الربيع الدموي، الذي يسميه المتأسلمون (الربيع العربي)، كان أفضل مثال على ما أقول؛ فقد كان بمنزلة المطية التي امتطاها المتأسلمون
هزيمة داعش كانت مكلفة بالنسبة للعراق بكل المقاييس، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا وليبيا ومصر أيضا، إلا أن من إيجابياتها، أنها كشفت للإنسان العربي المسلم البسيط، كم هو خطير ومدمر البحث عن الحلول لمشكلاتنا الحياتية باستيرادها من تلافيف التراث الموروث.
فكرة (دولة الخلافة) الداعشية -مثلا- استوردها الدواعش كفكرة من بعض الأحاديث النبوية، وقد تنافست الجماعات المتأسلمة المسيسة بجميع توجهاتهم، على الفوز بتقديمها كحل سياسي (مُجرب) وجاهز للإنسان المسلم، على اعتبار أن ثمة أحاديث نبوية بشرت بها؛ ما يرفعها كنموذج إلى مستوى الحقيقة الإيمانية القطعية؛ الأمر الذي يجعل تطبيقها -كما جاء في منشور للإخوان- كتطبيق الفرائض الإسلامية، وليس لديَّ أدنى شك أن مثل هذه الأحاديث، التي لا يعلم صحتها إلا الله، كانت وراء استقطاب كثير من الأتباع، الذين التحقوا بداعش حينما أعلنت دولة الخلافة، سواء في العراق أو سوريا، مؤمنين إيمانا يقينيا، أنهم يلتحقون بالدولة التي وعد الله بنصرها عباده الصالحين، وأنها ستنتصر (حتما) في نهاية المطاف.
لذلك فإن سقوط داعش، وقبله -أيضا- سقوط دولة جهيمان وخرافة المهدي، أدى إلى سقوط هذه المقولات الخرافية، ونحن -في تقديري- في أمسّ الحاجة لانكشاف هذه الأساطير الموروثة، ليعرف الإنسان المسلم (المتخلف) أن الحل التنموي، وبناء دولة الحضارة، والتخلص من الجوع والفقر والجهل الذي يكتنف أغلب الدول الإسلامية، ليس في البحث عن حلول له في كتب التراث، وإنما في الواقعية والعقلانية والعمل الجاد للاستفادة مما وصل إليه العالم المعاصر المتفوق، من علوم واكتشافات واختراعات، جعلت إنجازاتهم في المجالات الحياتية كافة قيد السمع والبصر، ولم تعرفها الحضارات السابقة، بما فيها الحضارة الإسلامية، التي يدّعي المتأسلمون أنهم سيوقظونها، بعد أن يستمدوا أسرارها من تراثنا التليد.
الإرهاب الذي ابتدعه المتأسلمون، ونسبوه إلى (الجهاد)، والجهاد منه براء، لا يمكن للعالم اليوم أن يجتثه اجتثاثًا كاملاً إلا بنهاية دولة الملالي في إيران، واجتثاث نظام الحمدين في قطر الذي فتح أبواب ثروات قطر على مصاريعها للمتأسلمين الثوريين
الربيع الدموي، الذي يسميه المتأسلمون (الربيع العربي)، كان أفضل مثال على ما أقول؛ فقد كان بمنزلة المطية التي امتطاها المتأسلمون، فأحيوا (الجهاد)، وبهرها هؤلاء الأفاكون بالأساطير الكاذبة، مدّعين أن ثوراتهم (الجهادية) كانت تشارك فيها ملائكة السماء -كما قال أحدهم في إحدى خطبه- لذلك فهي معركة بين الكفر والإيمان كما يزعمون، غير أن كل تلك الادعاءات المفبركة الكاذبة، أنتجت من الكوارث، وأسالت من الدماء، وشردت من الشعوب، وأهلكت من الحرث والنسل، ما رأوه بأعينهم على شاشات الفضائيات، ليكتشف الإنسان العربي الذي اتبع هؤلاء المتأسلمين، أنه كان يُطارد باتباعه لهم سرابا خداعا في صحراء يحفها الظمأ والكذب والخرافات من كل حدب وصوب.
وأنا على يقين تام بأن الأغلبية العظمى من العرب اكتشفت الآن حقيقة هؤلاء الأفاكين، وأدركوا أن الحلول لا يمكن أن تأتي من الماضي، والعودة بمجتمعاتنا إلى الوراء، وأن أولئك المتأسلمين المحتالين كانوا يروّجون لسلطاتهم، والوصاية على مجتمعاتهم، فيستغلون التراث الموروث لخداعهم، والتغرير بهم.
بقي أن أقول إن الإرهاب الذي ابتدعه المتأسلمون، ونسبوه إلى (الجهاد)، والجهاد منه براء، لا يمكن للعالم اليوم أن يجتثه اجتثاثا كاملا إلا بنهاية دولة الملالي في إيران، التي توظف التراث والموروث الشيعي لخدمة مشروعاتها التوسعية، واجتثاث نظام الحمدين في قطر الذي فتح أبواب ثروات قطر على مصاريعها للمتأسلمين الثوريين، ليمولوا به الخراب والدمار والقتل والإرهاب في كل بلدان العرب. ودون أن يصل العالم المعاصر إلى هذه القناعة، ويحاصر إيران وقطر، محاصرة فاعلة ومحكمة وقوية، فلن ينتهي الإرهاب، وسيظل الشرق والغرب يُعانيان منه طويلا.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة