجة في نفس يعقوب، رغم ما لديهم من قدرات وأجهزة تجسس ومؤسسات أمنية وقنوات سرية يمكن لها أن تشرح لهم ما يحدث بكل سهولة.
إن إيديولوجية واستراتيجية وتكتيك «الإخوان» على هذه الأصعدة يقوم على ثلاثة أمور، هي: أولاً، السيطرة السياسية على جميع نظم الحكم في دول العالم العربي عن طريق انتزاعها عنوة من يد من يحكمونها، بدءاً بدول مجلس التعاون الخليجي التي لديها وفرة مالية وقوة اقتصادية، والسبيل إلى ذلك هو الفوضى الخلاقة.
ثانياً، تجنيد أفراد مخلصين جداً لقيادات الجماعة الكبار من أوساط الفئات الاجتماعية الفقيرة والمعدمة والبسيطة لكي يشكل أفرادها حطب النار التي توصلهم إلى السلطة عن طريق العنف والإرهاب.
وثالثاً وأخيراً، بعد استتباب الأمور لهم وإقامة دولتهم المزعومة القيام بالقضاء المبرم على جميع الفئات التي تشكل خطراً عليهم، خاصة النظم الوراثية التي تقف حتى الآن حجر عثرة أمامهم غير قادرين على تجاوزها، فهل يعي من يحكمون في قطر ذلك ومدركين له؟
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة