لا تلوح في الأفق أية بادرة على عودة نظام الحمدين إلى رشده وعقله،
بعد مرور عام على بدء مقاطعة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لـ"نظام الحمدين"، الذي يختطف القرار القطري، خرج هذا النظام بإعلان مثير للشفقة والسخرية في آن واحد معاً، حيث قرر حظر بيع السلع والمواد الغذائية، التي تجلبها شركات قطرية إلى الأسواق المحلية عبر طرف ثالث، مدعياً أن هذا القرار يهدف إلى حماية المستهلك ومكافحة الاتجار غير المشروع بالسلع!.
هو قرار بائس بامتياز كونه يحظر منتجات ألبان وأغذية خليجية اعتاد عليها المواطنون القطريون، وبالتالي فمن أصدر القرار يدرك تماماً انعدام تأثيره في اقتصادات الدول الأربع، التي لم تعد تصدِّر بشكل مباشر أية منتجات للأسواق القطرية، بل إن هذه السلع والمنتجات تستوردها شركات قطرية إرضاء لعملائها وتلبية لرغباتهم.
لا يمكن لعاقل أن يفرغ أسواق بلده من سلع غذائية لمجرد أنه يريد إثبات قوة مزعومة، ويسعى لكسب نقاط لا محل لها من الأهمية في معركة لا تسكن سوى خياله المريض؛ بعد أن انقضى أمره وبات دون أدنى قيمة في سياسات قادة الرباعية.
لو أن هذا النظام يفكّر بعقلانية ويراعي مصالح شعبه لما أقدم على هكذا خطوة، لسبب بسيط هو أن الأمر يتعلق باحتياجات وسلع غذائية يصعب على المواطن القطري العادي استبدالها بقرار حكومي، والقبول بمنتجات إيرانية لا يعرف مصدرها ولا هويتها، ويثق تماماً في أن حكومته لا تستطيع الرقابة على جودتها، ولا الاعتراض على رداءتها، لأنها باتت المنفذ الوحيد لتلبية احتياجات الأسواق القطرية من هذه السلع الاستراتيجية.
بعد عام من أزمة المقاطعة، لم يستوعب "نظام الحمدين" الدرس جيداً، ولم يعد قادراً على تفكيك التباسات المشهد الاستراتيجي المتأزم من حوله، ولا يزال يصر على عناده رغم الهاوية التي تنتظر الاقتصاد القطري بفعل هذا العناد؛ فهناك أزمة خطيرة تتفاقم بين إيران والولايات المتحدة ولا يمكن التكهن بمساراتها ومآلاتها في المدى المنظور، ويصعب فيها اللعب على الجانبين، ولا المواءمة بين الطرفين، ولن تقبل بذلك إدارة الرئيس ترامب، كما لن يقبل الملالي سوى بتموضع كامل في معسكرهم.
هناك أيضاَ نذر فشل محتوم يقترب بمرور الوقت لاستضافة قطر لكأس العالم 2022، إذ يصعب عملياً تنظيم بطولة بهذا الحجم القاري في دولة تصر على موقفها في دعم الإرهاب وترفض نزع أسباب مقاطعة معظم دول الجوار الإقليمي لها، متحدية بذلك جوهر الرياضة بشكل عام، واستضافة البطولات القارية بشكل خاص، والقائم على التقريب بين الشعوب والدعوة للأمن والسلم ونبذ التعصب والعنف والتطرف والإرهاب.
الواضح بالفعل، أن "نظام الحمدين" ينظر إلى المقاطعة من منظور مصيره الذاتي، بمعنى أنه يعتبر بقاء النظام في ظل المقاطعة بمنزلة استمرار للنجاح في التحدي بغض النظر عن نزيف الاقتصاد القطري ومليارات الدولارات التي خسرها بسبب عناده، فضلاً عن الخسائر المعنوية والنفسية والدمار الذي لحق بشركاته مثل الخطوط الجوية القطرية وغير ذلك.
الحقيقة أن حصاد السنة الأولى من المقاطعة يوفر العديد من الاستنتاجات المهمة، أولها فشل "نظام الحمدين" في تسويق مفهوم "الحصار" بديلاً للمقاطعة، حيث أنفق النظام ملايين الدولارات على حملات دعائية مدفوعة في الغرب من أجل تكريس هذا المفهوم بغية توظيفه لاحقاً في استقطاب المواقف السياسية، وصولاً للضغط الغربي على الدول الأربع من أجل إنهاء المقاطعة، وهو ما أخفقت فيه قطر تماماً، لأن الشواهد جميعها كانت تنسف ما يروّج له بشأن "الحصار" المزعوم، وأن حدود قطر البحرية وأجواءها مفتوحة أمام من ارتضاهم "نظام الحمدين" حلفاء لنظام ظل لسنوات طويلة يرفع زوراً وبهتاناً شعار الدفاع عن مصالح العرب وشعوبهم ودولهم.
الاستنتاج الثاني أن الإعلام القطري يسوّق لشعبه الأوهام، ويحاول صرف الأنظار عن الخسائر الحقيقة الناجمة عن سوء سياسات النظام، وفشلها بالادعاء بأن بقاء النظام يعني انتصاره، ومن قال لكم إن هناك رغبة ما في إسقاط هذا النظام البائس؟، وهل يحتاج سقوط نظام بهذا الضعف والهشاشة إلى تحالف دول أربع لها ثقلها ومكانتها الإقليمية والدولية؟ الجواب لا بطبيعة الحال، فكل ما سعت إليه دولنا هو عودة الوعي القطري والكف عن ارتهان مصير هذا الشعب المغلوب على أمره لعصابات ومجموعات من المرتزقة والمأجورين المحتشدين حول قائد النظام، يرسمون له سياساته التي لا تستهدف سوى مصالح تنظيماتهم وجماعاتهم والدول الموالية لهم.
ثمة استنتاج ثالث يتعلق بسخاء "نظام الحمدين" في الإنفاق على الدعاية والجيوش الإلكترونية مقابل تجاهل تام لمصالح شعبه ودولته، إذ لا يمكن لعاقل أن يفرغ أسواق بلده من سلع غذائية لمجرد أنه يريد إثبات قوة مزعومة، ويسعى لكسب نقاط لا محل لها من الأهمية في معركة لا تسكن سوى خياله المريض؛ بعد أن انقضى أمره وبات دون أدنى قيمة في سياسات قادة الرباعية، وتحديداً منذ أن اعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قضية قطر مسألة صغيرة، يمكن لأي وزير في حكومته أن يحلها.
الاستنتاج الرابع أنه رغم الخسائر الاقتصادية الباهظة جداً لـ"نظام الحمدين"، فإن الخسارة الاستراتيجية بعيدة المدى التي تسببت فيها سياساته للدولة القطرية لا يمكن تعويضها، حيث سحب بلاده من حاضنتها الخليجية العربية الطبيعية، ودفع بها إلى الدوران في فلك دول معادية لا تكّن للشعب القطري سوى الحقد والحسد، والرغبة في نهب ثرواته ومقدراته، وهو أمر نثق في أن الأجيال القطرية القادمة لن تغفره لهذا النظام، الذي بدد ثروات كان يمكن أن ترسم لقطر والقطريين مستقبلاً أفضل في حال لم تُنفَق على الإرهاب وتمويله وتنفيذ أجندات الدول المعادية للعرب بأموال القطريين.
لا تلوح في الأفق أية بادرة على عودة نظام الحمدين إلى رشده وعقله، فقد سقط هذا النظام في فخ رسمه له المحيطون به من أجل ضمان السيطرة التامة على ثروات قطر، وتحويلها إلى مخزن لتمويل أنشطتهم الإرهابية في مختلف دول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة