العلاقات بين الدول تحكمها المصالح السياسية في الدرجة الأولى؛ لتعزيز الأمن والاستقرار وتنمية الاقتصاد فيما بين هذه الدول.
العلاقات بين الدول تحكمها المصالح السياسية في الدرجة الأولى؛ لتعزيز الأمن والاستقرار وتنمية الاقتصاد فيما بين هذه الدول، والمصالح السياسية تحتكم إلى مبدأ المرونة المحكوم بالتنازل على قدر النتائج والتمسك بما يتناسب والمبادئ، وكلما كانت المبادئ السياسية والارتباط الأيديولوجي والثقافي والفكري متقاربة، قويت التفاهمات السياسية والمصالح، إلا أن هذه المقاربات والمصالح قد تتعرض للضعف والقوة حسب التحديات التي تعترض الدول التي يعمل معظمها لتقوية علاقاته السياسية الخارجية مع الآخرين لتوسيع النفوذ وضمان الاستقرار، إذ تبدأ كل دولة بتنمية هذه السياسة، انطلاقاً من الجوار الأقرب ثم المحيط الإقليمي وصولا إلى العالمية.
الهاجس الأكبر الذي يؤرق العالم أجمع هو الإرهاب، فحتى هذه اللحظة لا يعرف المرء إن كانت قطر ضده أو لا، فهي تقيم مؤتمرات أمنية في مراكز القرار العالمي و"تنشط إعلاميا" في محاربة هذه الآفة، بينما يصرح رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بأن بلاده تدعم "جبهة النصرة"
الأمر مختلف تماما في السياسة الخارجية القطرية بعدم مراعاتها هذه المبادئ العامة في السياسات الناجحة، بدءاً من العلاقات مع الجوار وانتهاء بالسياسة الدولية والعالمية.
ثمة جملة من المتناقضات تعتمدها الدوحة في سياستها الخارجية مما يجعلها غير موثوقة عند شقيقاتها العربيات قبل المحيطين؛ الإقليمي والدولي.
في الدرجة الأولى لم تراعِ الدبلوماسية القطرية حسن الجوار، على الرغم من أنها في محيط لا يوجد أي سبب منطقي واحد لعدم الانسجام، بدءاً من اللغة والدين والثقافة بل حتى النسب وانتهاء بالمصالح الاقتصادية والتحديات الأمنية، فمع وجود هذه المقومات نجد أن المحاولات القطرية لتخريب الأمن في الكثير من البلدان العربية مستمرة (راجع التسجيلات الصوتية لحكام قطر مع معمر القذافي)، ويتمثل ذلك في إيواء الجانب القطري بما يعده جوارها ومحيطها أعداء لا يمكن التهاون معهم كـ"جماعة الإخوان"، والاحتفاء بهم وتقديم سبل الرعاية الكاملة لهذا التنظيم الخطر.
السياسة الخارجية القطرية تتسم بالتناقض البين والتذبذب الواضح مما لا يدع لأحد من الدول التي تقيم علاقات سياسية معها مجالاً للاطمئنان والاستقرار السياسي، ففي الوقت الذي تعاني فيه دول المنطقة تدخلا واضحا من قبل حكام طهران في الشؤون الداخلية للكثير من البلدان العربية (العراق - سوريا - اليمن - لبنان) يصف المسؤولون القطريون إيران بالدولة الشريفة.
على المستوى العربي كذلك تدعم قطر "حركة حماس" الفلسطينية (ملايين الدولارات وصلت إلى مسؤولي حماس مؤخرا) التي هي في حال حرب دائمة مع الإسرائيليين، وفي الوقت ذاته تلعب دور الوسيط بين الطرفين وتسعى إلى تقوية علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي الذي تقيم معه علاقات اقتصادية وتجارية منذ عام 1996م، فتجمع بين العدو والعدو في علاقاتها السياسية.
الأسلوب ذاته انتهجته الحكومة القطرية في طريقة تعاملها مع القضية السورية، فعلى الرغم من التضاد القوي والعداء المباشر مالياً وسياسياً وإعلامياً مع الحكومة السورية منذ انفجار الوضع في هذا البلد عام 2011 إلا أن قطر على الجانب الآخر تغازل الجانب الإيراني الداعم الأول والرئيسي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لنظام الحكم في سوريا، وتتعاون معه اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ولم تقتصر هذه السياسة على المستويات العربية والإقليمية، بل حتى على المستوى العالمي تتبنى قطر سياسة اللعب على الحبلين، فهي حليف واشنطن التي تمتلك قواعد عسكرية في قطر وأهمها قاعدة العديد الجوية، والتي تشن منها الولايات المتحدة حرباً في أفغانستان ضد تنظيمي القاعدة وطالبان، والتي تجاهر الدوحة بعلاقتها السياسية معها وتفتح لها مقراً بما يشبه السفارة ليس بعيدا عن القاعدة الجوية الأمريكية في العاصمة القطرية.
أما الهاجس الأكبر الذي يؤرق العالم أجمع فهو الإرهاب، فحتى هذه اللحظة لا يعرف المرء إن كانت قطر ضده أو لا، فهي تقيم مؤتمرات أمنية في مراكز القرار العالمي و"تنشط إعلاميا" في محاربة هذه الآفة، بينما يصرح رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بأن بلاده تدعم "جبهة النصرة" ويعترف بوجود شخصيات مصنفة إرهابية في الدوحة.
قد يظن المتتبع لهذه السياسات القطرية أن قطر تدير سياسة ناجحة من حيث إنها تقيم العلاقات السياسية والجسور الدبلوماسية بين جميع الأطراف، وإنها سياسة تكسب ود الجميع مما يحقق لها سياسة خارجية مميزة، ولكن ذلك غير صحيح فمثل هذه السياسات تنجح إن كانت متبعة من دول كبرى تحافظ على التوازن بين جميع الأطراف لتبقي الكل تحت خيمتها وتخلع من تريد ومتى شاءت، أما من الدول الصغيرة ودولة مثل قطر فهذه السياسة تأتي نتيجة الضعف والتخبط والخوف من أن تميل الكفة لصالح طرف على حساب آخر.
قد تكون هذه السياسة مفيدة ولكن ليس لقطر بل للدول والجهات التي تخطب ودّها الدوحة، إذ إن هذه الدول لن تفوت الفرصة في نهب خيرات القطريين الذين سيدفعون اليوم أو غدا ثمن مغامرة سياسية قد تكون مدمرة، والخاسر الأكبر فيها الشعب القطري، وهذا ما لا يرضي الدول العربية ولا شعوبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة