برقيات أمريكية تكشف المستور في العلاقة بين قطر وإسرائيل وإيران
دبلوماسية قطر امتهنت التحريض على الدول العربية الكبرى، مرورا بالدفاع عن المشروع النووي الإيراني، وصولا إلى حماية إسرائيل
سعت قطر على مدى سنوات إلى إبراز نفسها كنصير للقضايا العربية، لكن برقيات سرية صاغها دبلوماسيون أمريكيون، واطلعت عليها بوابة "العين" الإخبارية، كشفت ما كانت تخشى الدوحة ظهوره للعلن.
كشف المستور بدأ بتحريض الدوحة على الدول العربية الكبرى، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر، مروراً بالدفاع عن المشروع النووي الإيراني، وصولاً إلى حماية إسرائيل.. هكذا يمكن وصف "الدبلوماسية" القطرية.
البداية بإيران
فقد حذر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في لقاء عقده، بصفته ولياً للعهد، مع أعضاء في الكونجرس بالعاصمة الدوحة، يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2007، من أن عدم حل مشكلة الملف النووي الإيراني دبلوماسياً سيتسبب في حرب تضر إسرائيل.
ونقل عنه السفير الأمريكي لدى قطر ، حينها، مايكل راتني، في برقية نشرها موقع التسريبات"ويكليكس" واطلعت عليها بوابة "العين" الإخبارية قوله إن الدوحة "تعتقد أنه يجب حل مسألة النووي الإيراني دبلوماسياً، وإلا فإن الله يعلم ماذا سيحدث. الحرب ستخلق مشاكل كبيرة للمنطقة بما في ذلك لإسرائيل".
ولا ينفرد تميم بموقفه هذا، إذ سبقه اليه والده حمد الذي يتضح أنه سعى إلى اتفاق أمريكي-إيراني.
فخلال لقاء مع نائب وزير الدفاع الأمريكي جوردون أنغلاند في العاصمة الدوحة، يوم 6 أغسطس/آب 2008، أجاب أمير قطر السابق على مخاوف الضيف الأمريكي من استخدام إيران الأسلحة النووية في حال امتلاكها، بالقول: "لا أعتقد أن طهران ستستخدم هكذا أسلحة إلا في حال الدفاع عن نفسها"، مضيفاً "طهران لن تتخلى عن طموحاتها النووية بسهولة".
أما وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري أحمد بن عبد الله آل محمود ، فقد أبلغ سفراء الولايات المتحدة ودولاً أوروبية في الدوحة، أن بلاده لا توافق على عزل إيران أو قصفها أو جعلها عدواً، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها ودية.
ونقل السفير الأمريكي لدى الدوحة جوزيف لابارون في البرقية السرية التي كتبها يوم 29 مارس/آذار 2009 عن آل محمود، إشارته إلى إيران، بالقول: "سنكون جيراناً إلى الأبد. إن الغالبية من الأصول الهيدروكربونية، حقل الشمال، تتشاطر مع إيران".
وأضاف الوزير القطري: "إذا ما كانت قطر ستجعل من إيران عدواً، فإن قطر بذلك تضحي بأمنها القومي. لا يمكننا ولن نفعل ذلك".
علاقة وطيدة مع إسرائيل
وتكشف الوثائق عن علاقة وطيدة، استحقت مديح وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، بين الدوحة وتل أبيب.
وفيما أعلنت قطر عن تجميد مكتب التمثيل الإسرائيلي، فإن برقية سرية أمريكية، اطلعت عليها بوابة "العين" ، كشفت عن أن الدوحة عرضت بعد أقل من شهر، على تل أبيب، إعادة فتح المكتب، ولكن الأخيرة رفضت هذا العرض.
وتبرز البرقية أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، تسيبي ليفني، قدّرت دعوة قطر لها لزيارة الدوحة في عام 2008 "في وقت لم يفعل فيه معتدلون عرب آخرون أي شيء ملموس لدعمها سياسياً"، وفق قولها.
وبحسب برقية سرية كتبتها السفارة الأمريكية في الدوحة يوم 12 يناير/كانون الثاني 2009، فإنه خلافاً لإعلان الدوحة إغلاق مكتب التمثيل الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن الإغلاق لم يتم فعلاً.
وأضافت "في الواقع، فإن الموظفين الإسرائيليين استمروا بالتواجد في قطر، مع الحفاظ على مكانة منخفضة، إلى حين استؤنفت عمليات المكتب العادية".
عرض قطري لم تقبله إسرائيل
وفي برقية سرية يوم 13 فبراير/شباط 2009، كتبت السفارة الأمريكية بتل أبيب، أن قطر قدمت عرضاً لإسرائيل بإعادة فتح مكتبها التجاري ولكن الأخيرة رفضت هذا العرض.
وجاء في نص تلك البرقية: "قال هداس إن القطريين عرضوا على إسرائيل إعادة فتح المكتب التجاري، ولكن من خلال موظفين محليين، على أن يزور دبلوماسيون إسرائيليون المكتب مرة كل شهر".
أما الرد على ذلك فنقله هداس بأن إسرائيل "أبلغت القطريين في وقت سابق أنها لن تستمر في القيام بالأعمال كالمعتاد مع استمرار التجميد".
وفي هذا الصدد، فقد اعتبر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في لقاء مع أعضاء في الكونجرس بالعاصمة الدوحة، يوم الخامس من أكتوبر/تشرين أول 2007، بصفته ولياً للعهد، أنه ينبغي على المنطقة بأكملها أن تتفاوض مع إسرائيل.
وقال تميم، بحسب البرقية الأمريكية: "نعتقد أن السلام مع إسرائيل هو الحل الوحيد، وأن الناس في المنطقة بدأوا يفهمون بأن التقدم في عملية السلام يتطلب علاقات مع تل أبيب، وهو ما فعلته قطر وما ينبغي على الدول الأخرى أن تفعله أيضاً، سواء اتفقت هذه الدول مع إسرائيل أم لا، فإنه ينبغي على المنطقة بأكملها أن تتفاوض معها".
مهاجمة السلطة الفلسطينية والسعودية ومصر
وفي المقابل، يتضح أن الدوحة سعت لاستغلال علاقتها بحركة حماس في تعطيل المصالحة الفلسطينية، وإلقاء اللائمة في ذلك على مصر، لتصوير الأخيرة ورئيسها الأسبق محمد حسني مبارك أمام الولايات المتحدة والعالم على أنها عقبة في طريق السلام والاستقرار في المنطقة.
فقد أفشى رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، عن مكنونات صدره تجاه مصر، في جلسة مغلقة عقدها مع السيناتور الأمريكي حينها جون كيري.
"بن جاسم" وفقاً لبرقية سرية كتبها السفير الأمريكي الأسبق لدى الدوحة جوزيف لابرون في 24 فبراير/شباط 2010، اطلعت عليها بوابة "العين" الإخبارية، قال لكيري إن "مصر معنية بإطالة أمد جهودها في المصالحة بين الفلسطينيين لأطول فترة ممكنة باعتبار أن وساطتها هذه هي المصلحة الوحيدة التي تجمعها مع الولايات".
وزعم بن جاسم أن مصر والمملكة العربية السعودية لم تشجعا الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على الدفع باتجاه اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي، رغم رغبته بذلك وطلبه منهما المساعدة دون أن يحصل عليها.
واستهل حديثه بتوجيه النقد للرئيس الفلسطيني محمود عباس، قائلاً: "لقد صعد على الشجرة عندما طرح موضوع الاستيطان ولا يمكنه النزول عنها".
وتكشف البرقية الأمريكية أن "بن جاسم قال إنه التقى في الدوحة مؤخراً وفداً إسرائيلياً وأخبره أنه من الخطأ العمل مع طرف فلسطيني واحد، (فتح)، وتجاهل حماس".
وأضافت البرقية "بن جاسم أشار إلى أنه كان واضحاً من محادثات أجراها مع قيادة حماس أن الحركة جاهزة للقبول بحق إسرائيل في الوجود، ولكن هذا القبول يجب أن يتم تدريجياً وليس في يوم واحد".
وفي محاولة لتقديم مصر والسعودية على أنهما العقبة في طريق السلام، قال بن جاسم "التقدم بطيء، وتقريب الطرفين باتجاه المصالحة تعيقه السياسة العربية، يمكن أن تتم المصالحة، ولكن فقط إذا سمحت البلدان الأكبر في المنطقة بذلك".
من أجل "الأنا" القطرية
وتحدثت برقية سرية أخرى كتبتها السفارة الأمريكية في الدوحة في يناير/كانون الثاني 2009، عن أن الهدف من المؤتمر الذي عقدته قطر حول غزة خلال حرب 2009، لم يهدف إلى خلق جبهة عربية معادية لإسرائيل وإنما لإظهار قطر كبطلة للعرب، مشيرة إلى أن المؤتمر أخفق في تحقيق النصاب القانوني المطلوب.
ولفتت البرقية الأمريكية إلى أنه "من الواضح أن قمة الدوحة الطارئة في 16 يناير من ذلك العام، لم تهدف إلى محاولة خلق موقف عربي موحد حول العملية الإسرائيلية في غزة، لقد كانت القمة المقتطعة تعبيراً عن المشاعر القطرية والأنا (الذاتية) والأيديولوجية".
وأضافت "وفي وضع نفسها في قيادة هكذا موقف، فإن قطر تعتقد أنها ستحسن مكانتها في الرأي العام العربي، وينظر إليها باعتبارها بطلة العرب".
طائرة خاصة لبشار الأسد
وإن كانت قطر تحاول إبراز نفسها كمدافعة عن الشعب السوري فإن أفعالها تناقض أقوالها.
فقد كتب الدبلوماسي تشارلز هنتر في برقية سرية وجهها إلى وزير الخارجية الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية (CIA) ووزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، في الأول من فبراير/شباط 2010، أن رئيس مكتب وزير الخارجية السوري آنذاك بسام صباغ، أبلغه بأن أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني قدم طائرة خاصة كهدية للرئيس بشار الأسد.
وتابع: "الطائرة هي من نوع "إيرباص 340" تم تصنيعها في عام 2002، وبيعت لطيران الصين في عام 2003، وفي عام 2007 بيعت إلى شركة طيران ماندارين في تايوان قبل أن تشتريها الحكومة القطرية في العام التالي".
واستطردت البرقية الأمريكية "لاحقاً أرسلت قطر الطائرة إلى تكساس (بالولايات المتحدة)، حيث تم تعديلها إلى طائرة كبار الشخصيات (VIP)، وأعيدت إلى الدوحة وأصبحت تحمل الرقم (A7-AAH".
مهاجمة العراقيين ورئيسهم
أمير قطر السابق أيضاً هاجم العراقيين، فخلال لقاء مع نائب وزير الدفاع الأمريكي جوردون أنغلاند، في العاصمة الدوحة، يوم 6 أغسطس/آب 2008، قال عند سؤاله عن العراق، إن "العراقيين هم أناس صعبين، ولا يمكن أن نثق بهم، ومن الواضح أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تغادر العراق على الفور".
وتم تلخيص الاجتماع في برقية سرية صاغها السفير الأمريكي لدى قطر جوزيف لابارون يوم 12 من الشهر نفسه.
وذكرت البرقية في نقلها عن أمير قطر السابق أن "التحدي هو العثور على زعيم قوي يمكنه السيطرة على العراق.. جلال طالباني ليس قائداً قوياً".
حتى القطريين لم يسلموا من شر الحمدين
إحدى الوثائق التي اطلعت عليها بوابة "العين" الإخبارية، أشارت الى أن الدوحة أسقطت جنسيات آلاف القطريين بداعي حصولهم أيضاً على الجنسية السعودية.
وقالت الوثيقة التي نشرها موقع التسريبات "ويكيليكس" إن ما بين 6000-10000 قطري من "الغفران" وهم أحد أفرع قبيلة "آل مرة" فقدوا جنسياتهم بادعاء ازدواج الجنسية، لافتة إلى أن لهذه القبيلة صلات قوية مع المملكة العربية السعودية وأفرادها من أصل سعودي.
وجاء في نص الوثيقة التي كتبها السفير الأمريكي في الدوحة شيس انترمير، يوم 10 مايو/آيار 2005: "رؤساء الأسر تلقوا رسائل من وزارة الداخلية تبلغهم بأن جنسياتهم قد شُطبت، وأنه ينبغي على هؤلاء الأفراد التوقيع على وثيقة بالموافقة على التخلي عن جميع حقوق الجنسية والمواطنة القطرية".
ومضت "بعد التوقيع، فإنه ينبغي على هؤلاء الأفراد إما مغادرة البلاد إذا كانت لديهم جنسية أخرى أو العثور على كفيل قطري من أجل البقاء في البلاد، وقد تم سجن بعض من رفضوا التوقيع على وثيقة التخلي عن الجنسية".
وتُلفت البرقية إلى أن" قانون الجنسية لعام 1961 والتعديلات اللاحقة تحدد معايير الجنسية. وبموجب التعديل الذي جرى في عام 1963 على قانون 1961 فإن (القطريين الأصليين هم أولئك الذين كانوا مقيمين في قطر قبل عام 1930 وحافظوا على معيشتهم الطبيعية بموجب قانون التجنس حتى عام 1963".
وفيما أوردت البرقية أن "المسؤولين الحكوميين يزعمون أن الحاصلين على جنسية مزدوجة يفقدون جنسيتهم بموجب القانون القطري"، فقد قالت إن القانون القطري لا يحظر ازدواجية الجنسية، لكنه ينص على أنه يمكن سحب الجنسية القطرية إذا كان الفرد قد اكتسب جنسية أخرى.