ملاعب مونديال قطر.. مقبرة للعمال وألم يعتصر أسرهم
نظام الحمدين يماطل في كشف ملابسات مصرع نيبالي
العامل النيبالي الذي تماطل الدوحة في إعلان أسباب وفاته واحد من بين مئات المهاجرين الذين يعانون ظروفا غير إنسانية داخل معسكرات العمال
"كيف سأربي ابنتي؟".. كلمات يائسة سبقتها دموع ونحيب أرملة عامل نيبالي لقي حتفه في أحد ملاعب كأس العالم في قطر، عبرت بها عن مخاوف إزاء مستقبل ومصير غامض ينتظرها ونجلتها.
والعامل النيبالي تيج نارايان ثارو، الذي تماطل الدوحة في إعلان أسباب مصرعه، كان واحدا من بين مئات المهاجرين الذين يعانون ظروفا غير إنسانية داخل معسكرات العمال بقطر، التي تواصل انتهاج سياسة التمييز والعنصرية ضد العمال الوافدين.
وفي تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، قالت إنه أثناء مراسم الجنازة التقليدية، التي أقامتها أسرة "ثارو"، وتتضمن حرق النعش على ضفاف نهر بودهي جنوب شرق البلاد، كانت زوجته رينوكا تشودري تبكي في يأس، وهي تحتضن النعش الأحمر قبل تنهار مغشيا عليها بعد إشعال النيران.
وأشارت تشودري إلى أنها كانت تتحدث وابنتهما سادكشيا البالغة من العمر 4 سنوات إلى زوجها عبر الهاتف كل يومين أو 3 أيام، حتى تلقت مكالمة هاتفية من قطر من رقم مجهول تبلغها بوفاته.
وقالت تشودري للصحيفة "اتصل صديق له، وأبلغنا أنه سقط. لنكتشف أنه قد مات بالفعل بعد الكثير من المكالمات والمراوغة".
وتوفي ثارو (23 عاما) في أغسطس/آب الماضي، عندما سقط من ممشى مرتفع في ملعب الوكرة الذي تكلف بناؤه 655.7 مليون دولار، والذي تم تشييده لكأس العالم 2022.
ولفتت إلى أنها تلقت اتصالين آخرين من قطر، أحدهما من شركة "المنار للمقاولات العامة"، التي وظفت زوجها، والآخر من اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الهيئة المنظمة لكأس العالم.
وأضافت: "الرجل من اللجنة العليا قال إنه آسف. وعندما سألته كيف مات زوجي. قال إنهم يحققون في الوفاة"، وبعد 3 أشهر، لا تزال تشودري تنتظر إجابة.
وذكرت "الجارديان"، أنها تحدثت إلى 4 مصادر على اطلاع بالحادث، أفادوا أن ثارو كان يحمل لوح خشب كبيرا فوق ممر يبلغ ارتفاعه 35 مترا ليلا عندما وقع الحادث.
وأضاف أحد المصادر: "لقد سقط من الممشى.. عادة ما يعتبر آمنا. لكن أشخاصًا من شركة أخرى أزالوا جزءا من الأرضية، مما أدى إلى خلق فجوة، لم يتمكن من رؤيتها وسقط من خلالها".
وقال متحدث باسم اللجنة العليا القطرية، إنهم تعلموا دروسا من الوفاة وتم تنفيذ "إجراءات تصحيحية في جميع أنحاء موقع الوكرة وغيره من مواقع اللجان العليا لتجنب تكرار ذلك".
وأضاف: "أجرت اللجنة العليا تحقيقاً مستقلاً في الظروف المؤدية إلى الوفاة المأساوية للسيد ثارو.. لكن القضية مفتوحة حالياً لدى النيابة العامة القطرية.. وبمجرد الوصول إلى قرار نهائي، سنتمكن من إصدار المزيد من التفاصيل.. وسنعمل مع السلطات المعنية على ضمان تقديم الأموال المناسبة".
وبينما أبلغت شركة "المنار للمقاولات العامة" تشودري، أنها تتوقع حصولها على تعويض بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، قالت وزارة الشؤون الخارجية في نيبال إن الأمر قد يستغرق عاما.
وقال مدير الموارد البشرية بالشركة، إنه لم يتم صرف التعويضات لأن "القضية لا تزال مستمرة".
وعن هذا تقول الزوجة "أنا قلقة للغاية. ليس لدي أحد الآن لضمان دخل للأسرة.. كيف يمكنني دفع تكاليف تعليم ابنتنا وتربيتها؟".
أما سيتا، والدة ثارو، فقالت: "قلبي انفطر. ابني ذهب إلى الأبد. ولن يعود أبدا. لديه ابنة صغيرة. الحياة طويلة وقاسية. كيف ستبقى على قيد الحياة؟".
ورغم أن الأسرة تلقت تعويضاً من مشروعين للتأمين في نيبال، لكن تلك المبالغ لا تكفي لتأمين مستقبلها.
ويتشابه مصير ثارو، وردة فعل السلطات القطرية مع حالة زاك كوكس، وهو عامل بناء بريطاني توفي في استاد خليفة لكأس العالم في يناير/ كانون الثاني 2017، حيث عانت أسرته للحصول على معلومات حول وفاته، وخلص قاضي التحقيق البريطاني الذي يحقق في الأمر إلى أنه توفي بسبب معدات دون المستوى، واصفا بيئة عمله بأنها "خطرة تماما".
وتوفي 3 عمال آخرون من نيبال كانوا يعملون في استاد "الوكرة" هذا العام في معسكر العمال، ولا تزال عائلاتهم تنتظر تعويضات من أصحاب العمل في قطر.
وفي تقرير الرفاه للعاملين لعام 2017، صنّفت اللجنة العليا القطرية 5 وفيات مماثلة لعمال الاستاد بأنها غير متعلقة بالعمل.
من جانبه، يقول نيك ماكجيهان، الخبير في حقوق العمال الوافدين في الخليج: "إذا لم نكن نعرف كيف يموت العمال، فمن المستحيل أن نقول إن كانت وفاة مرتبطة بالعمل أم لا.. نحن نعلم أن خطر التعرض لضغط الحرارة شديد للغاية في أشهر الصيف، والحماية غير كافية بشكل واضح، لذا فإن هذه الوفيات تثير مخاوف حقيقية".
وبلغت درجة الحرارة في وقت النهار في قطر 47 درجة مئوية في شهر يونيو/حزيران من هذا العام، ولم تنخفض إلا مرة واحدة عن 40 درجة مئوية في الشهر نفسه.
كما أوصى تقرير أصدرته عام 2014، "دي إلى إيه بايبر" (DLA Piper) وهي شركة قانونية دولية مكلفة من السلطات القطرية للتحقيق في معاملة العمال المهاجرين، بأن تأمر الحكومة بإجراء دراسة مستقلة حول وفاة العمال المهاجرين من السكتة القلبية، غير أن حكومة قطر لم ترد على الاستفسارات حول ما إذا كانت كلفت بإجراء الدراسة أم لا.