الأزمة القطرية قلّبت موازين الأوضاع في اليمن، فاستمرار الحرب مع الحوثيين لم يعد يخدم الحوثيين وموجههم الإيراني فقط؛ بل أصبح يخدم قطر
بلغت مأساوية المشهد اليمني ذروتها خلال الأسابيع الأخيرة؛ بخلو الجو للعصابة الحوثية لتصل عربدتها أقصى ما يمكن بعد أزمتهم مع شريكهم السابق (المؤتمر الشعبي) وغدرهم بالرئيس علي عبد الله صالح؛ وما يمارسونه من قتل لعناصر الحرس الجمهوري الموالين له وقيادات حزب المؤتمر الشعبي في صنعاء؛ هذا فضلاً عن استمرار جرائمهم بحق الشعب اليمني منذ انقلابهم على الشرعية.
كان واضحاً أن الأزمة القطرية قلّبت موازين الأوضاع في اليمن، فاستمرار الحرب مع الحوثيين لم يعد يخدم الحوثيين وموجههم الإيراني فقط؛ بل أصبح يخدم قطر بالدرجة الأولى؛ لذلك أصبحت قطر تتولى إدارة هذا الملف مع حليفتها إيران بشكل مباشر.
بعد مقتل الرئيس صالح؛ أبلغني أحد القيادات البارزة في المؤتمر الشعبي أن دولة قطر هي من أعطت الضوء الأخضر للحوثيين بقتل علي عبد الله صالح؛ كما أنها مارست ضغوطاً دولية كبيرة لتحول دون إنقاذ الرجل بعد إعلانه فك الارتباط مع الحوثيين؛ قاطعة أمامه فرصة شبه مؤكدة لقلب المعادلة سياسياً وعسكرياً في الوقت نفسه.
الأزمة القطرية قلّبت موازين الأوضاع في اليمن، فاستمرار الحرب مع الحوثيين لم يعد يخدم الحوثيين وموجههم الإيراني فقط؛ بل أصبح يخدم قطر بالدرجة الأولى لذلك أصبحت قطر تتولى إدارة هذا الملف مع حليفتها إيران بشكل مباشر
لقد وعى الرئيس صالح مبكراً الحقد القطري على المملكة العربية السعودية ومحاولتها جعل اليمن أرضاً لنفث أحقادهم على بلاد الحرمين والنَيْل منها؛ وفي المقابل كان واضحاً للحكومة القطرية أن الرئيس صالح غير مستعد لتنفيذ نواياها ضد المملكة العربية السعودية؛ ولا يعني ذلك أن الرئيس صالح ليس لديه مصالحه الخاصة التي تحدد أولوياته في علاقاته الخارجية، وربما لا يكون ذلك حباً في المملكة العربية السعودية، وهو الذي يصف نفسه بإجادة الرقص على رؤوس الأفاعي.
ويخفى على الكثيرين أن الدعم القطري للحوثيين حال دون تلبية الولايات المتحدة لطلب الرئيس صالح خلال حكمه إدراج الحوثيين ضمن قائمة المنظمات الارهابية، رغم أن الحوثيين ينادون في كل دقيقة بالموت لأمريكا ويرتكبون جرائم ارهابية في الشعب اليمني وحلفاء الولايات المتحدة.
كانت قاصمة الظهر في علاقة الرئيس صالح مع قطر هي رفضه حضور القمة العربية الطارئة (قمة غزة) التي عُقِدت في الدوحة حيث غلّب صالح مصالحه مع المملكة العربية السعودية على قطر، علماً بأنه هو من دعا لهذه القمة.
معلوم أن المشاركة القطرية في التحالف العربي لإعادة الشرعية كانت على استحياء، وجاءت لتلبية غايات في نفس قطر، أولها محاولة إسقاط علي عبد الله صالح من المشهد اليمني، وذلك لتنفيذ النوايا القديمة ضد المملكة العربية السعودية وثانيها دعم تنظيم الإخوان لتولي سدة الحكم في اليمن، وثالثها تمكين الحوثيين من السيطرة على الحدود اليمنية السعودية لتكون ورقة بيدهم جاهزة للاستغلال في أي وقت .
إلا أن التحالف العربي كشف النوايا القطرية ما استدعى إخراجها من التحالف العربي؛ فأضحت محاولاتها بعد الأزمة لتنفيذ أجندتها في اليمن مكشوفة؛ و لذلك كان لابد من إقصاء علي عبد الله صالح من المشهد على عجل، حيث تعتبره قطر العقبة الوحيدة التي تحول دون تنفيذ نواياها.
وفي الأيام الأخيرة للرئيس صالح عرضت عليه قطر وساطة من خلال وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي تحدث مع وزير الخارجية اليمني السابق أبوبكر القربي، وأبلغه استعداد قطر لعقد مصالحة مع الحوثيين وتقوية تحالف المؤتمر والحوثي بالمال والسلاح، ودعمهم في حربهم مع التحالف العربي؛ إلا أن الرئيس صالح رفض هذا العرض ما جعل قطر تعطي الضوء الأخضر للحوثيين بتصفيته .
من ناحية أخرى عقدت قطر اتفاقية سرية بين حزب الإصلاح والحوثيين، وقد وقَّع هذه الاتفاقية، حسب مصدري، رئيس كتلة الاصلاح في مجلس النواب زيد الشامي، حيث تم الاتفاق على وقف جبهات "نهم" و "صرواح" و" تعز"، وذلك ليسحب الحوثيون قواتهم باتجاه صنعاء، وكان ذلك بعد إعلان صالح فك شراكته مع الحوثيين وقد هدأت فعلاً هذه الجبهات، كما أن قوات الإصلاح كان بإمكانها التحرك إلى صنعاء بعد إعلان الرئيس صالح فك شراكته مع الحوثيين، وفرض السيطرة عليها إلا أن هذا الاتفاق برعاية قطرية حال دون ذلك.
وتزامناً مع ذلك فإن وسائل الإعلام القطرية ومنذ انسحاب قطر من التحالف تشن حملة شعواء على دول التحالف العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة .
بعد فك الرئيس صالح لشراكته مع الحوثيين كانت قواته قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وقد ظهر ذلك جلياً في الخطاب الذي ألقاه رئيس مليشيا الحوثي الإيرانية عبد الملك الحوثي، حيث كان واضحاً من الخطاب أن فك الشراكة مع الرئيس صالح شكّل خطراً حقيقياً عليهم، وأن الأمور قد تتطور بشكل سريع لتجعلهم يفقدون السيطرة على صنعاء. ذلك كان سيشكل ضربة قوية لدولة قطر التي مدّت يد العون للحوثيين نكاية في دول التحالف وخصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة .
الفشل القطري على جميع المستويات في حل أزمتها مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب جعل قطر تعمل بكامل قوتها على استمرار الحرب في اليمن، وذلك لاستنزاف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تعتبر حرب اليمن الورقة الأخيرة في يد قطر، وستعمل على استغلالها لتغذية هذه الحرب على حساب أرواح الشعب اليمني البسيط، وذلك لتلبية الحوثيين للرغبات القطرية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف وضعت قطر يدها بيد إيران ودعمتها اقتصادياً وسياسياً ومولت صواريخها الباليستية لزعزعة استقرار المنطقة، وما هذه الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على بلاد الحرمين الشريفين إلا دليلاً مادياً على أحقية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في الإجراءات التي اتخذتها ضد قطر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة