لقد وفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما وعد به منذ حملته الانتخابية من إلغاء الاتفاق النووي السيئ مع النظام الإيراني.
لقد وفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما وعد به منذ حملته الانتخابية من إلغاء الاتفاق النووي السيئ مع النظام الإيراني، ثم حزمة العقوبات واحدة تلو أخرى والقائمة السوداء لأكثر من 700 شركة وشخص من الخزانة الأمريكية، مما أدت إلى ضرب أكثر من ثمانين بالمائة من العصب الاقتصادي الإيراني لاسيما الطاقة والنفط والسفن والموانئ والبنوك، فضلا عن السجاد والمأكولات والصادرات الإيرانية، مما أدى طبيعيا إلى هبوط الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته وارتفاع التضخم والبطالة والفقر بشكل كبير، وهذا ما يظهر من الارتباك والتخبط الإيرانييْن والتصريحات المختلفة المتناقضة، ولكن بعضها المعترفة والمقرة بالمشكلة حقا، لاسيما خطاب الرئيس الإيراني للبرلمان بحاجته لعلاج الأزمة الاقتصادية التي جعلته يقيل أربعة وزراء: وزير التعليم محمد بطحائي، ووزير الشؤون الاقتصادية والمالية مسعود كرباسيان، ووزير العمل علي ربيعي، فضلا عن وزير الصناعة والمناجم والتجارة محمد شريعتمداري، إضافة إلى عزل محافظ البنك المركزي ولي الله سيف.
راهنت إيران على الانتخابات الأمريكية ونجاح الحزب الديمقراطي وتغيير المعادلة الأمريكية ومعاقبة الرئيس الأمريكي ترامب، والحقيقة أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعتقدان بجرائم النظام الإيراني وإرهابه العالمي، وإن اختلفا في أسلوب التعامل مع هذا النظام الإرهابي
وكذلك خطاب المرشد نفسه أمام السلطات الثلاث ليسألهم عن إيجاد حلول للمشكلة الاقتصادية بعد إقراره بمعاناة كبيرة للشعب، وكأن القرار بأيدي السلطات الثلاث، حيث إن القرار الحقيقي بيد المرشد نفسه وأداته المليشياوية الحرس الثوري الذي يشتري الأسلحة من الصين وكوريا الشمالية بالعملة الصعبة، كما يصرف على المليشيات في العراق ولبنان وسوريا واليمن بالعملة الصعبة، وهذا بالضبط الذي حرك الجماهير للمظاهرات في أكثر المدن الإيرانية بشعار "نحن أولى من الخارج"، و"الموت للدكتاتور"، وحرق صور المرشد ووجهيه الإصلاحي والمحافظ في تطور وعي الشارع الإيراني ومقاومته للسلطة الحاكمة.
إن هدف العقوبات الأمريكية هو الضغط على النظام الإيراني وجلبه للمفاوضات وتوقيع اتفاق جديد يحد من هيمنته وإرهابه كأكبر نظام إرهابي عالميا، كما شهدت التقارير العالمية في تهديد السلم العالمي وتلبية الاثني عشر محورا التي ذكرها وزير الخارجية الأمريكي كخارطة طريق للنظام.
لذا تهدف العقوبات إلى منعه من تهريب الأموال إلى فيلق القدس والمليشيات التابعة له وقيامها بالإعمال الإرهابية، وكذلك عزلها عن النظام العالمي وخروج الشركات العالمية. ولما كان الرئيس ترامب يخيرهم بين العمل مع الولايات المتحدة أو إيران رأينا النتيجة هروب أكثر من مائة شركة عالمية من السوق الإيرانية؛ لأنها تنظر إلى مصالحها مع الولايات المتحدة أكبر بكثير من مصالحها مع إيران.
العقوبات الأمريكية ذات تأثير بالغ جدا خصوصا الحرب الاقتصادية ضد إيران، فاقتصادها متردٍّ جدا والسؤال الذي يسألني إياه البعض مرارا وتكرارا عن رهان إيران وقدرتها على الصمود والسيناريوهات المحتملة، تراهن إيران على من وقعت الاتفاق النووي معه لاسيما روسيا والصين وأوروبا.
في المقابل، فإن روسيا وعلى الرغم من أن لها خلافات وتنافسا مع الولايات المتحدة، ولكنها مستفيدة في الوقت نفسه من العقوبات. أما الصين فتستفيد من العقوبات حيث التبادل بعملتها المحلية أو منتوجاتها الوطنية وليس الدولار وكذا الهند.
أما أوروبا فتبادلاتها مع إيران قليلة مقارنة بالتبادل الإيراني مع آسيا، والذي يصل إلى 70% بينما لا يتجاوز العشرين بالمائة مع أوروبا، وحتى النفط إذ تصدر إيران 450 ألف برميل يوميا إلى أوروبا، بينما 1.8 مليون يتم تصديرها إلى آسيا. كما أن تصريحات المسؤولين الأوروبيين هي تصريحات سياسية حيث الاقتصاد حر، فالشركات الأوروبية تعلن خروجها من إيران مثل توتال وبيجو ورينو الفرنسية، وكذلك سيمنس وديالمر الألمانية وغيرها. أما الجانب السياسي فها هو الإرهاب الإيراني يضرب أوروبا؛ إذ اكتشفت الدنمارك منذ أسبوعين محاولات النظام الإيراني اغتيال معارض إيراني في الدنمارك، واكتشفت نرويجيا من أصل إيراني مرتبط بالسفارة الإيرانية على علاقة بهذا الإرهاب، كما اكتشفت فرنسا محاولات النظام الإيراني ضرب المعارضة في باريس.
كل ذلك أدى إلى تجميد أصول إدارة الأمن الداخلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية بفرنسا، وتم إغلاق "مركز جمعية الزهراء" المرتبط بالنظام الإيراني وتجميد أصوله المالية لاتهامه بنشر الإرهاب والتطرف، وأكد المسؤولون الفرنسيون ضرورة فرض عقوبات أكبر على النظام الإيراني والمراكز ذات العلاقة به، فضلا عن الإرهاب الإيراني في الدول الأوروبية الأخرى.
تراهن إيران على قدرتها السابقة على الالتفاف على العقوبات واستعمال وسائلها السابقة، فالعقلية الإيرانية الحاكمة في معالجة أزمتها هي عقلية قديمة بالية أشبه بوسائل الاتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة أو طريقة ليبيا وكوبا في مواجهة العقوبات الأمريكية، وهذه عفا عليها الزمن ولا يمكنها مواكبة التحديات المعاصرة،
كما تراهن إيران على الدول التي تتحكم فيها من خلال مليشياتها لاسيما العراق ولبنان وسوريا واليمن، لكنها اليوم ضعيفة في الداخل الإيراني، وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الخارج، وأوضح مثال هو العراق؛ إذ كانت إيران سبب محنة الماء والكهرباء مما أدى إلى انتفاضة البصرة ضد الوجود الإيراني، وتراهن إيران كذلك على إغلاق مضيق هرمز، وهو أمر غير معقول ولا مقبول، فنحن نشك بقدرتها على ذلك كما أن العالم الحر لن يسمح لها بذلك إطلاقا.
كما تراهن إيران على شبكة لوبياتها في مراكز القرار العالمي مثل واشنطن ولندن وهذا يحتاج إلى دراسة مستقبلية خاصة.
ويبدو أن الرهان الإيراني على تحالفها مع قطر وتركيا غير ناجع كما شرحنا سابقا، لكن من الجدير ذكره أنّ زيارة بنيامين نتنياهو إلى مسقط كانت تحمل رسائل وصفقات بين إيران وأمريكا من خلال الوسيطين العماني والإسرائيلي، وهذا يكشف للعالم أسرارا خفية كنا نتحدث عنها لاسيما العلاقة مع إسرائيل.
كما راهنت إيران على الانتخابات الأمريكية ونجاح الحزب الديمقراطي وتغيير المعادلة الأمريكية ومعاقبة الرئيس الأمريكي ترامب، والحقيقة أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعتقدان بجرائم النظام الإيراني وإرهابه العالمي، وإن اختلفا في أسلوب التعامل مع هذا النظام الإرهابي، لذلك وافق الحزبان على العقوبات الأمريكية الأخيرة كما هو معلوم.
يعتبر النظام الإيراني الآن في أضعف مراحله التاريخية تماما، بل بات أركان النظام يتصارعون فلا يزال الرئيس السابق محمد خاتمي في الإقامة الجبرية، وكذا مير حسين موسوي ومهدي كروبي وغيرهم من قيادات الحركة الخضراء من الإصلاحيين الذين قُتل زعيمهم هاشمي رفسنجاني، والمتهم هو المرشد نفسه حيث لم تبق له تلك الشرعية والقدسية، كما أن الحرس الثوري ينقسم إلى أقسام عدة لا يمتلك المرشد إلا قسما واحدا فقط، كما بدأت تظهر الآثار الكبيرة للعقوبات الأمريكية وقوانين الخزانة الأمريكية على أكثر من سبعمائة شركة وشخص.
وظهرت آثار ذلك في انخفاض كبير لتصدير النفط وارتفاع حاد في الأسعار والفقر والبطالة، والمتوقع هو تفجر الانتفاضة الشعبية العارمة لتجتاح المدن الإيرانية المختلفة ومن القوميات المختلفة في مختلف المحافظات والمدن بشكل أكبر من السابق، يدعمهم تجار البازار وزعماء الأقليات وانحياز متوقع للجيش إلى الشعب حيث يستعدان للانقضاض على النظام في ذكراه الأربعين، وهو واضح لمن يقرأ الساحة ويتابعها من الداخل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة