قطر في عام من المقاطعة.. "عقدة الجغرافيا" تطيح بـ"القوة الناعمة"
الدول الخليجية سعت، على الدوام، لاحتواء الدوحة، رغم علمها بالتفاصيل الدقيقة للمخططات التي تعمل عليها.
مراكز قوّة شيدتها قطر على مدى أكثر من ربع قرن، وراهنت عليها من أجل تجاوز "عقدة الجغرافيا" التي ما فتئت تورثها شعورا قاتلا بالتقزّم في مواجهة جيرانها.
غير أن عاما من المقاطعة كان كافيا للإطاحة بتلك "القوة الناعمة" المنسوجة من أشواك حوّلت المنطقة إلى حلبة للاقتتال والإرهاب.
عام تكبدت فيه الدوحة خسائر نوعية قلّما تحدّثت عنها المحصلات السوداء للمقاطعة، وذلك رغم أهميتها وتأثيرها في مجريات الأحداث.
مسار الصعود
بحثا عن ندّية غير مشروعة، راهنت قطر منذ انقلاب أميرها السابق حمد بن خليفة على والده في تسعينيات القرن الماضي، على خلق قوة ناعمة فعالة، تمكنها من تعويض صغر حجمها، مستغلة في ذلك مواردها الهائلة من الغاز والنفط.
قوّة كان قوامها الأساسي الإعلام، ومراكز الأبحاث والتفكير، إضافة إلى شراء جماعات الضغط في الدول الكبرى، ودعم المنظمات الصهيونية العالمية، والاستثمار في المنظمات المتطرفة بالمنطقة، واحتضانها من أجل استخدامها عند الحاجة.
ومع اندلاع الاحتجاجات في عدد من البلدان العربية عام 2011، وجدت الدوحة أن الوقت حان لتتصدّر المشهد السياسي بالمنطقة، خصوصا عقب وصول حلفائها (جماعة الإخوان) إلى الحكم في مصر.
موسوم حصاد وهمي دفع قطر للتكشير عن أنيابها، لتظهر للعلن بعض الأمور التي كانت تحاك في الخفاء، خصوصا ضد جيرانها الخليجيين، فكانت بداية النهاية، والقشة التي قصمت ظهر البعير.
صبر خليجي
سعت الدول الخليجية، على الدوام، لاحتواء الدوحة، رغم علمها بالتفاصيل الدقيقة للمخططات التي تعمل عليها، والأطراف الإقليمية الضالعة فيها، والمنظمات الإيديولوجية المعادية، التي تنظر لها وتشرف على تنفيذها.
صبر استند إلى عرف سياسي ترسخ على مدى عقود من التعايش بين دول المنطقة، أساسه أن الخلافات بين دول مجلس التعاون مهما كبرت وتباينت مواقف أطرافها تبقى خلافات عائلية، تحل داخليا، دون الحاجة إلى أي وساطة".
كما استند الصبر إلى أمل أن يتعقل حكام الدوحة، فيدركوا أن مستقبل قطر هو مع جيرانها، وأن المراهنة على القوى الإقليمية والجماعات الموسومة بالإرهاب، لا يمكن أن تساعد في تجاوز "عقد الحجم"، ولا يمكن أن تغير المعطيات الجغرافية بالمنطقة.
عندما طفح الكيل
إثر مسار طويل من الأزمات، يبدو أن الكيل طفح في 5 يونيو/ حزيران 2017، لتجد الدوحة نفسها في موقع دفاع بعد أن كانت ولسنوات طويلة تهاجم الآخرين بشتى الوسائل وأهمها "القوة الناعمة" الوهمية.
وبمرور عام على المقاطعة، تشير جميع المعطيات إلى أن قطر فقدت البوصلة، ولم تسعفها قوتها الناعمة، في موجهة غضب جيرانها، رغم أنهم لم يفعّلوا بعد كل أوراق الضغط التي بحوزتهم.
ويتجلى سقوط القوة الناعمة لقطر في عدة معطيات، منها التراجع الكبير لعدد مشاهدي قناة "الجزيرة" التي كانت الرافعة الأساسية لمشروع النظام الحاكم في الدوحة، بعد أن اكتشف متابعوها تحيّزها وتحريضها على التخريب والدمار.
"الجزيرة" التي شكلت منبرا حرا لكل المنظمات الإرهابية، على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وجدت نفسها في قلب المشكلة، ففقدت بريقها والكثير من مصداقيتها خاصة بعد أن تحولت إلى التحريض بشكل علني على الدول المقاطعة لقطر.
وتظهر وثائق مسربة خلال الأيام الماضية، قرارا صادرا عن إدارة القناة بتاريخ 24 مايو/ أيار الماضي، ينص على تغييرات هيكلية في القناة وتوابعها، مثل معهد الجزيرة الإعلامي، ومركز الجزيرة للحريات وحقوق الإنسان، ومركز الجزيرة للدراسات.
سياسة "الشيكات المفتوحة" لم تحقق لحكام الدوحة النتائج المرجوة، بل أصبحت تشكل عبئا إضافيا في أزمة أفقدت قطر الكثير من إمكانياتها.
جماعات الضغط
وعلاوة على الإعلام، شهدت "جماعات الضغط" القطرية سقوطا مدوّيا أيضا، حيث وجدت الدوحة نفسها شبه عاجزة عن تحريك الدوائر والمنظمات التي كانت تشتري ولاءها في الدول الغربية، فلم يكن لها ذلك التأثير الذي يتماشى مع حوالي ربع قرن من الإنفاق السخي.
وفي ظل هذا العجز، لجأ حكام الدوحة إلى التعاقد مع شركات علاقات عامة، مقابل مبالغ مالية ضخمة؛ لتحسين صورتهم في الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، التي قال رئيسها بشكل صريح لا يقبل التأويل، إن قطر لها تاريخ طويل في دعم الإرهاب.
ويرجع المحللون السياسيون السقوط السريع وربما المفاجئ، للقوة الناعمة التي بنتها دول قطر على مدى سنين، إلى أنها لم تكن تعتمد على أرضية داخلية صلبة، فكانت أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة.
محصّلة قاتمة لـ"قوة ناعمة" كاذبة، تؤكّد أن الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، سدد لنظام الدوحة ضربة موجعة في السنة الأولى للأزمة، عبر تحييد مصدر قوته الأساسي.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDIg جزيرة ام اند امز