سفير روسيا السابق لدى قطر يكشف سر الاعتداء عليه بمطار الدوحة
فلاديمير تيتورينكو يسرد التفاصيل الكاملة والسبب الحقيقي وراء اعتداء القطريين عليه بالضرب في مطار الدوحة، كما أشاد بردود فعل دول الخليج.
كشف السفير الروسي السابق لدى قطر فلاديمير تيتورينكو عن أسرار وكواليس حادث الاعتداء عليه بالضرب على يد السلطات في مطار الدوحة عام 2011، مطالبا بتقديم حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري في هذه الفترة إلى المحاكمة الدولية بعد الاعترافات التي أدلى بها.
وفي جزء جديد وأخير من سلسلة حلقات السفير الروسي عن قطر مع قناة "روسيا اليوم" الإخبارية، أكد تيتورينكو أن السبب وراء الاعتداء عليه في مطار الدوحة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها حديثه الدائم والمتكرر حول سبل مكافحة الإرهاب.
وتابع: "كان تصرفهم موجهاً ضدي أنا شخصياً.. فبصفتي ممثلا لروسيا سبق وقد عقدت مؤتمرات صحفية طرحت خلالها وجهة نظر بلادي بكل وضوح وصراحة، وكان صوتي يتعالى من مركز دعم الإرهابيين في الدوحة مدينا هذا الإرهاب العالمي".
وحول تفاصيل الاعتداء عليه في مطار الدوحة أكد أن الحادث هو الأول من نوعه في التاريخ، الذي يتعرض خلاله سفير دولة أعزل للضرب من سلطات الدولة التي يقيم فيها كسفير، مشيرا إلى اشتراك 15 مسلحا من الشرطة القطرية في الاعتداء عليه.
وأوضح تيتورينكو أن السلطات القطرية أرادت بما يخالف القانون فحص البريد الدبلوماسي الخاص بالسفارة الروسية، وأن ذلك جاء بأوامر من رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية آنذاك حمد بن جاسم آل ثاني، حسب اعتراف مدير ديوان رئيس الوزراء عبدالله السليطي.
وأضاف أن القطريين تعاملوا معه معاملة غير إنسانية في مطار الدوحة، ورفضوا السماح له بقضاء حاجته، وكذلك رفضوا السماح للطبيب الروسي بأن يقوم بفحصه في انتهاك واضح لكل القواعد الدولية.
وقال السفير الروسي السابق لدى الدوحة إنه أراد مغادرة قطر وتجنب المشكلات مع السلطات، ولكنهم رفضوا وأصروا على فحص البريد الدبلوماسي، قائلا: "لأننا نعرف العربية جيدا سمعتهم يتحدثون في حديث جانبي قالوا سننتظر فقط 10 دقائق أو ربع الساعة وبعدها سننترع منه البريد ونفحصه بالأشعة عنوة.. هذا ما سمعته من حديثهم".
وأردف: "تشاورنا على وجه السرعة، وبات واضحا أن القطريين سيلجأون للقوة، وأنا لم أكن على علم تام بمحتويات بريدنا، وهذا يعني أننا إذا عرضناه للأشعة ستكون هناك مشكلة على مستوى دولي.. لقد تصرفت وفقا لقواعد نقل البريد الدبلوماسي وأي محاولة للاستيلاء عليه أو تفتيشه تعد سببا لاستخدام أي وسيلة من وسائل المقاومة بما فيها استخدام السلاح".
وزاد: "البريد الدبلوماسي شيء مقدس، فقد يحتوي على أشياء سرية مثل شفرات الاتصال وغيرها، وأنا لم أكن أعرف كل ما يحتويه البريد الدبلوماسي، وقد تكون هناك تعليمات تتعلق مثلا بكيفية التصرف مع الأمير القطري وهذه أمور مهمة جدا".
ولفت السفير تيتورينكو إلى أنه كان يحمل رسالة من الخارجية القطرية أرسلت نسخة منها إلى إدارة الجمارك القطرية تتضمن السماح بمرور 3 حقائب دبلوماسية للسفارة الروسية تصل من عمان إلى الدوحة، بتاريخ 29 من نوفبر/تشرين الثاني، على رحلة الخطوط الجوية القطرية رقم 401 مع سفير روسيا في الدوحة.
وأشار إلى أنه بعدما تأكد من أن وجود الوثائق لا يوفر له الحماية وأنهم سيلجأون للقوة خرج من المطار وجلس في سيارته الدبلوماسية التي تحمل العلم الروسي، وشرع في التحرك بها إلا أنه تم اعتراضها عن طريق حراسته الشخصية، قائلا: "فقد كان لي أفراد حماية خصصها لي القطريون وخصصوا مثلها للسفير الأمريكي من الإرهابيين المحتملين، وها هم أفراد مفرزة الحراسة هذه يعترضون الطريق أمام سيارتي للحيلولة دون خروجي من منطقة المطار".
وواصل السفير الروسي السابق في الدوحة: "اندفع الحراس نحوي ونحو 10 من رجال الشرطة بلباسهم الرسمي يحملون مسدساتهم، نحو سيارتي وحاولوا فتحها لإخراجي منها مع مستشاري الذي كان جالسا قربي ولكنه خرج من السيارة في مناورة منه لإلهائهم وقد وضعنا جزءاً من البريد الدبلوماسي أسفل السيارة، ثم خرجت من السيارة من الناحية الأخرى، ووجدنا أنفسنا في موقف عمومي للسيارات".
وأكد أنهم أمسكوا بتلابيبه وشدوه من سترته وراحوا يجذبونه نحوهم مستخدمين العنف المباشر ضده،و بعد ذلك وجه له أحدهم ضربة قوية جدا في الساق، في محاولة لطرحه أرضا ليترنح ويسقط على الأسفلت إلا أنه لم يفلت الأوراق من يديه، بل احتضن الحقيبة وما تبقى من البريد، وعندها لم يكن بإمكانهم أن يفعلوا شيئا، فقد حجبت البريد عنهم بجسمه، واقترب مستشاره منه كما وصل القنصل الذي صور جميع المشاهد بعدسة هاتفه.
ويروي ملابسات اللحظات التالية قائلا: "عندئذ طوقتني الشرطة وكان عددهم يقارب الـ15 شخصا، والجميع مسلح وبالزي الرسمي، وإذ أدركوا استحالة انتزاع البريد مني في هذه الوضعية أخذوا يضربونني بأقدامهم آملين بأن تتيح لهم تلك الضربات سحب الأوراق من تحتي وسلب بريدي، تحول الأمر إلى محاولة انتزاع البريد الدبلوماسي بالعنف من خلال هجوم فاضح على السفير الروسي داخل أراضي قطر".
واسترسل: "ضربوني ضربا مبرحا زحزح أضلعي، وعندما رأوا أن لا فائدة من ذلك ضربوني 3 مرات على رأسي بأحذيتهم العسكرية الثقيلة.. فعلوا ذلك أمام الركاب الخارجين من المطار".
وأشار إلى أن ضربات عناصر الشرطة القطرية أصابته في الرأس والأضلاع، وتبين بعد ذلك أن لديه تمزقا في شبكية العين وما ينجم عن ذلك من مضاعفات، كما أصيب مستشاره في كتفه وأماكن أخرى بالجسد بكدمات كبيرة بسبب دفعهم له هو والقنصل الروسي الذي أصيب في رقبته".
ونوه إلى أن القطريين عندما أدركوا أنهم تجاوزوا الحد المعقول ابتعدوا عنه فتمكن من النهوض والسير على قدمه.
وتابع: "وصل عندئذ الدبلوماسي المناوب من الخارجية ومدير المراسم فقلت لهم هل تدركون ما حدث للتو.. هذه فضيحة على المستوى الدولي، نحن خارجية وهم داخلية ولا نتدخل في عملهم، فقررت المضي قدما فأوقعوني على الأرض مجددا وانهالو عليّ بالضرب في محاولة لانتزاع البريد".
وأوضح أنهم انتزعوا الهواتف المحمولة منه وزملائه ومسحوا منها كل ما صوروه وسجلوه وبمحض الصدفة بقيت الصور في هاتف القنصل فقط.
وأشار السفير الروسي السابق إلى أنه في أثناء الحادث أثيرت من جديد جلبة مفتعلة في المنطقة، وفيما بعد علم أنهم كانوا يركضون نحو المطار لاستقبال مدير جهاز الأمن وهو بريطاني الملامح نحيل القامة، و"كانوا يهرعون إليه كأنما يتلقون منه التعليمات عن كيفية التصرف معنا".
وواصلت السلطات القطرية احتجاز السفير الروسي في مطار الدوحة ولم تسمح الشرطة القطرية له مجددا بالخروج من مبنى المطار حتى لاستشناق الهواء، حتى حضر نائب مدير المراسم في الحكومة القطرية الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أي بعد 8 ساعات من وصوله، وقال للسفير إنه يتقدم باسم حكومة قطر بكل ما يمكن من الاعتذار وأن ما حصل هو سوء تفاهم، وأن المذنبين في ذلك سيحاسبون".
وقال الدبلوماسي الروسي: "مدير المراسم في الحكومة القطرية قال لي لا أحد بالفعل يحق له تفتيش البريد الدبلوماسي، وأن رجاءهم الوحيد أن أسمح بتفتيش أغراضي الشخصية فوافقت فورا وأخذوها وفحصوها بالجهاز، وقالوا لي بعد ذلك يمكنك الآن الذهاب إلى منزلك، وفي الصباح سندقق في كل شيء.. وهو ما لم يحدث".
وكشف السفير أنه في صباح اليوم التالي لليلة الاعتداء عليه اكتشف أنه لا يرى بإحدى عينتيه، وأن التقرير الطبي يقول إنه أصيب بتمزق في الشبكية نتيجة إصابة ناتجة عن ضربات في الرأس".
وأضاف أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اتصل به، وقال إن موسكو ستستدعي السفير القطري وستسلمه مذكرة احتجاج، ومطالبة بمعاقبة المذنبين واعتذار رسمي، وطلب منه مغادرة قطر فور الانتهاء من عملية عينه، وقال "سنخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي".
ونوه السفير ببيان وزارة الخارجية الروسية بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2011 حول تخفيض العلاقات الدبلوماسية بسبب تلك الواقعة التي تعد انتهاكا صارخا للمعايير المتفق عليها في القانون الدولي وسينجم عنها آثار سلبية على العلاقات الروسية القطرية.
وردا على مزاعم قطر بشأن تجاوز السفير الروسي الحدود، أكد أنه طلب تسجيلات كاميرات المراقبة بالمطار لإثبات سلامة موقفه، ولكن الجانب القطري لم يستجب رغم توجيه 5 مذكرات للقطريين تطالب بتلك التسجيلات السمعية والبصرية التي تضمنت لقطات من الاعتداء تثبت تورطهم.
واختتم السفير الروسي السابق لدى الدوحة حديثه بأن موقف السفراء العرب خاصة سفراء بلدان الخليج أثار إعجابه الشديد، قائلا: "زارني في المستشفى سفير السعودية واتصل هاتفيا واستفسر عن أحوالي، كما زارني واتصل بي سفير الإمارات ومنحوني في الإمارات تأشيرة دخول على جناح السرعة لأسافر إلى أبوظبي ودبي لمتابعة العلاج في المستشفيات هناك، كما أوفدوا إليّ موظفا واستفسروا إن كنت في حاجة إلى المساعدة".
وتابع: "كما زارني السفير العراقي مرتين وعبّر لي عن تعاطفه، وأعجبني أيضا موقف سفير الكويت فبوصفه عميد السلك الدبلوماسي لبلدان الخليج قصد وزارة الخارجية القطرية وأعرب عن احتجاجه على ما تعرضت له من ضرب سفير دولة صديقة للعرب تاريخيا".
وكان السفير الروسي السابق في قطر فلاديمير تيتورينكو قد كشف في مقابلة سابقة مع القناة ذاتها عن أن النظام القطري اعترف صراحة بالعمل على تدمير مصر وليبيا وغيرهما من البلدان، قائلا: "نظام الحمدين كان يأمل بعد الإطاحة بالنظام المصري في 2011 التحكم في العالم العربي".
وأضاف: "تيتورينكو"، في مقابلة مع فضائية "روسيا اليوم"، أن حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر السابق، أكد له بكل سرور مشاركة الدوحة في إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا.
وتابع القول "أخبرني حمد بن جاسم أنهم سيرسلون 6 طائرات حربية، ولم يخبرنا بالوحدات الخاصة التي أرسلوها، وأكد عدم مشاركة الطيارين القطريين في القصف لأن قواتهم صغيرة وأي خسائر ستكون ملحوظة".
وكشف تورينكو قائلا: "ذكر بن جاسم، في 14 نوفمبر 2017، خلال حوار له مع BBC، أنهم أنفقوا 137 مليون دولار منذ بداية الحرب في سوريا، ودفعوا نفقات الحرس الجمهوري ورئيس الوزراء السوري، وأكد أيضا بمنتهى الصراحة لعبهم دورا كبيرا في تدمير سوريا واليمن ومصر بتوجيه من أمريكا".
كما تحدث السفير الروسي عن الطرق الملتوية الخبيثة التي استغلتها قطر ضد سوريا وليبيا ومصر، مؤكداً الدور التحريضي الذي لعبه كل من: يوسف القرضاوي وعزمي بشارة لتأجيج الصراعات السياسية ودعم المسلحين والجماعات الإرهابية بالمال والترويج الإعلامي.
وقال تيتورينكو: إن "الموقف القطري من الأنظمة العربية وروسيا تغير وتبدل تماما بعد 2011، ورفعت الدوحة وقتها شعار الانتقادات المفتعلة للأنظمة العربية والسياسية بالمنطقة"، مشيرا إلى أن قطر سعت لتغيير جميع الحكام العرب والتدخل في الشؤون الداخلية لمصر وليبيا وسوريا.