من المهم التأكيد بأن لجوء نظام الحمدين إلى الاستعانة بتركيا أردوغان ذي الطموحات الإقليمية..
بما أنني واحد من المهتمين بالشأن الخليجي، ومتابع للمشهد السياسي لدولة قطر، فإنه يمكن لي أن ألخصه في نقطتين رئيسيتين، الأولى: أن انفراد «نظام الحمدين» (حمد بن خليفة الأمير السابق، وحمد بن جاسم وزير الخارجية السابق) بسياسة دولة قطر بعيداً عن دول مجلس التعاون الخليجي، لم يكن الهدف منه صياغة سياسة قطرية مستقلة، تتسم بخصوصية معينة تسعى إلى هدف واضح ومشروع كباقي سياسات الدول الخليجية، بل الواضح جداً أن هذا الانفراد الذي لا يختلف كثيراً عن العمليات التي يقوم بها إرهابيو «الذئاب المنفردة»، يقوم باستغلال الإمكانيات المالية والإعلامية والسياسية لدولة قطر لخدمة الإرهاب والتطرف في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، حيث تدعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «الإخوان المسلمون».
من المهم التأكيد بأن لجوء نظام الحمدين إلى الاستعانة بتركيا أردوغان ذي الطموحات الإقليمية، وبإيران التي تعادي العرب جميعاً بما فيهم دولة قطر، وضع نفسه أمام أزمة كاشفة في الداخل، والدليل هو الاعتقالات الأخيرة التي تثير الرأي العام الخليجي بأكمله
أما النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها من المشهد السياسي القطري، فهي أن الحادث بين الدول الأربع المكافحة للإرهاب (السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين ومصر) لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بالخلاف السياسي، كما يفضل بعض المثقفين والساسة في الغرب تسميته، أو حتى بأنه اختلاف في وجهات النظر مع نظام الحمدين، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، باعتبار أن هذا النظام المستمر في الحكم (من الظل) سعى إلى تهديد وجود الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، من خلال العمل على تقسيمها جغرافياً، وكذلك مصر، عندما قدم دعماً مالياً وسياسياً وإعلامياً لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية. وللأسف لا يزال مستمراً في ذلك، وبالتالي فإننا كخليجيين (ومعنا الشعب القطري)، نتلهف لرؤية من يأتي ليخلص المنطقة من هذا النظام، ولو بتغيير سلوكياته السياسية التي باتت تنتقص من رصيد قطر يوماً بعد آخر، حيث يبدو واضحاً أنه لا يفكر إلا في مصلحة «الشلة الصغيرة» التي تحكم الدوحة، حيث بدأت الاعتقالات تطال أسرة آل ثاني، وهذا ما ستكون له تداعياته، وربما كان ذلك إرهاصاً بعودة الأمل والثقة باستعادة دولة قطر المختطفة منذ عام 1995.
هاتان النقطتان بدتا واضحتين في ورشة عمل عقدها «مركز الإمارات للسياسات» الأسبوع الماضي، وشارك فيها عدد من المثقفين الخليجيين والعرب وسفراء دول عربية وأجنبية، وجاءت تحت عنوان «السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية»، ما يؤكد أن المواقف الخليجية، الرسمية منها والشعبية، تقف ضد سياسة نظام الحكم في قطر، وأنها لا يمكن أن تتخلى عن هذه المنظومة الناجحة، ولعلها بذلك ترد على ما يدور في أذهان الكثير من المراقبين الذين يتساءلون عن مستقبل هذا المجلس، كنتيجة لطريقة إدارة الأزمة الحالية التي تعتبر أعقد أزمة تمر عليه، فمجلس التعاون الخليجي هو خيار أبنائه، وحتى ولو خرج نظام الحكم القطري الحالي، ومع اعترافنا بأنه يمكن إنهاء أي تنظيم سياسي أو حلف بخروج أحد أعضائه المؤسسين، لكن هذا الإنهاء يكون إما برغبة كل الأعضاء، أو خروج الدولة المؤثرة فيه مثلما حدث في انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن رغبة «شلة» في دولة معينة لا يمكن أن يؤخذ بها، وأغلب الشعب القطري ميّال لاستمرار المجلس ورافض لسياسات الحمدين المنفردة، وإن حدث أن تفكّك المجلس فسيكون ذلك ما يتمناه تنظيم الحمدين!
لا يمكن الإنكار بأن هناك تمايزاً سياسياً خليجياً في رفض السياسات المنفردة لدولة قطر، والأمر كذلك بالنسبة للمثقفين، كما اتضح من خلال ورشة العمل، إلا أن هذا التمايز ينحصر في درجة الحدة فقط وليس في الطبيعة الرافضة لتلك السياسات، ففي الوقت الذي قطعت فيه السعودية ودولة الإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، فإن الموقف الكويتي يسعى إلى إحداث انفراج. أما الموقف العُماني فقد اتضح مؤخراً من خلال طرد أحد الإسلاميين المسيسين حين أبدى تأييده لقطر، لكن هذا التمايز ليس في الإجراء أو نوعه، وهو ما يؤكد أنه حتى لو طالت الأزمة طويلاً فإن قطر الدولة الخليجية التي كانت سياستها ضمن الصف الخليجي ستعود إلى الحاضنة الخليجية، فسياسة الحمدين هي سياسة افتراضية بالنسبة لنا كخليجيين وكشعب قطري، أما قطر فهي في الواقع عضو أصيل في المنظومة الخليجية.
من المهم التأكيد بأن لجوء نظام الحمدين إلى الاستعانة بتركيا أردوغان ذي الطموحات الإقليمية، وبإيران التي تعادي العرب جميعاً بما فيهم دولة قطر، وضع نفسه أمام أزمة كاشفة في الداخل، والدليل هو الاعتقالات الأخيرة التي تثير الرأي العام الخليجي بأكمله، وهي مؤشر على الفراغ السياسي الذي يعيشه هذا النظام، بل إنه كلما امتد أمد الأزمة زاد الضغط السياسي على النظام ودخل في «مأزق»، ووجد نفسه في عنق الزجاجة، ما يعني أن نهاية الأزمة لن تكون في صالح الحمدين.
يبقى أن الاحتشاد الخليجي ضد سياسة الحمدين التي عانى منها الجميع، لا يعني أنه ضد الدولة القطرية وشعبها، وهذا ما ينبغي على المثقفين الخليجيين أن يدركوه، وليس لعب دور دبلوماسي لتبسيط ما سعى إليه «نظام الحمدين» لتدمير الكيانات السياسية الخليجية من خلال سياساته المنفردة عن الصف الخليجي والمتفردة في تهورها!
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة