أمام التصعيد القطري لا نتوقع أن المعركة مع النظام القطري سيكون حسمها قريباً، ما لم يتراجع الشيخ تميم عن سياسته
لم ينجح نظام تميم في منع الحجاج القطريين من أداء مناسك الحج، صحيح أنه منع من كانت وسيلة سفرهم جواً عبر الطائرات، بمنعها من الهبوط في مطار الدوحة، سواء الطائرات السعودية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين لنقل الحجاج، أو حتى باستخدام الطائرات الأجنبية، حيث سمحت لها المملكة بالعبور مباشرة عبر الأجواء السعودية من مطار الدوحة إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة، لكن هذا المنع الأميري لم يحل دون وصول عدد من الحجاج براً عبر منفذ سلوى الحدودي، بل إن أكبر هزيمة لقرار النظام أن من وصل إلى مكة بلغ 1564 حاجاً بزيادة بلغت 354 حاجاً مقارنة بعدد حجاج العام الماضي، على الرغم من أن هناك قراراً باستجوابهم والتحقيق معهم عند عودتهم من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى بلادهم.
* *
كان الإعلام القطري قد روج خلال الفترة التي سبقت الحج بأيام بأنه لن يُسمح للحجاج القطريين بالسفر خوفاً من اتهام المملكة لهم بالإرهاب، وأحياناً يقول هذا الإعلام المتآمر خوفاً عليهم من الإيذاء، ومرات يقول بسبب أن إقفال الحدود الجوية يضاعف من معاناتهم في السفر براً فيما لو فتحت الحدود البرية، وعندما تمت الموافقة على تنظيم سبعة ممرات جوية لاستخدامها لمن يريد الحج من القطريين، تهرَّب النظام من المسؤولية ورفض الاستجابة لهذه التسهيلات، فكان أن سارع الملك سلمان وقبل بوساطة الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، ووجه بإرسال أسطول من الطائرات قوامها سبع طائرات لنقل الحجاج القطريين مجاناً، وحتى هذه لم تقنع النظام، فأمر الملك بأن يكونوا في ضيافته وعلى حسابه الشخصي، وظل نظام تميم على موقفه يرفض قبول هذه التسهيلات الملكية لتمكين الحجاج القطريين من الوصول إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك الحج.
* *
كانت فرصة بعض الحجاج القطريين النفاذ من هذا الحظر القطري السفر براً عن طريق منفذ سلوى الحدودي مع المملكة الذي وافق الملك سلمان على فتحه أيضاً، وكان أن اُستقبلوا منذ بدء وصولهم إلى أول شبر من أراضي المملكة بتقديم كل التسهيلات والخدمات التي تلبي دعوة الملك سلمان بأن يكونوا ضيوفاً عليه، ما جعل الصدمة مدوية داخل قطر وخارجها، حيث فشل المخطط القطري في تحذيره الكاذب من أنهم سيواجَهون باتهامات ومضايقات، كما فشل باستخدام أسلوب التهديد بمحاكمة كل من يقوم بالسفر إلى المملكة لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة المدينة المنورة، وكلها محطات لا بد أن كثيراً من المراقبين توقف عندها، وتساءل: لماذا هذه التصرفات التي تعبر عن ضيق أفق، وسوء تصرف، وعمل لا يتناسب ومقام ومكانة المناسبة الدينية العظيمة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام؟!
* *
من الواضح أن نظام قطر أراد أن يسيِّس الحج، ويستخدم هذه المناسبة العظيمة لإفشال قفل الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وتمرير المبررات المصطنعة لإظهار حرمان القطريين من الحج، وكأن المنع من المملكة وليس من قطر، غير أن هذه المحاولات كانت تفتقر إلى أبسط الحجج والأسباب لإقناع القطريين أنفسهم، فضلاً عن إقناع غير القطريين، فمن جهة توافد الحجاج القطريين بأعداد أكثر من العام الماضي، رافضين قرار السلطات القطرية منعهم وتحذيرهم من الحج، ومن جهة أخرى انكشف النظام على حقيقته، وظهر أنه أراد أن يستثمر هذه المناسبة الدينية سياسياً ولكنه فشل أيما فشل، ولم يبق أمامه إلا أن يحاكم الحجاج بعد عودتهم، وحين يفعل ذلك فسوف يضاعف الأجر لهؤلاء الذين أكملوا حجهم ونسكهم وعادوا سالمين غانمين بعد أيام كانوا فيها ضيوفاً لدى خادم الحرمين الشريفين.
انكشف النظام على حقيقته، وظهر أنه أراد أن يستثمر هذه المناسبة الدينية سياسياً ولكنه فشل أيما فشل، ولم يبق أمامه إلا أن يحاكم الحجاج بعد عودتهم، وحين يفعل ذلك، فسوف يضاعف الأجر لهؤلاء الذين أكملوا حجهم ونسكهم وعادوا سالمين غانمين
ومن كان يتابع وسائل الإعلام القطرية أو تلك التي تمول منها وتنفذ ما يطلب أن تقوم به وتقدمه من تغطيات وقصص إخبارية ملفقة توافق السياسات القطرية، لابد أنه لاحظ حجم التشويه القطري للإنجازات والخدمات التي تقدمها المملكة لحجاج بيت الله الحرام، بدءاً من التوسعات المتتالية للمسجد الحرام والساحات والشوارع والميادين المحيطة به، وانتهاء بتوفير الخدمات الصحية والتنموية، وتيسير الحركة وفق تنظيم متميز في إدارة الحشود في رقعة محدودة من الأرض، يقوم على تنفيذها ومراقبتها أكثر من ثلاثمائة ألف مدني وعسكري جندوا لهذا الغرض، وكلفوا بالعمل ليل نهار، بخلاف الأعداد الأخرى في المطارات ومعابر الحدود والمدن التي يمر بها الحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة.
* *
هذا التشويه القطري المتعمد، والتشويش المقصود، والتشكيك في قدرة المملكة على مثل هذا التنظيم، كشف الحجاج من كل أصقاع المعمورة أنه يفتقر إلى المعلومة الصحيحة، وأن الهدف يخالف الواقع، ولا ينسجم مع حقيقة ما هو مشاهد على الطبيعة، وكل هذا جاء على لسان الحجاج، بما في ذلك الحجاج القطريون، كما عرَّى هذا الموقف القطري غير الواقعي مشاهد وصور الحرم، حيث الطراز المعماري الفريد، والتوسعات المتتالية للحرم والساحات المحيطة به، وما حدث من تطوير وتوفير خدمات في عرفات ومنى ومزدلفة وغيرها، ما جعل من الاتهامات القطرية وكأنها اتهامات لقطر لا للمملكة، فمثل هذا الكلام القطري الرخيص كان موضع سخرية من الحجاج، ولمن يتابع النقل الحي عن الحج عبر قنوات التلفزة العالمية.
* *
وها هو الحج يسير بانسياب، وهدوء وتنظيم بديع، وها هم أهلنا الحجاج القطريون يتمتعون كما غيرهم من الحجاج بكل هذه التسهيلات، ويجدون من العناية والاهتمام ما يهزم الصوت غير العاقل الذي يصدر من الدوحة، مليئاً بالأكاذيب والمغالطات والاتهامات، دون وجود مبرر يعتمد عليه، أو سبب يقنع به غيره، إذ من الواضح للجميع أن هذا الموقف القطري هو اجترار لمواقف إيرانية سابقة، كانت تستخدم من الحج فرصة لتسييسه، وتوظيفه لأهداف مشبوهة تبين لها فشلها، فتراجعت مرغمة عنها، فإذا بقطر تستحضرها وتحاكيها، ولكن في الوقت الضائع.
* *
لا بأس أن يكون هذا هو الموقف القطري الذي يتندر عليه الجميع، فالقافلة السعودية تسير وفق ما هو مخطط لها، ولن يثنيها عن خدمة الحجاج أن تكون دولة قطر في هذا الموقف المعادي للمملكة، ولن يزيدها ذلك إلا المزيد من الحماس والهمة والعمل المتواصل لخدمة حجاج بيت الله الحرام، فهذه أمانة من الله لقيادة وشعب المملكة العربية السعودية، وبقدر أهمية وحجم وقيمة هذه الأمانة الإلهية، كان هذا الإنفاق المالي الكبير على الحرمين الشريفين، وهذه التسهيلات التي تقدم لجميع المسلمين للوصول إلى الأماكن المقدسة، والاستمتاع بالتسهيلات والخدمات التي توفرها المملكة للضيوف القادمين إليها، وتبقى قطر معزولة ومنبوذة تجتر ما لا قيمة له من الأفكار والآراء التي ترتد عليها، وتكشف من يوم لآخر أباطيلها وزيف الكلام الرخيص منها.
* *
على أننا إذ نتابع هذه التطورات في الأزمة القطرية، ومحاولة النظام ربط موضوع الحج للقطريين بالخلاف الذي هو أساساً بسبب الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول، هو محاولة للخروج من النفق المظلم، الذي أحكمت الدول الأربع وضع النظام القطري فيه، حين جرَّدته من كل أسلحته، المتمثلة باستخدام الخداع والأكاذيب وتمرير بعض المعلومات التي تفتقر إلى الصحة، ومواجهة كل ذلك من الطرف الآخر بالحقائق والإثباتات التي تدينه، وتنفي صحة ما كانت تروجه آلته الإعلامية.
* *
على أننا أمام التصعيد القطري لا نتوقع أن المعركة مع النظام القطري سيكون حسمها قريباً، ما لم يتراجع الشيخ تميم عن سياسته، ويتحمل مسؤولياته بعيداً عن تأثير والده أو الشيخ حمد بن جاسم أو إيران أو الإخوان المسلمين، إذ طالما أن هؤلاء يحكمون الحصار عليه، ويتدخلون في قراراته، ولا يسمحون له بالتحرك منفرداً ودون مشاركة منهم، فإن الأزمة ستظل معلقة إلى حين، ما لم يكن هناك اختراق مضاد من القوى القطرية، التي ساءها أن تكون قطر في هذا الوضع الصعب الذي تمر به.
* *
ومثلما غامر القطريون وجاؤوا إلى الحج ملبين وشاكرين للملك سلمان استضافته، غير مكترثين بالتهديد المبطن من نظام تميم بأنه سيحاكم كل من يحج إلى بيت الله الحرام، كلنا أمل ألا يقدم النظام على عمل كهذا، وأن يتجنب الصدام مع مواطنين غادروا قطر ابتغاء مرضاة الله وسعياً لرضاه، وإن كان هذا لا يرضي أركان النظام.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة