كم سمعنا خلال 50 سنة أو أكثر قصائد وخطباً وعنتريات تشتم وتتهم عرب الصحراء بأنهم عملاء الغرب، ليتضح اليوم أنهم الشرفاء.
في تصريح لافت قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، نقلته عنه شبكة CNN الأمريكية ما نصه «إن على الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها العسكري والدبلوماسي في سورية من أجل حماية مصالح أمنها القومي، وذلك في موقف يأتي بعد تحذيرات من دمشق لواشنطن، ودعوتها للانسحاب الفوري من أراضيها».
سؤال كبير بعرض الشرق الأوسط وطوله، ما الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتأكيد على بقائها العسكري في سورية، وإن ذلك يمثل لها مصلحة قومية عُليا.
الدول التي تدّعي النضال والممانعة والاستقلال عن الغرب والشرق، هي من يجلب المحتلين لبلادهم، وبعين وقحة، بينما تبقى الدول المستقلة، وعلى رأسها الرياض والقاهرة، علامات بارزة تقف بصدق وإخلاص في وجه أي تدخل سياسي أوعسكري في دولهم أو في المنطقة.
إنها الأنظمة العميلة التي لطالما ادّعت كذباً عبر الميكرفونات والتصريحات الرنانة تبنيها موقفاً مضاداً للتواجد الأجنبي في الشرق الأوسط، وإن البلاد العربية يجب أن تبقى خالصة لأهلها.
كم سمعنا خلال 50 سنة أو أكثر قصائد وخطباً وعنتريات تشتم وتتهم عرب الصحراء بأنهم عملاء الغرب، ليتضح اليوم أنهم الشرفاء.
عرب الصحراء، وعلى رأسهم السعودية، هم الذين رفضوا الوجود الأجنبي، وهم من حافظ على استقلالية قراراتهم، بينما الدول التي انخرطت في محور الممانعة هي من فتح الباب على مصراعيه، وأعطى الغرب والشرق الذريعة للاحتلال العسكري.
لنعد بالذاكرة قليلاً لمنتصف الثمانينيات، عندما اشتعلت أزمة دولية كبرى بسبب قيام النظام الإرهابي في إيران بإغراق الخليج بالألغام البحرية، وشن هجمات متتالية على ناقلات النفط القادمة من دول الخليج، وخصوصاً الكويت.
شرعت إيران بدءاً من العام 1986 في نشر الألغام وشن هجمات غادرة على ناقلات النفط العابرة للخليج العربي انتقاماً من موقف دول الخليج العروبي من العراق، أغرقت ثلاث ناقلات، وعشرا أخرى في العام 1987، هددت الهجمات الاقتصاد العالمي بسبب نقص إمدادات النفط ووجدت أمريكا والغرب نفسه في موقف صعب.
لم يعد أمام الكويت، محدودة القدرات العسكرية، والتي لم يكن لديها منفذ آخر للتصدير غير الخليج العربي، إلا الطلب من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حماية ناقلاتها.
استجاب السوفييت فوراً وقدموا ثلاث ناقلات نفط وكاسحات ألغام للحماية ومسح الطريق الملاحي أمامها، بينما وافقت أمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى على رفع أعلامها على الناقلات، ذلك لأن القانون الدولي يسمح للدول التي ترفع أعلامها حماية تلك السفن من الهجمات وتبرر مرافقتها عسكرياً.
استدعت واشنطن سلاحها البحري وهاجمت إحدى قواعد الحرس الثوري التي اُكتشِف أنها هي من يقوم برزع الألغام في طريق الناقلات.
في تلك الفترة لم يكن للروس والأمريكان أي تواجد عسكري في الخليج العربي، ماعدا سفينة حربية أمريكية وحيدة تسمى «لاسال» كانت تقوم بمهمات لوجستية في البحرين.
هكذا دفعت إيران التي تتدعي عداوتها للغرب، أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا للقدوم للمنطقة واحتلال مياه الخليج العربي وإرسال عشرات السفن وحاملات الطائرت، الأمر الذي مكّنها من احتلال العراق وسورية لاحقاً، لقد بنت طهران مشروعيتها على عداء الدول الغربية زوراً؛ ومازالت تمارس نفس الدور وهناك من يصدّقها.
اليوم يعيد التاريخ نفسه وتفعل سورية كما فعل صدام من قبل من خلال جملة من أخطاء سياسية وعسكرية قاتلة فتحت الباب على مصراعيه للجيوش الأجنبية، فنظام بشار هو من استدعى القوات الإيرانية بسبب رعونته في التعامل مع الأزمة الداخلية، وهو من قدم قواعده الجوية والبحرية للجيش الروسي خوفاً من اقتلاع نظامه الفاشي.
اللافت للنظر أنه منذ الحرب العالمية الثانية لم تتدخل في العالم العربي أي قوة عسكرية، إلا أنه وبسبب عواصم الممانعة من طهران إلى دمشق للدوحة تداعت جيوش العجم والغرب للمنطقة، وما حاربت من أجله الشعوب العربية لإخراج الاستعمار من الباب، أعادته لنا دول عميلة عبر الشباك، ولنضع المشهد في إطاره الحقيقي دعونا نتعرف على الدول العربية المحتلة في هذه اللحظات المصيرية من التاريخ.
العراق محتل من الأمريكان والإيرانيين بسبب دخوله للكويت العام 90م، وبسبب سماحه للحرس الثوري بالتمركز داخل أراضيه، سورية محتلة من إيران وروسيا وأمريكا وإسرائيل في الجولان، قطر محتلة من الأمريكان والإيرانيين والأتراك، وهي مستعدة لجلب كل شذاذ الآفاق إلى دويلتها الصغيرة جداً من أجل المماحكة والكيد، ليبيا محتلة من الإيطاليين والفرنسيين والأمريكان.
إذن نحن أمام مشهد واضح جداً، الدول التي تدعي النضال والممانعة والاستقلال عن الغرب والشرق، هي من يجلب المحتلين لبلادهم، وبعين وقحة، بينما تبقى الدول المستقلة، وعلى رأسها الرياض والقاهرة، علامات بارزة تقف بصدق وإخلاص في وجه أي تدخل سياسي أوعسكري في دولهم أو في المنطقة.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة