عندما نشرت واشنطن بوست تحقيقا موسعا حول هذه الصفقة المشبوهة، سارعت قطر بنفي أنها حاولت دفع فدية لإطلاق سراح الرهائن.
حقائق صادمة وأدلة قاطعة تتكشف يوماً بعد يوم لتفضح ما تحاول قطر إخفاءه من دعمها للإرهاب والإرهابيين، آخرها ما كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية يوم الثلاثاء الماضي من معلومات مرعبة حول فدية المليار دولار التي دفعها النظام القطري لمجموعات إرهابية مرتبطة بإيران لإطلاق سراح 28 عضواً من الأسرة الحاكمة القطرية تم اختطافهم قبل نحو عامين ونصف في منطقة تهيمن عليها فصائل مرتبطة بإيران في العراق.
ما كشفت عنه الوسيلة الإعلامية الأعرق عالمياً وإن لم يكن جديداً ولكنه جاء حاملاً لكثير من الأدلة ومحملاً بكثير من الدلالات، صحف بريطانية وأمريكية بارزة سبقت البي بي سي في كشف بعض من تفاصيل هذه القضية مثل فايننشال تايمز ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، وفي كل مرة كانت تفوح فيها رائحة هذه الفضحية كانت الحكومة القطرية تسارع بنفيها، في ترسيخ واضح لنهجها في إنكار كل ما هو ثابت بشأن دعمها للإرهاب.
ما كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية لا يعدو سوى نذر قليل من حقائق كثيرة لم تكشف بعد عن دور قطر في تمويل الإرهاب، فما خفي ربما يكون أعظم، ولكن حتى هذا النذر القليل الذي تم الكشف عنه يجب أن يستدعي وقفة من المجتمع الدولي وإعادة النظر في مواقفه في ضوء المعطيات الجديدة.
ففي أبريل الماضي وعندما نشرت واشنطن بوست تحقيقاً موسعاً حول هذه الصفقة المشبوهة، سارعت قطر بنفي أنها حاولت دفع فدية لإطلاق سراح الرهائن، وأكدت عبر وزير خارجيتها "أنها لم تتعامل مع المجموعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة"، لكن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية جاء ليثبت بالدليل القطاع وعبر رسائل صوتية ونصية لا تقبل التشكيك صحة كل ما أثير مسبقاً حول هذه الفضيحة، وباعتراف وصوت أبرز الأطراف المتورطة في هذه الفضيحة، والتي جاء على رأسها وزير الخارجية الحالي محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وسفير النظام القطري لدى بغداد زايد بن سعيد الخيارين، وهو ما يثبت حقيقة صادمة أخرى تتمثل في أن الدعم القطري للإرهاب يتم بشكل مؤسسي وعبر أبرز الجهات السيادية القطرية كوزارة الخارجية وجهاز المخابرات وكثير من المسؤولين الرسميين، وليس فقط من خلال جمعيات خيرية أو ما كان يحلو لبعض وسائل الإعلام الدولية أن تسميهم "محسوبون على النظام القطري" أو "مقربون من النظام القطري"، أو غيرها من المسميات التي كانت توحي بوجود علاقة لكنها غير مباشرة بين الدوحة وبين دعم الإرهاب، هذه المرة أثبتت البي بي سي بدليلها القطاع أن رأس الدبلوماسية القطرية نفسه متورط في تمويل الإرهاب، وأنه من خطط وأدار هذه الصفقة المشبوهة وسخر جميع إمكانيات وزارته وسفارة بلاده في بغداد لتمريرها، وهو الذي لم يترك وسيلة إعلام تحدث إليها أو منظمة دولية تحدث أمامها إلا ونفى دعم بلاده للإرهاب أو تمويلها للإرهابيين، كذلك فعل جهاز المخابرات القطري الذي كان زايد الخيارين ينتمي إليه.
معلومة مرعبة أخرى كشف عنها تقرير هيئة الإذاعة البريطانية، تمثلت في استخدام الخطوط الجوية القطرية لنقل أموال الفدية للإرهابيين، فالأزمة انتهت حين وصلت طائرة تابعة لتلك الخطوط إلى العاصمة العراقية بغداد حاملة أكبر فدية في التاريخ وعائدة بالرهائن في أبريل 2017، الدوحة هنا استخدمت طائرة مدنية مخصصة لنقل الركاب في نقل أموال لمنظمات إرهابية في انتهاك واضح لقوانين الطيران المدني، ولعل هذا ما يثبت بأثر رجعي صحة قرار الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب في منع طائرات الخطوط الجوية القطرية من استخدام مطاراتها أو المرور عبر أجوائها، بعد أن وصلت تلك الدول إلى قناعة راسخة بأن قطر لا تتورع عن استخدام جميع إمكانياتها ومؤسساتها وأموال شعبها لتنفيذ مخططاتها.
في النهاية يمكن القول إن ما كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية لا يعدو سوى نذر قليل من حقائق كثيرة لم تكشف بعد عن دور قطر في تمويل الإرهاب، فما خفي ربما يكون أعظم، ولكن حتى هذا النذر القليل الذي تم الكشف عنه يجب أن يستدعي وقفة من المجتمع الدولي وإعادة النظر في مواقفه في ضوء المعطيات الجديدة، فالمقاطعة لم تعد كافية، والمحاسبة أصبحت واجبة، ومع تحول الكثير من الشكوك إلى حقائق أصبح لازماً على كثير من المنظمات الدولية أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية، وأن تقوم بدورها في حماية السلم والأمن الدوليين بتجرد ودون تسييس، اتحدث هنا تحديداً عن مجلس الأمن الذي تجاهل في يونيو 2017 طلباً مصرياً للتحقيق في الاتهامات التي اثبتت البي بي سي صحتها بعد نحو عام. اتحدث عن منظمة الطيران المدني الدولي"إيكاو" التي منحت قطر فرصة للاستماع لمطالبها بخصوص اعتراضها على قرار الدول الأربع بإغلاق مجالاتها الجوية السيادية مع الدوحة، فهل يكون لها موقفاً حازماً الآن بعد أن ثبت استخدام قطر خطوطها الجوية في نقل أموال للإرهابيين؟ أم هل تنتظر استخدام نفس الخطوط لنقل أسلحة وقنابل للإرهابيين حتى تتخذ قراراً؟ أتحدث عن محكمة العدل الدولية التي أصبح موضوع حقوق السيادة الجوية برمته أمامها، أتحدث عن منظمات دولية أخرى كثيرة يجب أن تتحلى بالشجاعة وتواجه لحظة الحقيقة في ظل ما تم الكشف عنه من حقائق، وأعتقد أن الاتحاد الدولي لكرة القدم أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من بين تلك المنظمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة