باتت النظرة متدنية للجزيرة القطرية في الداخل الأمريكي إلى حد اعتبارها قناة تقوم بعمل أقرب إلى مهام الجواسيس ومثيري الفتنة.
يوما تلو الآخر تثبت التجارب للقاصي والداني أن قطر دولة راعية للإرهاب، وأن أدواتها الإعلامية تقوم على توزيع الشر المجاني حول العالم، وبالقدر نفسه يصحو أصحاب الأمر والنهي في الدوحة على معادلة مفادها "الإرهاب لا يفيد"، والخداع لا يمكن أن يمضي بعيدا، وأنه في هذا الزمن ما يقال همسا في المخادع، سوف ينادى به في الغد على السطوح، الأمر الذي لن تشفع أو تنفع معه ملايين قطر، تلك التي تنفقها في محاولة لتخليق جماعات ضغط لصالحها حول العالم كافة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص.
ضمن البنود الرئيسية في موازنة الدفاع الأمريكية التي وقعها الرئيس دونالد ترامب الأيام القليلة الماضية، كانت الإشارة واضحة صريحة غير مريحة للقطريين، إذ باتت تلزمهم بأن يقدموا للحكومة الأمريكية، بشكل منتظم، تقارير حول تمويلها وملكيتها، ما يعني اعتبارها خاضعة للقانون الذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1938 والمعروف بقانون "العميل الأجنبي".
هل ستكون خطوة اعتبار الجزيرة قناة عميلة أجنبية على الأراضي الأمريكية مقدمة لما هو أسوأ بالنسبة لقطر؟ الضحالة السياسية للقطريين دعتهم للتضحية بالأمن القومي لأشقائهم العرب، واعتبار أن ما يقدموه لأمريكا من خدمات لوجستية عبر قاعدتي العديد والسيلية، أمر سيضمن للدوحة حماية إلى الأبد
إلى هذه الدرجة باتت النظرة متدنية للجزيرة القطرية في الداخل الأمريكي إلى حد اعتبارها قناة تقوم بعمل أقرب إلى مهام الجواسيس ومثيري الفتنة؟
يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، وبخاصة بعد أن تبين للقائمين على الأجهزة الاستخبارية الأمريكية أن الجزيرة أداة إعلامية مملوكة لدولة على صلة بالإرهاب والإرهابيين في الشرق الأوسط، دولة باتت خلفية لوجستية لقادة تنظيمات مثل الإخوان المسلمين، وعلى صلات وثيقة مع كبريات الجماعات الإرهابية مثل داعش، التي كشف الإعلام الأمريكي، مؤخرا، عن فضيحة المليار دولار التي دفعتها الدوحة لهم، عبر تمثيلية هزلية للإفراج عن مختطفين قطريين في العراق .
هل تغير شيء ما في البنية الهيكلية للحكومة الأمريكية من زمن باراك أوباما وصولا إلى أوان دونالد ترامب؟
بكل تأكيد وتحديد، سوف تحين اللحظة التي يكشف فيها عن التحالفات السرية التي جمعت باراك أوباما مع كل جماعات الإسلام السياسي، وكذا الدور الهدام الذي لعبته هيلاري كلينتون للترويج للإخوان المسلمين في العالم العربي بنوع خاص، وفي هذه الأثناء كان من الطبيعي أن يضحى للجزيرة حضورا قويا وفاعلا في الداخل الأمريكي، فليس أفضل من البيت الأبيض لها كغطاء ودعم وزخم.
ما تغير هو أن ساكن البيت الأبيض ورغم كل الاتهامات التي توجه له، فإنه متحلل من الضغوطات السياسية على الجانبين الديمقراطي والجمهوري، بمعنى أن الرجل غير مدين لأحد، أو يرتهن قراره لقوة أو جماعة بعينها، فقد جاء من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية التي نخر فيها السوس عبر العقود الماضية، وبات يتردد في الأوساط الثقافية والفكرية الأمريكية، لا سيما الرصينة منها، مقولة إن الديمقراطية الأمريكية أضحت تباع على الأرصفة، بمعنى أن حملات الانتخابات بدءا من أصغر بلدية وصولا إلى حكام الولايات فأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، نهاية بساكن البيت الأبيض جميعها رهن أصحاب المال والأعمال، وفعلة التبرعات في حفلات الفنادق الكبرى .
كان للتيار الأمريكي المحافظ عطف على الكثير من القوى الأمريكية التقليدية ذات المستوى الذي لا ينحدر من الأخلاقيات أن يرصد أخبار وبرامج الكراهية، التي تقدم من خلال شاشة الجزيرة عبر شعار أجوف كاذب عنوانه: "الرأي والرأي الآخر"، في حين أن الحقيقة التي لا ينكرها عاقل أو محايد، هي أن ما يقدم على شاشة الجزيرة قد مر بمرحلتين:
المرحلة الأولى: منذ تأسيسها وحتى اندلاع ما عرف بالربيع العربي، ذلك المصطلح المخادع، فلم يكن هناك ربيع ديمقراطي، بل شتاء أصولي قارس البرودة ولّد تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وفي تلك الفترة كان السم يدس في العسل، ويقدم صباحا ومساء في كل يوم للمتابعين من المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج، ثم امتد حبل الأكاذيب إلى بقية أرجاء الكرة الأرضية عبر الوسائل التكنولوجية المتقدمة والأقمار الاصطناعية، التي جعلت من الأرض قرية صغيرة بحسب عالم الاجتماع الكندي الشهير مارشال ماكلوهان .
أما المرحلة الثانية: فقد بلغت فيها الجزيرة حدا لا يوصف من الفجاجة، بل والفُجر الإعلامي إن جاز التعبير، ولم يعد لها من مهمة سوى تدمير ما تبقى من دول العالم العربي.
وما بين هذه وتلك تكشف للأمريكيين في زمن ترامب ما لقطر وللجزيرة من صلات بالإرهاب والإرهابيين، وهو أمر في واقع الأمر معروف منذ زمن بعيد، أي منذ أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، وتحديدا حينما ذهب لويس فرييه، مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية، إلى الدوحة لوضع يده على "خالد شيخ محمد"، ذلك الذي سيضحى خلال عقد من الزمن الرجل الأول في هجمات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، قبل أن تقوم الحكومة القطرية بتهريبه خارج البلاد وترحيله إلى باكستان، فيما كان "فرييه" في قاعة الفندق ينتظر.
أخفق القطريون في تجربة الجزيرة من حيث قراءة الأزمنة والأحداث، ذلك أن ما نجح فيه "جوزيف جوبلز" وزير الدعاية النازية من الكذب المستمر والمستقر على العالم كي يصدقوا ترهات النازيين ويؤمنوا بما يقول، أمر تجاوزه الزمن، وبات الفرز والتمييز في زمن الإعلام المفتوح أمرا يسيرا، فعلى سبيل المثال تساءل "غريغ رومان"، مدير منتدى الشرق الأوسط في فيلادلفيا، عن سبب توافر عدد من مراسلي الجزيرة داخل الكونجرس أكبر من مراسلي بعض الصحف الأمريكية الكبرى المعروفة، ما يعني أن المشهد يتجاوز الصحافة وتغطياتها إلى ما هو أعمق وأخطر .
هل ستكون خطوة اعتبار الجزيرة قناة عميلة أجنبية على الأراضي الأمريكية مقدمة لما هو أسوأ بالنسبة لقطر؟
الضحالة السياسية للقطريين دعتهم للتضحية بالأمن القومي لأشقائهم العرب، واعتبار أن ما يقدموه لأمريكا من خدمات لوجستية عبر قاعدتي العديد والسيلية، أمر سيضمن للدوحة حماية إلى الأبد، وفاتهم أن العيش على الدعم الخارجي، يشبه العيش على ضفاف نهر، يمكن للفيضان أن يجرف ما تم بناؤه على الرمل.
الخلاصة.. السحر القطري ينقلب على الساحر والأسوأ لم يأتِ بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة