تبدّل المشهد في غزة لغير صالح قطر، حتى بوجود حركة حماس التي مازالت ممسكة بخيوط الحكم فيها.
تبدّل المشهد في غزة لغير صالح قطر، حتى بوجود حركة حماس التي مازالت ممسكة بخيوط الحكم فيها، فتلك منطقة لا تهطل فيها الثلوج لكي ينتظر الناس ذوبانها فتتكشف الحقائق، بل إن سكان غزة هم الذين أذيبت عافيتهم بعد أن أوصلها عناد الطبقة السياسية، التي لها حظوتها عند قطر، سواء كانت حمساوية أو عباسية؛ إلى حال البؤس الكارثي دونما مُغيث.
فالطرفان التركي والقطري اللذان أجزلا الوعود لإنعاش غزة وانتشالها من بؤسها نكصا بكل التعهدات واقتصرت الإغاثة على احتضان عناصر من قيادات حماس في أنقرة والدوحة بشروط غير معلنة، الطرفان التركي والقطري ذهبت بوصلتهما إلى بعيد.
فمن جهة أصبحت “عفرين” بالنسبة لتركيا الأردوغانية أهم من القدس التي تنعطف عليها قوة غزة وحيويتها وصمودها، ومن جهة أخرى أصبحت قطر تتوخى الرضا الأميركي مقابل الكف تماماً عن إغاثة غزة وسواها، حتى أصبحت تغطية موظفي النظافة في مستشفيات غزة البائسة والمعطلة، أمراً جللاً لا ينبغي حله بقليل من المال لكي لا تُخرق محددات ما يسمى الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والدوحة، وتحاشياً لمظنة الإخلال بالتدابير المتفق عليها، لمكافحة ما يُسمى “الإرهاب”.
فغزة مشمولة عند الأميركيين في قائمة المكونات الإرهابية، حتى وإن كانت القوة المهيمنة فيها قد تحالفت مع القوات المسلحة المصرية، وأدت واجب تأمين حدود غزة، لكي لا ينطلق منها الإرهابيون أو يتسلل إليها الهاربون منهم.
هجم عمال النظافة والمحرومون من الشقق على سفير قطر ورجموه بالحجارة والأحذية، ففرّ هارباً ليتبدى جليّاً مأزق قطر في غزة. وقبلئذ، استدركت حماس ونجحت في حل أزمتها مع مصر، وقدمت برهانها على قناعاتها الجديدة.
من نافلة القول، إن بؤس غزة هو محصلة سياسات فلسطينية داخلية أولاً، مارسها طرفا الخصومة من خلفيات وحسابات خاطئة، لا يمتلك أصحابها الحد الأدنى من الحس التاريخي، وهذه السياسات هي التي مكنت للأسباب الموضوعية وللأطراف الخارجية أن تفعل فعلها في القطـاع للوصول به إلى حال الكارثة والجاهزية للانفجار.
وكانت مقاربات إسناد حكم حركة حماس في غزة، بالنسبة لتركيا وقطر، تقوم، كلها، على ضمان طواعية العامل الإسرائيلي. فللبلدين علاقتهما المشهودة مع إسرائيل.
لذا كانت توقعات نافذي البصر والبصيرة، منذ البداية، أن أي مقاربات للإغاثة تستند إلى العامل الإسرائيلي، لن يُكتب لها النجاح، وهذه توقعات سبقت “عفرين” وإمساك الدوحة بحزام الأميركيين مستنجدة، لكي تحل مشكلتها كما تريد مع الدول العربية الأربع التي خاصمتها وقطعت العلاقات معها.
الأتراك، تحدثوا قبل نحو عامين، عن مشروع لحل أصعب مشكلة الخدمات في غزة، وهي الكهرباء، وقالت أنقرة إنها بصدد إقامة محطة توليد على حدود القطاع الشمالية، أي عند إسرائيل، لكي تمد السكان بالتيار الكهربائي.
وبنت أنقرة توقعاتها استئناساً بانفراج العلاقات الإسرائيلية – التركية على كل صعيد، وطي مشكلة سفينة مرمرة التي قُتل فيها متضامنون أتراك مع غزة، لكن إسرائيل رفضت، ولم تتردد تركيا في تخبئة المشروع في الأدراج، ذلك علماً أن المشروع في حال نجاحه من شأنه خلق مناخ سياسي وأمني لصالح إسرائيل، إذ سيحافظ الحكم في غزة على سريان التيار الكهربائي الذي تتفرع من عدم سريانه الكثير من أزمات الحياة.
أما قطر، فقد كانت مساعداتها لغزة هي محض مساعدات لحماس لكي تُبقيها حليفاً لها، ملتزماً بخطاب تخوين الآخرين، والتباكي على القضية الفلسطينية وإظهار الآخرين بأنهم سبب التردي السياسي والاقتصادي في قطاع غزة.
وظل الإرهاب الخائن يؤدي دوره المرسوم في سيناء، لكي يُصبح فتح معبر رفح شقاء بالنسبة للمصريين والفلسطينيين، بسبب الشراذم التي استوطنت شبه جزيرة سيناء، لا سيما المناطق التي يمر بها الطريق إلى القاهرة.
ذلك فضلاً عن هدف استراتيجي خطير، وهو تحويل منطقة شمالي سيناء إلى فضاء جغرافي ميؤوس من شفائه، يمثل عبئاً على مصر، يستنزفها ويسفك دماء شبابها، لكي تتخلى مصر عنها وترضى بالحل القائم على توسيع منطقة قطاع غزة، وهذا هو عينه الهدف الذي يقاتل المصريون في سيناء، الآن، لإفشاله وإسقاطه.
برنامج الإغاثة القطرية، كان – مثلما أسلفنا- يمثل نوعاً من الرشوة لحماس، لكي تظل طرفاً في خصومة مع مصر، لا مصلحة لها وللفلسطينيين فيها، وليس أدل على ذلك مما جرى في تخصيص الوحدات السكنية في مشروع “مدينة حمد”، إذ وزعت غالبية الشقق على عناصر حماس دون المهدمة بيوتهم والمعوزين فاقدي المنازل، وبيعت بعض الشقـق لأهالي الشهداء بأثمان مقسطة، وهذا الذي جعل مستحقي الشقق يتظاهرون ويرفعـون لافتات تطالب بالإسكـان.
فمن يعلن أن الوحدات السكنية لأهالي الشهداء وللذين قُصفت بيوتهم عليه أن يكون نزيهاً وصادقاً، وأن يمنح أسرة الشهيد والأسر التي دُمّرت بيوتها، الشقق التي قيل إنها بُنيت لهم، والدوحة تعرف تفاصيل ما جرى، لكن الأمر لا يعنيها، طالما أن حماس كانت راضية.
للأسف، إن قطر التي تدفع مئات الملايين فقط لشركات علاقات عامة تتكفل بمدحها، وللإعلام الهجومي الذي يتقصّد خصومها، تحشرجت واستنكفت، وتظاهرت بالعجز عن البذل، عندما توقف عاملو النظافة في المستشفيات عن العمل بسبب عجز القطاع الطبي عن سداد مستحقات شركة التشغيل.
أما السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، فقد رأت في عفونة المستشفيات، بعد عجز مولدات الكهرباء الخاصة فيها عن التوليد لشح الوقود بعد شُحّ الأدوية، عنصرين يتوافقان مع سياسة الحرمان والتجويع والخنق التي تمارسها.
في قلب هذا المشهد، حضر سفير قطر لدى السلطة الفلسطينية، لكي يُجري مؤتمراً صحافياً في غزة، يقدم فيه قراءته لأزماتها. قال للحاضرين إن كلفة نظافة المستشفيات ليست من بين بنود صرف السبعة أو التسعة ملايين المخصصة لغزة، كأنما الرجل يلـمّح إلى بدء سريان الجفاء مع حماس نفسها التي صالحت مصر.
كذلك يمكن أن يستشف من هذا المنطق، احتمال أن تكون نظافة المستشفيات عملاً صحياً ذا طابع إرهابي، يقلق الأميركيين.
عندئذ هجم عمال النظافة والمحرومون من الشقق على سفير قطر ورجموه بالحجارة والأحذية، ففرّ هارباً ليتبدى جليّا مأزق قطر في غزة، وقبلئذ، استدركت حماس ونجحت في حل أزمتها مع مصر، وقدمت برهانها على قناعاتها الجديدة.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة