انتهى خطاب أمير قطر كما بدأ. لم يبقَ منه شيء. ذهب مع الريح كما خطاباته السابقة، وكما دبلوماسية بلاده طوال ثمانية أشهر من الأزمة.
من ميونيخ هذه المرة ألقى أمير قطر خطاباً هو الرابع منذ بداية أزمة بلاده ومقاطعتها من قبل الدول الأربع. لم يتغير مضمون الخطاب عما سبقه؛ جميعها تدور في فلك المظلومية والاستمرار في مساعي تدويل الأزمة؛ حتى مع نفض القوى الكبرى يدها تماماً.
سعى الشيخ تميم لاستعطاف الحاضرين بأن بلاده «صغيرة»، وتواجه جيرانها «الطامعين»، واصفاً الأزمة بأنها «عديمة الجدوى افتعلت من قبل جيراننا»، لكنه لم يوضح لمن خاطبهم، ما دامت أنها أزمة عديمة الجدوى، وما دامت أن بلاده «باتت أكثر قوة من الماضي»، فلماذا هذه الخطابات المتتالية في كل محفل دولي، والإصرار على تبرير موقف قطر مرة تلو الأخرى، بينما لم يظهر أحد من قادة الدول الأربع، مثلاً، ولو مرة واحدة ليتكبد عناء الحديث في مؤتمر دولي أو غيره عن الأزمة ذاتها؟!.
ما يثير العجب في كيفية أن تكون ذات سيادة في الوقت الذي تسمح فيه لإيران باستغلالك بصفتك حاكماً في تمرير أجندتها، مع الإشارة إلى أنه عندما لفت إلى أن «السياسات المتهورة لبعض دول الخليج قوّضت أمن المنطقة»، فهو يعني جيرانه ولا يقصد إيران إطلاقاً. من يتخيل أن يأتي اليوم الذي يصطفّ فيه أمير قطر مع إيران ويتحدث بصفته وكيلاً عنها
وإذا كانت قطر فعلاً، كما يقول أميرها «باتت أقوى» وإن «الحصار فاشل»، فلِمَ لا يفعل كما فعلت الدول الأربع، يرمي الأزمة وراء ظهره، ويتفرغ لإدارة شؤون دولته. الحقيقة المرة التي يعرفها العالم ولا تريد قطر الاعتراف بها، أن كل القضايا في الدوحة أصبحت لا معنى لها ولا أهمية، والقضية الوحيدة المؤرقة ذات الأولوية القصوى هي مقاطعتها من قبل جيرانها.
ربما اللافت في خطاب أمير قطر هو تبنيه المطالب الإيرانية بإنشاء منظومة إقليمية أمنية، عندما دعا إلى البدء «باتفاقية أمنية إقليمية تجعل الاضطرابات في المنطقة شيئاً من الماضي»، وإذا كانت الدعوات الإيرانية المتكررة لهذه المنظومة مفهومة باعتبار أنها تريد أداة تساعدها على مواصلة استراتيجيتها في التدخل بشؤون دول المنطقة، فإن الحديث من قبل الشيخ تميم نيابة عن النظام الإيراني، يثبت الاتهامات التي ساقتها الدول الأربع عن العلاقة المريبة بين طهران والدوحة، فليس لقطر أي مصلحة من قبل هذه المنظومة غير القابلة للتطبيق، ومصلحة الدوحة الوحيدة هي تحقيق رغبة إيرانية لا أكثر، ومع هذا يعود الشيخ تميم للقول إن بلاده «حافظت على سيادتها»، وهو ما يثير العجب في كيفية أن تكون ذات سيادة في الوقت الذي تسمح فيه لإيران باستغلالك بصفتك حاكماً في تمرير أجندتها، مع الإشارة إلى أنه عندما لفت إلى أن «السياسات المتهورة لبعض دول الخليج قوّضت أمن المنطقة»، فهو يعني جيرانه ولا يقصد إيران إطلاقاً.
من يتخيل أن يأتي اليوم الذي يصطفّ فيه أمير قطر مع إيران ويتحدث بصفته وكيلاً عنها، ولا يرى سياساتها متهورة، فيما مستشار الأمن القومي الأميركي يقول أمس إن إيران «تؤجج النزاعات المدمرة، ويجب وقف أنشطتها التي تزعزع استقرار المنطقة».
انتهى خطاب أمير قطر كما بدأ، لم يبقَ منه شيء، ذهب مع الريح كما خطاباته السابقة، وكما دبلوماسية بلاده طوال ثمانية أشهر من الأزمة، وبدلاً من المحاولات الحثيثة للذهاب بعيداً عن أصل الأزمة، وبدلاً من السفر إلى نيويورك وميونيخ وماليزيا وباريس وغيرها، ليت الشيخ تميم يشرح للعالم لماذا لم ينفذ ما تعهد به في جميع البنود التي طالبته بها دول الخليج؛ بهدف تأسيس مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية في اتفاق الرياض 2013 - 2014، عندما وقّع بخط يده على بند يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد بلاده في حال عدم التزامها، كما وقّع وتعهد بوقف دعم تنظيم الإخوان المسلمين، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون الخليجي، وعدم تقديم الدعم إلى أي تنظيم أو فئة في اليمن تخرب العلاقات الداخلية أو العلاقات مع الدول المحيطة، وكذلك الالتزام بالتوجه السياسي الخارجي العام الذي تتفق عليه دول الخليج، وإغلاق المؤسسات التي تدرب مواطنين خليجيين على تخريب دولهم.
يا ترى هل يستطيع أمير قطر تبرير نكوثه عن تعهداته تلك التي هي داء الأزمة ودواؤها، والحديث عنها ولو مرة واحدة فقط؟!
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة