قطر بعد عام المقاطعة.. كشف حساب لمحصلة سوداء
بمجرّد إعلان دول المقاطعة قرارها بشأن الدوحة، انهارت المؤشرات الاقتصادية والمالية فسارع النظام إلى ترقيعها.
حتى قبل تصريحات أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في مايو/ أيار 2017، حول إيران وحماس وجماعة الإخوان وقاعدة "العديد"، ظلت الدوحة على قناعتها بأن أقصى ما يمكن لدول الجوار فعله حيال إصرارها على دعم الإرهاب، هو التنديد والاستنكار.
غير أن قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في 5 يونيو/ حزيران من العام نفسه علاقاتها مع قطر، أيقظ الأخيرة من غيبوبة طال أمدها، لتجد نفسها في عزلة إقليمية أتت على مختلف مؤشراتها رغم محاولات الإنكار.
واليوم، تكمل المقاطعة عامها الأول، ومعه، تبدأ ملامح الأزمة القطرية بمغادرة حيزها الظرفي، لتدخل مسارا هيكليا يجزم خبراء بأن ارتداداته على البلاد ستكون قاتلة.
الاقتصاد.. انهيار يطيح بالترقيع
بمجرّد إعلان دول المقاطعة قرارها بشأن الدوحة، انهارت المؤشرات الاقتصادية والمالية بالبلد الأخير، فسارع النظام إلى ترقيعها عبر اللجوء إلى العديد من أدوات السياستين الاقتصادية والمالية.
غير أن استمرار الأزمة وارتفاع التكاليف المدفوعة لمواجهة النفقات العادية للدولة، والتكاليف المنظورة، خلق رقما تراكميا مرعبا أثقل كاهل نظام لطالما تبجح بأرقام احتياطي صندوقه السيادي، وقدرة إنتاجه اليومي من النفط والغاز على توفير المراهم العلاجية لأزمته.
ومع أن الدوحة تصر على أن عامها الأول من الأزمة مر بخير، وأنها معافاة من جميع ارتداداتها، إلا أنها أغفلت على ما يبدو أن أدوات تقييم الحساب الختامي للأزمات، تظل رهينة التكاليف المالية المنظورة، والتي باتت مرعبة بتراكمها في ظل أزمة مستمرة ومتجددة.
محصلة سوداء
عموما، كان على الدوحة تسديد فاتورة تعنتها باهظا، حيث تراكمت خسائرها جراء إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، لتبلغ في بعض التقديرات نحو 85 مليار دولار.
رقم ثقيل تضمّن إلغاء 25 % من الرحلات الجوية من وإلى الدوحة، إضافة إلى الخسائر التي سجلها قطاع السياحة بنحو 600 مليون دولار حتى نهاية 2017.
ووفق بيانات رسمية نشرتها تقارير إعلامية ورصدتها "العين الإخبارية"، بلغ عدد السياح الأجانب الوافدين إلى قطر في فبراير/ شباط الماضي، نحو 347.6 ألف سائح، مقابل 578.95 ألف في الشهر نفسه من 2017، أي قبل بداية الأزمة.
أما السوق المالية في قطر فقد تكبدت بدورها خسائر فادحة ناجمة عن انعدام الثقة الدولية بالنظام القطري، بلغت نسبتها 10 %، أي نحو 15 بليون دولار في الأسابيع الأربعة الأولى للأزمة.
ولاحقا، حاولت الدوحة تعويض البعض من خسائرها بهذا الخصوص عبر مضاربات تصعيد المؤشر اليومي، غير أن محاولاتها باءت بفشل أضحى مرتبطا بأكثر من عامل.
ولمواجهة أزمة الدولار في مصارفها، لجأت الدوحة إلى السحب من أرصدتها الخارجية. وتشير بعض التقديرات إلى أن المبلغ ناهز 56 مليار دولار، وهو ما تطلّب من الدوحة تسييل عدد من استثماراتها الدولية.
خسائر بالجملة كان لابد وأن تدفع نحو هروب المستثمرين والودائع وتراجع العوائد، وتنخفض بالتالي قدرة الاقتصاد المحلي على مراكمة ثرواته، ما نجم عنه تراجع في معدل نمو الناتج المحلي بحوالي 60% مقارنه مع 2016.
كلفة الهواجس واستثمارات الترضية
بمقاطعتها من قبل الرباعي العربي، راودت النظام قطري هواجس إمكانية استهدافه عسكريا، ما جعله يتكالب على طلب حماية تركية، رفعت نفقاته الأمنية إلى أعلى مستوياته.
ففي الساعات التي تلت قرار المقاطعة، استعانت الدوحة بقوات قطرية، ووسعت اتفاقية قواعد أنقرة لديها، سواء البرية منها أو البحرية، قبل أن تنطلق في سباق تسلح مع نفسها.
ومن تركيا، توجهت الدوحة للولايات المتحدة، لتسرف في شراء أسلحة أمريكية فائضة عن حاجتها، طمعا في استجداء عطف الرئيس دونالد ترامب، واصطفافه خلفها.
دراسة مصرفية متخصصة قدّرت كلفة القواعد العسكرية وعقود أسلحة، فضلاً عن استثمارات الترضية، بنحو 68 مليار دولار، فيما تتحدث تقارير إعلامية على أن الرقم بلغ حدود 108 مليارات.
كلفة تبييض
نحو 8 مليارات أنفقتها قطر في الأشهر التسعة الأولى من أزمتها لصنع لوبيات ضغط في الولايات المتحدة، لتبييض صورتها التي باتت مقرونة بدعم الإرهاب، وبحثا عن موطئ قدم لها في دوائر القرار الأمريكي.
فهناك، نشرت الدوحة أذرعها لشراء الذمم ودفع الرشاوى من أجل الوصول إلى الشخصيات النافذة في البيت الأبيض والكونغرس، لشراء موقف مؤيد لها، وتشويه صورة دول المقاطعة لدى الرأي العام الدولي.