لا يجب أن ننصدم أو نتفاجأ إن شهدنا الدوحة تلجأ إلى التحرش العسكري بجيرانها
ليست المسألة محصورة في تهديد سلاح الجو القطري لطائرتين مدنيتين إماراتيتين، بل هي جزء من استراتيجية قطرية جديدة، تسعى للصدام من أجل حلحلة أزمتها مع الدول الداعية لمحاربة الإرهاب، وذلك وفق المثل اللبناني الشهير "إذا ما كبرت، ما بتصغر !".
ولرؤية الصورة بشكل أوضح، علينا استعراض الاستراتيجية والتكتيكات التي لجأت لها الدوحة منذ بداية الأزمة في يونيو الماضي.
وضعت الدوحة في بداية الأزمة استراتيجية للوصول إلى "صلح ما" ونهاية للأزمة خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، وجهزت ميزانيتها على هذا الأساس، وكان الإنفاق كبيراً من أجل التقليل من آثار الأزمة وتداعيات المقاطعة، وكذلك رسم صورة لقطر وكأنها لم تتأثر بالخطوات التي اتخذتها الدول الأربع.
وخلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى للأزمة، لعبت الدوحة دور الضحية الضعيفة التي تعرّضت "لمؤامرة"، فركزت على قضية مزاعم اختراق موقع وكالتها الرسمية للأنباء والتحقيق فيه، والذي لم يصل حتى الآن إلى نتيجة يمكن الكشف عنها، سوى "مزحة" أن الاختراق تم بجهاز آي فون من دولة جارة !
يبدو أن اليأس القطري من إحداث اختراق أو حلحلة في أزمتها بدأ يدفعها إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من التكتيكات التي تعبّر عن مرحلة اليأس التي تمر بها حالياً، وهي الاستشراس والتهديد والتصعيد.
بعد ذلك جاءت خطط تقديم التنازلات للدول الأوروبية وواشنطن، من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع أميركا من أجل وقف تمويل الإرهاب، وفتح السجلات الاستخباراتية للمخابرات الألمانية، وإبرام صفقات سلاح مع فرنسا وأميركا وغيرها.
وفي هذه الأثناء راهنت الدوحة، وبشكل شبه مطلق، على جهود الوساطة الكويتية، وتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل جمع كل الأطراف على طاولة مفاوضات واحدة، لكن جهود أمير الكويت والرئيس ترامب لم تأتِ بنتيجة بسبب تمسك الدول الأربع بمطالبها العادلة والمشروعة؛ والتي تتمثل بترك قطر دعم واحتضان وتمويل الإرهاب والتطرف.
وعليه، لم يسعف أيٌّ من هذه التكتيكات والتصرفات قطر في أزمتها، فانتقلت إلى مرحلة ثانية من الاستراتيجية، وهي العمل على ضرب وتفكيك التحالف الرباعي المقاطع لها، ومن خلال تبادل الأدوار تارة أو تكامل الأدوار تارة أخرى، مع تركيا، إذ سعت الدوحة إلى تصوير الأزمة على أنها خلاف قطري إماراتي بحت، وأرسلت رسائل مُبطنة أو مع أطراف ثالثة إلى مصر والسعودية من أجل تحييدهما في هذه الأزمة. بل إن أمير قطر الشيخ تميم اتصل هاتفياً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في خطوة عكست العجز القطري وضعف الموقف.
وعندما حاول تميم جعل الاتفاق من أجل الصلح والتفاهم ثنائياً بين الدوحة والرياض، من خلال تشكيل لجان مشتركة من الدولتين فقط لحل الخلاف، جاءه الرد من الأمير محمد بن سلمان بأنه سيتشاور مع بقية الدول الشريكة له، معلناً رفض المحاولة القطرية لإخراج السعودية من الصف والاستفراد بصلح مباشر معها، ومع هذا الرد أدرك الشيخ تميم أن خطته فشلت.
تسارعت بعد ذلك "المشاغبات القطرية" في علاقاتها مع إيران ومد الجسور، وكشف دورها في اليمن إلى جانب الحوثيين ضد دول التحالف العربي. مع استمرار إعلامها بكافة منصاته محاولاته في الضرب على وتر زرع الفتة، واختراع الخلاف بين الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وكان الأمل القطري أن تجدي حملاتها الإعلامية في تفكيك هذا التحالف الرباعي، أو زرع الشقاق بين دوله، لكن هذه المحاولات أيضا باءت بالفشل. بل إن وزير الخارجية القطري حاول استمالة القاهرة بتصريحات متكررة عن رغبة بلاده في حل الخلافات معها، لكن معها وحدها بالطبع، من أجل تحييدها في هذا الخلاف، واستعانت الدوحة بتركيا في هذا الإطار، فبدأ الحديث عن تقارب تركي مصري، دون أن يثمر ذلك عن أي نتيجة إيجابية ملموسة.
وبعد كل هذه المحاولات والتكتيكات التي انهارت وتفتّت على جدار صلابة التعاون والتنسيق للدول الأربع، السعودية والامارات والبحرين ومصر، يبدو أن الدوحة التي أدركت أن نزيفها الاقتصادي سيستمر لوقت أطول مما خمنت أو استعدت له، كما أن الرسالة الأميركية التي حملها وزير الخارجية ريكس تيلرسون في زيارته إلى السعودية وقطر مؤخراً، حملت رسالة مخيبة للآمال القطرية، حين أكد تيلرسون أن واشنطن لن تتدخل ولن تفرض حلاً على أطراف الأزمة، وأن الحل يجب أن يكون خليجياً ومن خلال الوساطة الكويتية فقط، ويبدو أن اليأس القطري من إحداث اختراق أو حلحلة في أزمتها بدأ يدفعها إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من التكتيكات التي تعبّر عن مرحلة اليأس التي تمر بها حالياً، وهي الاستشراس والتهديد والتصعيد، فتدفع أولاً حلفاءها في المنطقة من أجل تهديد المملكة العربية السعودية، من خلال اجتماع لرؤساء أركان جيوش قطر والسودان وتركيا في الخرطوم على هامش زيارة الرئيس التركي للسودان، لينطلق بعد ذلك الحديث عن تهديد أمن البحر الأحمر من قبل قواعد عسكرية تركية جديدة في السودان هذه المرة، ثم تصعّد الدوحة مع الإمارات من خلال توجيه تهمة خرق الأجواء القطرية، وبعد ذلك بالتحرش بطائرات الإمارات المدنية، بشكل يهدد الملاحة الجوية في المنطقة برمتها، ولا يجب أن ننصدم أو نتفاجأ إن شهدنا الدوحة تلجأ إلى التحرش العسكري بجيرانها، أو افتعال أزمات أكبر وأقوى معهم مستقبلاً، والهدف من ذلك هو جرُّ هذه الدول إلى صراع عسكري وخصوصاً دولة الإمارات، من أجل الضغط على واشنطن للتدخل وطرح خطة حل أو مفاوضات، فقطر مستعدة لتقديم تنازلات من جانبها، لكن ليس للدول التي تشتكي من سلوكها، بل لأميركا أو الدول الغربية، حتى لا يقال بأنها خضعت للحق ولمطالب جيرانها العادلة، وإنما كي تروّج بأنها قدمت تنازلات بناء على وساطة غربية أو أميركية، وذلك من أجل الحفاظ على ما بقي من ماء الوجه، وعليه فإنه كلما مر الوقت، وكلما بقيت الدول الأربع متماسكة وثابتة على موقفها، شعرت الدوحة بيأس أكبر وعُبِّر عنه بتصعيد أكبر قد يصل حد التصعيد العسكري من خلال مغامرات غير محسوبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة